الأمهات و”الثانوية العامة”: جالنا القولون.. وهنتطلق بسبب الامتحانات
الأكثر مشاهدة
سمر حسن- هدير حسن
انطلق "وحش" الثانوية العامة، اليوم، الذي عشش في بيوت المصريين طوال الأشهر الماضية، وسيطر على طريقة حياتهم، وأدخلهم في دوامات الدروس الخصوصية والمذاكرة المستميتة والانعزال عن العالم من أجل درجات مصيرية تحدد مستقبل الطالب.
لأكثر من خمس ساعات متواصلة أمام المدرسة، وتحت أشعة شمس يونيو الحارقة تجد عشرات الأمهات يقفن أمام الباب الحديدي المغلق بإحكام، تنظرن من أحد فتحاته تارة، وتستندن إليه تارة أخرى، وتدعين باستبسال بالتوفيق والسداد لأولادهن، بعد أن سيطر القلق والرعب على نفوسهن، في مشهد لن يختلف كثيرا في أي من مدارس الجمهورية، التي تستقبل اليوم 6750761 طالبًا مقيدًا بالعام الدراسي 2016 / 2017.
وسط هذه الأجواء، عايش "احكي" تفاصيل أول أيام امتحانات الثانوية العامة، التي تأتي مع شهر رمضان، في ظل استحداث نظام جديد للامتحانات وهو "البوكليت"،
افترشت الأمهات الأرض أمام مدرستي العجوزة الثانوية للبنات والوراق الثانوية المشتركة، واتخذت بعضهن الرصيف مكانا للراحة والانتظار، تقول أم شروق عن وصل الليل بالنهار سهرا مع ابنتها من أجل الإلمام بتفاصيل المنهج، واستعدادا لليوم الحاسم "الكل كان بيعيط الصبح، دماغنا بقت في الامتحانات وأعصابنا تعبانة"، وأكملت على حديثها أم هاجر "إحنا هنتطلق بسبب الثانوية العامة دي" في مبالغة منها عن الحال الذي تعيشه الأسر المصرية "بقى التركيز على المذاكرة، وناسيين نعمل أكل ولا شرب".
توضح الأمهات أن العبء الأكبر يقع عليهن في التعامل مع الامتحانات والمذاكرة، تقول أم هاجر بسخرية "الرجالة طهقوا مننا"، فالاهتمام والأنظار تنصب نحو الأبناء الذين يواجهون اختبارا يحدد مصير مستقبلهم الأكاديمي، وتأثر المنزل للدرجة التي جعلت أم شروق تغفل الاعتناء بأبنائها الآخرين، وتضيف أم سلمى "بقوا واخدين كل حاجة، حتى الدعاء"، مشيرة إلى الإجراءات المشددة التي اتبعتها فور اقتراب موعد الامتحانات، فلا وقت للتحدث في الهاتف مع أي شخص، ولا مجال للعزومات الرمضانية.
قدوم الامتحانات مع شهر رمضان الكريم، سبب كثير من الإرهاق، حسب قول الأمهات، "الوقت بيجري، الثانوية العامة المفروض مكنتش تبقى في رمضان" وفق ما تعتقده أم نرمين نظرا لضيق الوقت، "الأولاد بيأكلوا لقمة الفطار وهما لابسين عشان يلحقوا الدروس"، فالتوتر والخوف من الامتحانات منع الأمهات عن كثير من الطقوس الخاصة بالتجمعات العائلية "إحنا قاطعنا قرايبنا والله" أجمعت الأمهات الرابضات أمام المدارس على تأثير الثانوية العامة حتى على الترابط الاجتماعي.
الوقوف أمام المدرسة يبدو وكأنه طقس أجمعت كل الأمهات عليه "بنستناهم يخرجوا يطمنونا"، فدعم الأمهات يأتي عبر الدعاء والانتظار، خاصة، مع توارد الأخبار الخاصة بسقوط بعض الطالبات مغشيا عليها أو مقدمة على الانتحار، بخلاف التشديد في الإجراءات الأمنية والتفتيش، تقول أحد الأمهات "في أجهزة تفتيش إلكترونية، ومنع للموبايلات، وفي مدارس قلعتهم الأحذية".
مع طول ساعات الانتظار بدأت الأمهات تحكي عن واقع الدروس الخصوصية التي عانين منها على مدار السنة الماضية، وتبادلن التجارب التي مروها، فتقول أم سلمى "دفعنا أكثر من 15 ألف جنيه في الدروس"، بينما أوضحت أخرى أن الدروس الخصوصية باتت تجارة تتراوح تكلفتها خلال العام ما بين 10 إلى 30 ألف جنيه، مشيرات إلى المدرسين الذين يقبلون الطلاب بالحجز فقط قبل 6 أشهر من بداية العام الدراسي.
الأمهات على استعداد تقبل آلام المعدة والقولون التي أصابتهن، والأموال التي أنفقنها من أجل أولادهن في سبيل الاطمئنان على مستقبلهم "مش مهم مال وتعب الدنيا كله بس يخرجوا مبسوطين".
بطاقات الجلوس المنسية وسط الضغوط
"نسيت أجيب رقم جلوس بنتي" واحد من المواقف التي تعد "سخيفة" ولكن التوتر أوقع سهام حسن فيها، فالضغط الذي واجهته خلال الأيام السابقة لامتحانات الثانوية العامة مباشرة، وصل بها الحال إلى نسيان الحصول على بطاقة رقم جلوس ابنتها، التي تعتبر بمثابة التحقيق الشخصي للطلاب أثناء تواجدهم داخل اللجنة وعدم اصطحابه يحرم الطالب من دخول الامتحان، ثم أجرت مجموعة من الاتصالات حتى حصلت على رقم الجلوس قبل موعد الامتحان بيوم واحد.
قسمت السيدة الأربعينية الثانوية العامة إلى فترات، بدأت المرحلة الأولى من حجز الدروس في شهر مايو 2016، والحصول على الكتب الدراسية وملحقاتها من الملخصات والمذكرات، ثم انتقلت إلى مرحلة المتابعة مع بداية الدروس في شهر أغسطس 2016، حتى وصلت إلى مرحلة التوتر والقلق مع بدء المراجعة في شهر مارس الماضي "كنت بقعد جنبها طول ما هي بتذاكر وكنت بذاكر معاها".
"صرفنا حوالي 50 ألف جنيه" الميزانية التي أنفقتها سهام على الدروس الخصوصية طوال فترة الثانوية العامة، وبسببها تم التنازل عن مناحي أخرى أساسية، بخلاف تغير طبيعة الطقوس الدينية والاجتماعية بسبب حلول الامتحانات بالتزامن مع شهر رمضان "مبصليش التراويح وبعمل الفطار تأدية واجب ومش عايزة أشوف المطبخ"، فلم يسعها الوقت لشراء مستلزمات هذا الشهر، ومع بدء الامتحانات لفتت إلى أنها ستلجأ إلى المطاعم ومحال الوجبات السريعة بدلا من الطهي "أنا مبقتش عارفة النوم دا شكله أيه أصلا".
استهلت المهندسة شيماء أحمد حديثها بإلقاء الضوء على نظام التعليم المصري واصفة إياه بالفاشل، ملقية اللوم على طرق التدريس والمناهج "المنظومة فرضت عليا كمية من الضغوط والتوتر لا مثيل لها"، خاصة أنها سيدة عاملة وتمنح بيتها الأولوية في المقام الأول فكانت تحصل على إجازات بشكل دائم كي تشاطر ابنها "مشفش نظرة حزن أو ندم في عيون ابني".
وثقلت المهام على كاهلها، فتعددت بين تلخيص المناهج ومذاكرتها وتوصيل نجلها إلى الدروس "ممكن أدخل امتحان ثانوية عامة من كتر ما ذاكرت"، مستنكرة عدم مساندة الأسرة المتكونة من الزوج والابنة لها سوى في أوقات نادرة من أجل السيطرة على الخروج المتكرر لابنها والبقاء خارج المنزل ساعات طويلة، مستشهدة بأصعب موقف حدث لها، المتمثل في ترك ابنها لأبواب كاملة من المواد العلمية دون حضورها "ساعتها حسيت أن في جبل اتهد فوق دماغي"، وكان الحل لديها هو مذاكرة تلك الأبواب في اللحظات الأخيرة معه.
تضارب آراء الأمهات حول المذاكرة
عن اختلافات المذاكرة بين الفتيات والذكور، أكدت شيماء أنه يوجد فروق جوهرية انطلاقًا من طبيعة الولد المتعلقة بالخروج الدائم وعدم السيطرة على زمام الأمور معه "من أصعب المواقف الي واجهتني مع ابني لما كنت أعرف أن في حصة معينة ميحضرهاش ويروح يلعب".
اختتمت المهندسة حديثها بالعلاقة المتوترة التي وصلت إليها مع نجلها وكادت أن تفقدها تماما بسبب المشادات الدائمة بينهم ليلا ونهارا "في النهاية أقدر أقولك أن الثانوية العامة هي شبح مخيف إحنا إلي بنوجده وإحنا إلي بنكبره".
وفي تجمع نسائي أمام إحدى لجان البنات، اختلفت وجهة نظرهن عن رأي شيماء فيما يتعلق بالفروق بين الإناث والذكور، فكلهن تمنين أن يكون لديهن أولاد بدلا من البنات "ضغطها يوم عالي ويوم واطي وعايزاني أقعد معاها 24 ساعة، وبروح أوديها الدروس وأقعد معاها".
فتمثلت الشكاوي الرئيسية وفقا للأمهات، في قلق البنت الذي يفوق الولد بمراحل، وكثرة الأمراض اللاتي تتعرضن إليها الإناث متنوعة بين الضغط والإغماء المتكرر، ووصل الحال ببعض الأمهات أن تذهب ببناتها إلى المستشفى أكثر من مرة "الولد مش بيشيلني الهم البنات دول عذاب أما الولد بيلم المادة كلها في ثانية".
الشقيقة تلعب دور الأم
واختلفت ناهد سمير عن سابقتها، فهي الشقيقة الكبرى التي لعبت دور مضاعف، فكانت بمثابة الأم لشقيقها عقب وفاة والدتها منذ عام 2009 "عدم وجود ماما أثر فيه جدا هو مش متأسس في التعليم زيي أنا وأخويا"، فكانت تقوم بمتابعته الدائمة والمذاكرة المكثفة له خلال إجازاتها الأسبوعية.
نظرا لطبيعة عملها في مكان آخر بعيد عن موطن شقيقها ووالدها، شكل عليها عبء توفير الوقت، فإلى جانب المذاكرة له أيام الإجازة كان يذهب لها في القاهرة كى تراجع معه، وخلال الفترة الأخيرة عادت إلى محل سكن والدها في محافظة القليوبية لكى تقوم بمراجعة المنهج كاملا مع شقيقها.
"بقرأ معاه حاليا قصة فيلم الحرام" حاولت ناهد أن تغرد خارج سرب التعليم التقليدي، وذهبت بشقيقها إلى بناء عقله خارج الإطار الدراسي المبني على الحفظ والتلقين.
الكاتب
احكي
الأحد ٠٤ يونيو ٢٠١٧
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا