رحاب تترك ”دبي” وتعمل في ”أوبر”: كنت بخاف من الناس
الأكثر مشاهدة
محملة بأفكار مسبقة عن ما يمكن أن تواجهه في الشارع، والقلق من التجربة الأولى للعمل كسائقة، استقبلت رحاب عميلها الأول في رحلة قطعت فيها ما يقرب من 35 كيلومترا من مدينة نصر إلى العبور، ورغم عدم معرفتها بالطريق والاضطراب البادي عليها، إلا أنها استطاعت أن تكسب ثقته "مكنتش عارفه الطريق، ووصفهولي، وبعد ما وصلته أداني فلوس زيادة غير حساب الرحلة"، شجعها العميل الأول، وحمسها ذلك لاستكمال العمل الذي تحدت من أجله كثيربن.
بعد أن استقرت رحاب مهران، البالغة من العمر 33 عاما، في مصر عقب فترة طويلة قضتها في دبي تقدر بعشر سنوات، بدأت تبحث عن عمل يناسب مهاراتها وخبرتها المهنية، فكانت تعمل في الإمارات مسئولة الموارد البشرية بإحدى القنوات التلفزيونية، وتمنت أن تجد فرصة عمل تتوافق مع مؤهلاتها، وتلائم حصولها على البكالوريوس من كلية الإعلام بجامعة القاهرة، وشهادتي الماجيستير في إدارة الموارد البشرية وإدارة الأعمال من جامعة كامبريدج.
ظلت رحاب طوال 6 أشهر تخضع لعدد ليس بقليل من مقابلات العمل في مختلف المجالات والشركات، وتوقعت أن تكون المؤهلات والخبرة سببا لحصولها على الوظيفة "الناس بتبقى عارفة هي هتجيب مين، والموضوع وسايط وكوسة مش كفاءة"، فقررت أن تسلك طريقا آخر.
"فكرت في أوبر" خطر على بالها العمل بالشركة التي توفر وسيلة مواصلات عبر تطبيق متاح على أجهزة الهواتف الذكية، فقامت بشراء سيارة لتعمل عليها، ورأت أن هذا هو الأنسب لظروف بيتها، ولمصلحة ابنها الذي لم يتخط التسع سنوات، "دورت على شغل ميكونش له مواعيد، وأقدر أنظم من خلاله الوقت براحتي"، فرحاب كانت تريد إلى جانب العمل، إتاحة الوقت لقضائه مع أسرتها وابنها وتأدية واجباتها تجاهه، بخلاف أن تعمل في مجال يعجبها "أنا بحب السواقة من زمان".
في سبتمبر الماضي، بدأت رحاب أولى رحلاتها، بعد تحديات واجهت بها أسرتها، وخاصة والدها، الذي يعتقد أن قيادة السيارات عمل لا يناسب المرأة، ولا يتفق مع خبرتها الأكاديمية والمهنية "قالي هتبقى عاملة زي سواقين التاكسي، لكن أقنعته أنه في سيدات كتير بيسوقوا ميكروباصات وعربيات نقل"، وتغلبت على الفكرة التي تعتبر هذا العمل وكأنه نقيصة أو عيب، ولكن على جانب آخر، تلقت رحاب الدعم والتشجيع من باقي أفراد أسرتها، ولم يُبد زوجها أي اعتراض "طلب مني بس أحافظ على نفسي، ومنزلش بالليل".
"توقعت أنه السيدات يكونوا مصدر أمان، لكن للأسف لقيتهم مصدر عكننة ونكد" فالفكرة التي سيطرت على رحاب أن تكون النساء مقدرات لعملها ومساندات لها، ولكنها وجدت نماذج عديدة تخبرها عكس ذلك، "أول ما بلاقي الركوست (الطلب) من سيدة بحط إيدي على قلبي"، فالغالبية "إلا من رحم ربي"، كما تقول رحاب، يتعاملن بطريقة تفتقر إلى الوق واللباقة وحسن المعاملة مع الآخر، فهن إما محتدات في الحديث "وبيعتبروا نفسهم اشتروا العربية واللي سايقها"، أو متوجسات منها إذا كن بصحبة أزواجهن.
تحكي رحاب عن إحدى المرات حين رفضت عميلة أن تجلس بجانبها في الكرسي المامي للسيارة في أثناء المرور بمطار القاهرة "طلبت منها عشان الرخصة متتسحبش مني"، فشعرت بحرج شديد، خاصة عندما تلقت منها الرد "وأنا مالي"، أما السيدات المتزوجات بصحبة أزواجهن، فيتصرفن بطريقة تملؤها الغيرة، مما يدفعهن إلى إجبار الزوج على الجلوس بالكرسي الخلفي، أو لكزه في كتفه، ورمقه بنظرات متوعدة طوال الطريق إذا فكر في أن يوجه رحاب خلال الرحلة أو ينظر ناحيتها فقط.
"بقيت عاوزه أطبع صورة زوجي وأحطها على التابلوه" محاولة منها في أن تخبر كل سيدة على أنها امرأة متزوجة اتقاء تصرفاتهن الغيورة، ولكنها مع ذلك لا تنكر فرحة وسعادة بنات أخريات حين يقع اختيار التطبيق عليها، ويبدأن في التعامل بأريحية ويتبادلن معها الحديث حتى في أكثر الأمور خصوصية.
بعيدا عن السيدات، فنادرا ما تواجه رحاب مضايقات من العملاء، ولكنها قد تجد تعليقات ترفض عملها كسيدة، أو تحاول أن تسخر وتمزح بطريقة غير لائقة، ولكن نسبتهم لا تتعدى الـ 1%، أما أصدقاء الطريق ممن يعتبرون أن السيدات لا تتقن القيادة، فيلقى إلى مسامعها تعليقاتهم "إيه يا أسطى"، ومحاولاتهم في التقليل من قدرتها، ووترى أن الأنسب هو التعمال معها بتجاهل، موقنة أن للسيدات قدرة على العمل تحت أي ظرف وبأي مجال وبإتقان وجودة عاليتين.
العمل في "أوبر" استطاع أن يكسر "فوبيا الخوف" التي كانت تعانيها، فعملها خارج مصر لسنوات جعلها تعود بصورة ذهنية عن طبيعة الشارع المصري "كنت شايفة أنه الناس كلها وحشة، ومينفعش أثق في حد" إلى جانب القلق من محاولات الآخرين للنصب عليها أو سرقتها، ولكنها أيقنت أن ذلك غير حقيقي، فتعاملها الفعلي مع الناس أثبت لها عدم صحته، ورغم مواجهته لأحد المواقف التي جعلت سائق تاكسي (على خلفية الخلاف بين سائقي التاكسي وشركات التوصيل كأوبر) يستدرجها بالسيارة إلى مكان مظلم مع صلاة الفجر "كان عملي كمين، وغالبا كانوا هيكسروا العربية"، ولكنها استطاعت أن تقنعه بعدم جدوى ذلك، وأن عملها لن يمنع رزقه، فقرر أن يساعدها للعودة مرة أخرى، ونصحها بألا تعمل في هذا التوقيت ثانية.
تعتبر رحاب أن العمل في أوبر يناسب طبيعة حياتها، فهي لم تعد تتقبل فكرة العمل الروتيني في المكاتب أو الاتزام بمواعيد وانصراف "أحسن من أني أشتغل عند حد"، كما أنها فرصة جيدة للتواصل مع أناس من مختلف الثقافات، إلى جانب اضطرار السيدات المطلقات على العمل به كونه الطريقة المناسبة لتحديد الساعات المفضلة للعمل، وتعتبر أن العائد المادي منه مناسب، ويسعدها توفير الشركة لإمكانية تقييم العملاء لعملها.
الكاتب
هدير حسن
الإثنين ٠٨ مايو ٢٠١٧
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا