هيلين فورهوفة.. هولندية خدمت بنات الصعيد لأكثر من 70 عاما
الأكثر مشاهدة
من هولندا إلى الصعيد الجواني بمصر، رحلة عطاء طويلة بذلت لأجلها سنوات عمرها الطويل، زاهدة ومتعبدة غير راغبة في متاع الحياة، متطلعة فقط إلى الآخرة، ومتمنية أن تجاور المسيح عليه السلام فـ "ذلك أفضل".
السيدة الهولندية هيلين فورهوفة، المولودة في 11 أبريل 1912 رفضت أن تنعم في حياتها في حين يتواجد في مصر من يحتاج إلى الخدمة والرعاية، ففي عمر الـ 17، قررت أن ترحل إلى المحروسة، لتخدم في الكنيسة، ولكن والدها أقنعها بتأجيل ذلك حتى أتمت الـ 25 عاما.
قبل أن تصل إلى الإسكندرية عام 1937، كانت فورهوفة تعمل في ملجأ للأطفال بألمانيا، ففطرتها جبلت على العطاء، لا تريد من الدنيا سوى أن تؤدي رسالة تخدم بها المجتمع، وتجعل ذكراها خالدة، وفور وصولها إلى مصر انتقلت إلى القاهرة لتتعلم اللغة العربية.
استقر الحال بفورهوفة في طما بسوهاج عام 1941، وقررت أن ينطلق عملها الصالح من هناك، وتبقى أعمالها تشهد على حبها للجميع ورغبتها في أن تصنع مستقبل أفضل لأجيال أخرى، فحين وجدت حاجة القرية الفقيرة إلى مدرسة تعلم الفتيات، قامت بشراء قطعة أرض لبناء مبنى المدرسة عام 1946، ووضعت حجر الأساس في 1951، ثم افتتحتها تحت اسم "مدرسة بيت إيل" في 1954، التي تحول اسمها فيما بعد إلى مدرسة النور.
ما صنعته كان يستحق التكريم، فترك الرفاهية والراحة من أجل إسعاد الآخرين، أمر لن يقبل عليه كثيرون، لذلك استحقت أن تمنحها ملكة هولندا وسام الفروسية عام 1955، رغم أن هذا لا يشغلها فهي تسعى لخدمة الكنيسة وتطوير المجتمع، ففي عام 1958، أنشأت دار النور لعقد الاجتماعات الروحية لطلبة المدارس.
ورغم ما قدمته، إلا أنها تعرضت للإبعاد عن مصر عام 1970، وبعد عودتها مرة أخرى قررت فورهوفة أن تكون طما محطة حياتها الأخيرة، فاشترت مدفن بالقرية في 1980 وأوصت أن يشهد ثراها الأخير، فكانت آخر زيارة لموطنها الأصلي هولندا عام 1997، ولم تغادر مصر بعدها.
كانت فورهوفة تفتح أبواب مدرستها للجميع من مختلف الأطياف والعقائد، وكانت تتواجد يوميا وسط الطالبات والمدرسات، فتحمل الآلات وتعزف بنفسها النشيد الوطني، وتشاركهم أفراحهم وأحزانهم، وارتبط بها أهل طما، ولقبوها بـ "الست"، بعد أن شهدوا منها الحب والاهتمام.
وفي مسيرة حزن، وأجواء فقدان خيمت على قرية طما، رحلت هيلين فورهوفة في 7 مايو 2014، مخلفة وراءها عطاء استمر لما يقرب 75 عاما قضتها في حب مصر، وصعيدها، وكرست حياتها لتعليم الفتيات.
الكاتب
هدير حسن
الأحد ٢٩ يناير ٢٠١٧
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا