فاجعة ”البطرسية” بأعين صحفيات من قلب الحدث
الأكثر مشاهدة
مع وقوع الحوادث والمصائب ينتفض الجميع فارين، يحاولون النجاة بأنفسهم، في حين يعد رجال الأمن والإسعاف عدتهم للاتجاه نحو الكارثة، ومعهم الصحفيون.
لذلك قرر "احكي" أن يرى فاجعة التفحير الذي لحق بالكنيسة البطرسية بالعباسية، صباح الأحد الماضي، بعيون الصحفيات المصريات، سيدات المهنة التي تبحث وتنقب لتعرض الصورة كاملة، موضحين لـ " احكي" كيف تلقين الخبر؟ وما هي وسيلتهن لامتصاص غضب الأهالي والمارة؟ في ظل أجواء أصبحت مهددة للصحفي ولعمله الميداني.
"الجميعي".. تخفي هويتها الصحفية
نزلت "رنا" من منزلها يوم الأحد موجهة قبلتها نحو عملها في موقع "مصراوي"، وعندما علمت بحادث كنيسة "البطرسية" غيرت قبلتها نحو الحادث، وبادرت وأخبرت رئيسها في العمل بأنها ذاهبة إلى مستشفى الدمرداش.
"أول حادثة كبيرة أنزل أغطيها من أول ما اشتغلت، وأشوف أهالي في حالة انهيار"، بدأت "رنا" تقص المشهد بنبرة صوت مختلطة بالحزن، قالت أنها وصلت إلى المستشفي في تمام الساعة 12 ظهراً، وكانت الأعداد كبيرة متنوعة بين الأهالي والصحفيين، لافتة إلى أنه لا يوجد تفتيش ولا تزمت خلال الدخول ولكن لابد من إخفاء الهوية الإعلامية لتجنب التصرفات العدائية ضد الصحفيين.
"أخدت مني 3 يارب، فضلنا إيه بعد كدا أنت بتعاقبنا ليه"، نقلت "رنا" خلال حواراها مع موقع "احكي" مشهد الأهالي المتكدسة بجوار غرف العمليات وكشف العظام، والطوارىء ما بين كبير وصغير، رجل امرأة في حالة عويل مستمر.
وانتقلت الصحفية إلى الحديث عن أهم الصعوبات التي واجهتها خلال التغطية، واعتلى الحديث مع الأهالي رأس العقبات، ووضعها في حيرة بين القيام بمهام عملها، والرفق بحالة الأهالي، والصعوبة الثانية تمثلت في التصوير، ولكنها تغلبت على ذلك بتركيزها على رصد الشهادات، واتجاهها إلى الأهالي الهادئة، القادرين على الحديث، مستشهدة بحواراها مع أحد المتطوعين الذي سمع بالحادث واتجه إلى الكنيسة، ولم تقف الصعوبات عند هذا الحد، فالفريق الطبي بأكمله كان مشغول ولم تستطع التحدث سوى مع أطباء الامتياز.
"أنتوا صحافة وبتاكلوا عيش ومش هتكلم معاكم"، انطلق رجل من ضمن أربعة آخرين في وجه الصحفية بهذه الكلمات، وكان الانسحاب هو الرد على حديثه، وأكدت رنا أنها لا تخاف على أمنها الشخصي، وخوفها ينبع من الذهاب إلى حالات منهارة لم ترد التحدث.
"كانت السيدة في حالة ذهول وصدمة لا تبكي، شعرها لم يظهر لونه من التراب، وآثار الانفجار عليها"، ففي نهاية المطاف استطاعت "رنا" أن تتحدث مع مصابة واحدة تدعى "نجوى كامل"، ولم تتخذ هذه الخطوة بشكل عفوي، ولكنها ذهبت إلى الطبيب لكي يدلها على حالة تستطيع التحدث.
وفي نهاية الحديث أكدت الصحفية العشرينية، التي استمرت في تغطية الحادث أكثر من 10 ساعات متواصلة ما بين مكان الحدث والذهاب إلى موقع عملها، على أن الحوادث في مصر لا تنتهى وستكرر التجربة مرة أخرى مهما كانت الصعاب.
أحد موضوعات رنا عن واقعة الكنيسة
"سارة حامد".. الدفن بـ "دعوات"
علمت "سارة" بوقوع الحادث في تمام الساعة 9:50 دقيقة، ومرت 40 دقيقة من وقت معرفتها بالحادث وتواجدها أمام الكنيسة، فذهبت قبل الأمن نفسه، ودخلت إلى قلب الكنيسة، "لولا علاقتي الطيبة بأحد الأساقفة لم أستطع دخول الكنيسة"؛ حيث تولت "سارة" أمر الملف القبطي منذ 6 سنوات، وهذا ما يسر لها الدخول.
ألقت صحفية مجلة المصور باللوم على تعامل "الأمن" و"الكنيسة" في التعامل مع هذا المصاب الجلل، وذكرت ما تعرض له السيدات من انتهاكات وتعامل سىء، مستشهدة بالسيدة المسلمة التي بكت بكاء شديد، أمام كنيسة السيدة العذراء بمدينة نصر، للسماح لها برؤية جارتها، فضلا عن المعاملة السيئة والتفرقة في التعامل مع المحجبات باعتباره دليل على الهوية الدينية –حسبما قالت سارة-.
"الدخول بدعوات"، تذمرت "سارة" من الكنيسة بسبب تخصيصها دعوات لحضور صلاة الجنازة، مقتصرة على شخص واحد فقط من أهل المتوفي يحصل على الدعوة من الكاتدرائية في نفس اليوم، وحضر موقف في ذهنها خلال الحديث لسيدة طاعنة في السن، توسلت إلى الأمن لكي يسمحوا لها بالدخول لتوديع أختها المتوفية.
واختتمت حديثها مع موقع "احكي" بتسليط الضوء على التعنت مع الصحفيين غير النقابيين رغم توافر هوية المؤسسة التي ينتمى إليها الصحفي "احنا لو معملناش الشغل دا مش هندخل النقابة إللي انتوا عايزين الكارت بتاعها"، فاستمرت سارة في العمل منذ وقوع الانفجار حتى وقت الحديث معها وهي ذاهبة إلى يوم العزاء الثاني لضحايا الانفجار.
"عزة جرجس"..الرفق بالمنكوبين
صراخ وعويل الأهالي، الهرولة إلى المستشفيات المحيطة بالواقعة، بدأت "عزة" تصف المشهد منذ نزولها من التاكسي في منطقة "غمرة"، حتى وصولها إلى الكنيسة البطرسية بالعباسية، موضحة الأجواء الخارجية للكنيسة.
لم تتعرض الصحفية بوكالة الأنباء الإسبانية، إلى أي مضايقات خلال تغطيتها لحادث الكاتدرائية يوم الأحد مقارنة بنظيراتها من الصحفيات المحجبات، لافتة إلى أن السبب في ذلك ربما كونها "صحفية غير محجبة ، "أحنا بنحاول نعمل شغلنا رغم كل التضيققات، الأمن دوره حمايتنا"، ففي سياق آخر لفتت إلى بعض المضايقات من قبل الأمن، وقصور الكنيسة في التعامل مع الإعلامين فلم يتم إصدار بيان حتى وقت متأخر، وكل هذا ينصب في التضييق وعدم إتاحة أي معلومة إلى الإعلام -حسب قولها-، رغم أن الإعلام هو حلقة الوصل بين الحادث والجمهور.
ومن أكثر المشاهد التي استوقفت "عزة" زوج وزوجة ذهبا إلى حضور القداس، وإبان وقوع التفجير لم يستطع الزوج الوصول إلى زوجته :" الجثث قدامي مشوهة، ديه لو قدام عيني مش هعرفها"، وقامت "عزة" بالتعاون مع زميلاتها الصحفيات بالبحث عن الزوجة، ولكن البحث كان دون جدوى ولم يتوصلن إلى أي شىء متعلق بالسيدة.
وعملت الصحفية على مدار الست سنوات الماضية على تغطية العديد من الأحداث الميدانية والاشتباكات، مما أعطها خبرة للتعامل مع تغطية الأزمات، ونصحت بالتركيزعلى الجانب الإنساني إلى من يرتاد العمل الميداني، والرفق بالأهالي.
وفيما يتعلق بالتصوير، أوصت بعدم اقتحام اللحظات العصيبة لأهالي الضحايا، فمن الممكن الذهاب إلى مكان بعيد من أجل لالتقاط الصور ونتحايل على البعد بعمل (zoom) للكاميرا، وأوصت الصحفيين أو المصورين الذهاب إلى العمل الميداني بأوراق تثبت الهوية سواء كان كارنية النقابة أو كارنيه الجريدة أو الموقع.
"الصحفيات يقدروا يغطوا أي واقعة وأي مكان وبقوة"، اختتمت عزة حديثها مع موقع "احكي" بهذه الجملة لتوجه رسالة إلى من يقصرون العمل الميداني على الرجال فقط.
خطاب: الأمن حاد مع الصحفيين غير النقابيين
تحدثت "سلمي خطاب" بصوت متقطع مصاحب بضجيج حولها، عن منع الصحفيين الغير نقابيين من الدخول، ولكن الأمر اختلف مع النقابيين وكان أسهل " أنا عضوة نقابة عشان كدا الموضوع بالنسبالي كان أسهل".
وجدير بالذكر أن موقع "احكي" تواصل مع الصحفية خلال القيام بعملها لتغطية مراسم تشييع الجنازة الرسمية لشهداء "الكنيسة البطرسية"، التي بينت رفض الكنيسة التام لحضور الصحفيين للقداس في بدء الأمر،" بعد مقاوحة طلعونا لقاعة الصلاة وحضرنا القداس للتغطية".
وانتقلت بالحديث إلى أهالي الضحايا، ووصفت أن الحديث مع أهالي الضحايا عقب الفاجعة قرار غير حكيم، ولابد من الرفق بحالة الانهيار التي تسيطر عليهم، والحفاظ على خصوصيتهم.
وتم التواصل مع "سلمي" مرة أخرى عقب التغطية، ووصفت المشهد بالمهيب التي يتكون من الجثامين داخل الكنيسة، وسيارات الإسعاف بالخارج، وفيما يتعلق بالصعوبات التي واجهتها، قالت أن التعود على "الشارع" و"الميدان" يأتي بتكرار النزول حتى تكتسب الخبرة للتعامل مع تلك الأحداث، "مفيهاش مخاطرة دة في النهاية حدث متأمن، ولو علي طريقة التعامل فدي بتكتسب بالخبرة"، لافتة إلى أن تراكم المواقف تعلم الصحفي كيف يتصرف مع المواقف المختلفة.
هيام علي: بنطلوني اتقطع وطلعت بـ 10 صور بالعافية
في تمام الساعة التاسعة صباحاً حملت "هيام" حقيبة ظهرها، بداخلها كاميرا مهرولة من أجل التقاط الصور لتوثيق مراسم الجنازة الرسمية لضحايا الكنيسة، ونقل المشهد بكل ما يحتويه من حزن يخيم على المكان، واستمرت في العمل حتى الساعة السادسة مساءاً، ووقفت خلال كلامها عند التعامل السيء من قبل الأهالي والأمن "أنا هكسرك وهكسرلك الكاميرا".
"أول واقعة صعبة أقوم بتصويرها من أول ما اشتغلت، بنطلوني اتقطع والمفروض أني أخد غرزة في رجلي، وواحدة صحبتي اتحبست في الحمام، وضربوها، بس هنزل بعد كدا برده"، عادت بذاكراتها إلى أصعب المواقف التي تعرضت إليها من قبل الأهالي مستشهدة بالعديد من مشاهد الضرب الذي تعرض إليها زملاؤها.
وفيما يتعلق بالتصوير لفتت المصورة الصحفية بموقع وجريدة "فيتو" إلى تسلقها أعلى السيارات والشجر المحيط بالمكان لكى تلتقط الصور،"دا حدث مهم يعنى لازم اطلع بـ 50 أو 60 صورة، بسبب المعاملة السيئة صورت 10 صور بالعافية".
وفي ختام حواراها استعرضت "هيام علي" الانتهاكات التي تعرضن لها الصحفيات المحجبات كونهن مسلمات خلال التغطية، ووصفت التعامل معهن بالعنصرية، وأوصت الأجهزة الأمنية في نهاية حديثها بتخصيص أماكن للصحفيين والمصورين منعاً لإيذائهم، مؤكدة على استمرارها في تغطية الأحداث رغم كل هذه المصاعب.
الكاتب
سمر حسن
الثلاثاء ١٣ ديسمبر ٢٠١٦
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا