”جرة” القديسة فيرينا و”مشطها” ينشران المسيحية في أوروبا
الأكثر مشاهدة
في القرن الثالث الميلادي، حين كانت مصر تحت سيطرة الإمبراطورية الرومانية، وقرر الملك الروماني دقلديانوس أن يقود جيوشا نحو أوروبا (بلاد الغال حينها)، وتحديدا فرنسا وسويسرا، فاختار من مدينة طيبة الكتية الطيبية المكونة من 6 آلاف مسيحي ليحاربوا تحت لواء جيوشه.
كانت القديسة فيرينا، المرأة الصعيدية التي ولدت في مدينة جراجوس بالقرب من الأقصر، واحدة من الراهبات المنضمات إلى الكتيبة الطيبية لتساهم في إعداد الطعام ورعاية الجرحى، ولكنها حملت معها دورا أكبر وفضلا ما زال أهل أوروبا يقدرونه إلى الآن.
"فيرينا" الذي يعني باللغة القبطية الثمرة أو البذرة الطيبة، استطاعت أن تزرع الحب في نفوس أهل الغال، قاطني أوروبا، فبعدما قُتل أفراد الكتيبة التي قدمت معها، لم ترحل القديسة، وقررت أن تكون رسولة السلام والمحبة والتعاليم الدينية المسيحية، فحفرت صورتها داخل قلوبهم، كما حفظتها الكنائس السويسرية، التي رسمت صورتها وهي تحمل المشط وجرة الماء.
النظافة الشخصية والمداواة باستخدام الأعشاب الطبيعية، ثقافتها التي نشرتها بين أهل أوروبا، فعلمتهم كيف يحافظون على أجسادهم نظيفة باستخدام المياه؟ وكيف يزيلون الأوساخ عن شعورهم باستخدام المشط؟ وعرفوا منها أسس العلاج بالأعشاب الطبيعية.
عندما بدأ نورها ينتشر بينهم، وبدأت تعاليم المسيحية تتسرب إلى نفوس الناس من خلال "فيرينا"، أمر أحد الحكام بسجنها، ولكنها خرجت بعد فترة، وعادت مرة أخرى تكمل الواجب الذي ألزمت نفسها به، بصحبة زميلاتها، وسكنت كهوف جبال سويسرا، حيث توافد عليها الناس يطلبون مساعدتها ونصائحها الطبية.
وعام 334 ميلاديا، انتقلت القديسة فيرينا إلى ربها، ودُفنت في سويسرا وبُني فوق جسدها كنيسة تحمل اسمها بمدينة تمبورتاخ بسويسرا، بعد أن منحت أهل سويسرا الحب، وأضحت المصرية الصعيدية التي علمتهم النظافة واحدة من ألمع الأسماء التي تحملها كنائس أوروبا، فتحمل 70 كنيسة في سويسرا اسم "القديسة فيرينا"، وفي ألمانيا 300 كنيسة.
بعد قرون طويلة، أدركت مصر ما قدمته "فيرينا" للإنسانية، فحمل وفد سويسري جزء من رفاتها إلى مصر في زيارة عام 1986، وأقام قداسة البابا شنودة الثالث بوضع اسمها على كنيسة في أسقفية الخدمنات بالقاهرة عام 1994، بينما تحتفل بها سويسرا في الأول من سبتمبر من كل عام، وهو اليوم الذي رحلت فيه.
وعند منتصف الجسر المقام على نهر الراين بين سويسرا وألمانيا، تم تجسيدها بتمثال يحمل "جرة" ومشط، ويخبر الزائرون الكثير عن القديسة التي علمتهم النظافة والطب، وانتشر الدين المسيحي بحبها وعطائها دون الأسلحة والحروب، وتقول عنها أدبيات الكنيسة المصرية إنها "قابلت الإساءة بالمحبة، والدم بالتضحية.. وكانت سببا في بدء التبشير بالمسيحية.. وما فشلت فيه سيوف القيصر نجحت فيه جرة فيرينا ومشطها".
الكاتب
هدير حسن
الأربعاء ٢٤ مايو ٢٠١٧
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا