”20 سبتمبر”.. هدية ”كوثر” لوالدها ولصناع السينما
الأكثر مشاهدة
"باتريسيا" كلمة السر التي استطاعت أن تصنع من خلالها كوثر يونس فيلما تسجيليا ثري بالمشاعر والعلاقات الإنسانية القادمة من واقع يشبهنا جميعا.
في آخر سنوات الدراسة بالمعهد العالي للسينما، كانت كوثر تبحث عن فكرة جديدة لمشروع التخرج الخاص بها، حتى شغلتها "باتريسيا"، الفتاة الإيطالية التي أحبها والدها في شبابه، ووعدها بالزواج في أثناء إقامته بروما، ولكنه رحل قبل أن ينفذ هذا الوعد، وفكرت "ليه ميكونش ليا أخوات هناك؟"، ثم عقدت العزم أن تكون رحلة البحث عن حب الدكتور مختار يونس، أستاذ الإخراج بالمعهد العالي للسينما، هي فيملها التسجيلي الأول "20 سبتمبر" أو "هدية من الماضي".
تأتي أحداث الفيلم طبيعية وتلقائية، فالمخرجة كوثر يونس اعتمدت على تصويره بكاميرا الموبايل وبشكل خفي، حتى لا يُدرك والدها ذلك، ويتصرف بشكل عفوي، فالفيلم بالكامل تم تصويره بكاميرات خفية ودون علم أي من الشخصيات، التي أخذت تصريح منهم جميهعا فيما بعد بالموافقة على عرض الفيلم.
تتلخص قصة الفيلم في الهدية التي قررت كوثر أن تقدمها لوالدها في عيد ميلاده الـ 75، وهي السفر إلى إيطاليا للبحث عن باتريسيا، حبه القديم، والاعتذار لها عن هجرتها دون حديث أو توضيح، وهكذا تتسلسل أحداث الفيلم، الذي تم تصويره عام 2013، بداية من إقناع والدها بالسفر، والحصول على التأشيرات وإتمام إجراءات السفر، والوصول إلى روما.
تظهر أحداث الفيلم طبيعية مشابهة لحياة كثيرين منا، وهو ما سعت كوثر إلى إظهاره خلال 80 دقيقة، فرغم أنها كانت تقدم هدية إلى والدها، فكانت تحقق لغيرها ما تتمنى أن يتحقق لها "وقتها كنت في علاقة مع حد، وسابني فجأة، وكنت محتاجة منه أنه يقولي السبب، فكانت الرحلة علاج نفسي ليا عشان أحس بالرضا".
يظهر والدها، كأغلب الآباء، يداعب ابنته ويضحك معها، ثم يتشاجرا حول أي شئ، فما يجمعهما علاقة مميزة ومختلفة قائمة على الود والتفاهم رغم فارق العمر "بيني وبين والدي 55 سنة، لكن قادرين نفهم بعض كويس جدا رغم الفارق ده"، وتلك كانت أهم وجهة نظر تسعى كوثر إلى إيصالها من خلال الفيلم
الفيلم بالنسبة لكوثر مخاطرة كبيرة، فكونها تقوم بالتصوير بشكل خفي، قد يجعل أي من شخصيات الفيلم يرفض عرض الفيلم، وهو ما حدث بالفعل مع والدها، فبعد الانتهاء من الفيلم، وإخراجه في صورته النهائية، عرضته على والدها الذي رفض أن يتم عرضه، ولكنه وافق فيما بعد "هي دي طبيعة شخصيته اللي بتظهر طول الفيلم، يتردد، ويوافق وبعدين يرفض"، وفي حال عدم موافقته كانت كوثر على استعداد لإعادة السنة الدراسية مرة أخرى
رغم أن الفيلم كسر كل قواعد السينما، فالصورة مهزوزة ومشوشة، وأوقات أخرى مقلوبة، إلا أنها استطاعت أن تبنيها من جديد، كما أشاد أساتذة المعهد، كما لاقى الفيلم إعجاب والدها "مبهور وشايفة حاجة محصلتش قبل كده.. وهيقلب الكون، وأنه نوع جديد من أنواع السينما لأنه جمع بين التسجيلي والروائي"، ورغم أنها كانت تقوم بالتصوير بطريقة عشوائية سجلت في النهاية ما يقرب من 135 ساعة تصوير "أنا كنت بصطاد سمك".
التقاط المشاعر، وتسجيل كل اللحظات من أهم الأهداف التي قام عليها الفيلم، مما جعلها تضع لنفسها قاعدة مهمة "أنا هصور طول الوقت مهما كانت الصورة مهزوزة أو مقلوبة"، الأمر الذي جعلها هي نفسها تنى وجود الكاميرا، وهو ما اكتشفته في أثناء عملية المونتاج وإخراج الفيلم، وفي هذه المرحلة كانت تتعامل مع المنتج بصورة مهنية "نسيت أنه ده أنا، وأنه ده والدي، لدرجة أنه اكتئبت ومريت بمشاكل نفسية".
أهدت كوثر الفيلم لوالدتها "هي أكثر واحدة فرحانة بالفيلم"، كما أن والدتها ساعدتها على إخفاء الموبايل والكاميرا عن والدها "غير أنها سلفتني كتير، وساعدتني وشجعتني، وكل شوية تسأل عن الحضور وإعجاب الناس بالفيلم".
منذ صغرها تعلم كوثر أنها تريد دراسة السينما وصناعة الأفلام "كنت بحب أتفرج على الأفلام، خاصة، مع وجود شخصية حقيقية متكاملة" وتقصد كوثر بـ "المتكاملة" أن تكون الشخصية قادرة على جعل المشاهدين يصدقونها ويرون أنفسهم فيها، وتحمل في جوانبها الإيجابيات والسلبيات "واللي بيخلي السينما ممتعة هي القدرة على أننا نشعر بأجزاء منا في شخصيات الفيلم".
تتمنى كوثر أن تصنع أفلاما قادرة على جلب السعادة على قلوب المشاهدين "أنا بمشي ورا الشخصيات، وأتمنى الناس تتفرج على أفلامي وتحبها وتتبسط بيها"، فرغم قلقها من استقبال الجمهور الأوروبي لفيلم "20 سبتمبر" كونه ملئ بالمشاعر، إلا أنها لاقى إعجابا فاق ما وجدته في مصر ، وذلك في أثناء عرضه بمهرجان برلين للفيلم العربي في ألمانيا. وكان أول عرض للفيلم في مهرجان القاهرة السينمائي في دورته الـ 37، كما عرض في مهرجان إنكاونترز للفيلم الوثائقي في جنوب إفريقيا، والمهرجان الدولي في باتموس.
تخطى صدى الإعجاب بالفيلم، الذي يحمل اسمين أحدهما بالعربي "20 سبتمبر" والآخر بالإنجليزية "هدية من الماضي"، إعجاب الجمهور العادي، مما أدى إلى مد فترة عرضه بسينما زاوية لأيام أخرى، وأسعدتهم التلقائية والحيوية والجرعة الكبيرة من المشاعر، ليصل إلى صناع السينما أنفسهم، فقالت عنه المخرجة هالة خليل "بسيط.. عميق.. ذكي.. مؤثر.. ممتع.. صادق.. هادف.. مرهف.. مبهج وموجع معا" متنبئة بكوثر يونس كأحد المخرجات المهمات في الفترات المقبلة.
وعبر المؤلف تامر حبيب عن سعادته بالفيلم، وقال "ده أحلى مشروع تخرج شفته في حياتي سواء في معهدنا المصري أو أي معهد تاني في الدنيا"، واعتبر الفيلم من أكثر الأعمال سلاسة وصدقا وبساطة، ووجه حديث لكوثر، عبر حسابه على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، قائلا "أنتي بالفيلم ده مش تدخلي أتخنها مهرجان في الدنيا وأنتي رافعة رأسك ورافعة رأس بلدك، أنتي بالفيلم ده تدخلي الجنة".
واعتبر المنتج محمد العدل الفيلم "هدية لمحبي السينما من المخرجة الصغيرة الكبيرة كوثر مختار يونس"، وقال عنه المخرج يسري نصر الله "الفيلم حلو قووي".
تجمع كوثر تمويل فيلمها القادم، الذي يأتي في قالب روائي وتقوم صاحبة القصة الحقيقية بتمثيله، من خلال الحصول على 10% من بيع منتجات "أب-فيوز"، المصنوعة من المواد البلاستيكية المعاد تدويرها، وتحث محبي فيلمها على شراء هذه المنتجات لتشجيعها ومساعدة المنظمة التي تبيع هذه المنتجات نفسها.
الكاتب
هدير حسن
الإثنين ١٢ ديسمبر ٢٠١٦
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا