دنيا المغتربات في رمضان.. ”أهم حاجة الصُحبة”
الأكثر مشاهدة
سمر حسن- هدير حسن
منزل مكون من ستة طوابق، يجلس أمامه رجل ستيني، وبجواره امرأة خمسينية يغلب عليها ملامح القوة، ويتوسطهما في بعض الأوقات شاباً عشرينيًا، لن يقترب إلى عتبة هذا المنزل سوى الشابات اللاتي يتراوح أعمارهن ما بين العشرين والثلاثين، فالمسكن محرم على الرجال باسثناء "عمال الدليفري"، ووجوه الفتيات اللاتي يبلع عددهن ما يقرب من الخمسين معروفات لصاحبة "دار" المغتربات حق المعرفة، فانتقل "احكي" بين أكثر من مكان للمغتربات للتعرف على طقوسهن الرمضانية بعيدا عن الأهل.
"اللمة الحلوة" تهون الغربة
تضم جدران الطابق الخامس لتلك المبنى أحلام سبع فتيات من مختلف ربوع مصر، تجمعهن المقاومة والتحدي والصبر على تحمل غربة الأهل، وبالتزامن مع أيام الشهر الكريم، حاول "احكي" التقرب من طقوسهن الرمضانية اللاتي يستعضن بها لتخفيف ألم البعد، "القاعدة الأساسية في رمضان هي العائلة التي تنتظر معها آذان المغرب وتتلو معها دعاء الإفطار، إلى أن أتاك أول رمضان في الغربة"، خرجت هذه الكلمات من الصحفية "نرمين أحمد" الوافدة من محافظة المنوفية وهي تقوم بعمل "طبق السلطة" المهمة الموكلة لها خلال شهر رمضان من بين زميلاتها، ساردة الطقوس التي تحرص عليها والدتها لكي تنزع من بين ثنايا قلبها الشعور بالوحدة فتمنحها جزء كبير من "طعام الأسبوع" تتشارك في تناوله مع صحبتها التي وصفتها بالمتميزة.
وعادت إلى الخلف تسع سنوات، متذكرة أصعب موقف رمضاني بالنسبة أليها "أصعب الأيام يوم أن أفطرت مرة بمفردي ولم أعد طعامًا لي فاشتريته من الشارع"، وفور انتهائها من تجيهز "السلطة" بابتسامة المشتاق إلى أهله "أهم حاجة فى رمضان الصحبة أنك تكون موجود مع ناس بتحبهم وبترتاح معاهم".
وبمسافة أقل من متر تقف "سارة جمال" خريجة كلية الهندسة أمام "عيون البوتاجاز"، فهي المسئولة عن أمور الطهي معظم أيام الشهر، واختلفت عن نرمين في كونها تحب الأجواء الرمضانية في دنيا القاهرة "رمضان مينفعش من غير زيارة الحسين والمشى فى شارع المعز بالليل"، وبابتسامة هادئة تطغو على ملامحها مصاحبة بالعرق الذي يتساقط من جبينها، تحدثت عن الهدف الذي وضعته نصب أعينها في شهر رمضان، هو قراءة مجموعة من الكتب تقوم بتحديدها وتخصص لها وقت بين الفطار والسحور، وتلتزم بتلك العادة منذ مجيئها القاهرة من ثلاث سنوات.
وبيد تتابع "الطبخ" في أكثر من إناء، ذكرت خطتها للشهر التي تتنوع بين القراءة والخروج وتحضير الفطار والسحور مع باقي زميلاتها المقيمات في "الشقة"، لم تنسى الأوقات التي تخطفها من زحمة الحياة للذهاب إلى أهلها القاطنين بمحافظة الدقهلية "طبعا بنروح آخر الأسبوع لأهالينا وبنقضى معاهم وقت جميل".
البعد عن الأهل..غصة في القلوب
ولكن يظل البعد عن الأهل غصة في قلوب الفتيات المغتربات، ويأتي شهر رمضان كل عام ليزيد من وجع الفراق لديهم، وازدادت بشدة في حالة "الزهراء مصطفى"، التي تقضي رمضان الخامس لها في الغربة "ميزة رمضان بالنسبة لي كانت التراويح من وأنا صغيرة، طبعا بعدما استقريت فى القاهرة مابقتش بعرف أروح أصلى فى الجامع".
واشتركت "رنا الجميعي" في نفس المشاعر السابقة، فهي تُفضل قضاء هذا الشهر مع الأهل، ولكنها حاولت أن تعوض ذلك بالانصهار مع باقي زميلاتها في "الشقة" لرمضان الثالث على التوالي، من خلال تجهيز المائدة وإعداد "العصير" كمهمة موكلة لها طوال الشهر.
ارتكنت بإحدى يداها على الشرفة المطلة على الشارع الرئيس "بيبسطنى الزينة اللى متعلقة في الشارع خاصة بعد الفجر ودا اللي بيحسسني بروح رمضان"، وهذا ما تفتقده في مدينة "المنزلة" محل سكنها.
الهروب من "المواعين" بالاستقلال
منذ 2003، تعيش إيناس كمال، 30 عاما، في القاهرة بعيدا عن البحيرة، في البداية انتقلت بسبب الدراسة بالجامعة ثم العمل، في الفترات الماضية كانت تقضي شهر رمضان بصحبة زميلاتها في السكن الجامعي أو الخاص الذي يجمعهن، وفي الأغلب كانت تذهب إلى أهلها طوال أيام هذا الشهر، ولكن في العامين الآخيرين اضطرت إيناس للسكن وحدها.
"وقت الفطار بشغل حاجات كتير تعمل صوت جنبني وتونسني" فالشعور بالوحدة وقت تناول الطعام، هو أكثر ما يزعج إيناس، فتلجأ إلى الراديو والكمبيوتر وتقوم بتشغيل أي جهاز يمكنه أن يصدر صوتا. في السنوات الماضية كان لديها الفرصة للذهاب إلى منزل أهلها بالبحيرة وقضاء الشهر الكريم هناك، ولكن ظروف العمل جعلتها تعتمد على نفسها في كثير من الأمور.
الاستقلالية تعني أنه لا مجال للراحة، فرغم حاجة إيناس يوميا إلى أخذ قسط من الراحة لبضع دقائق بعد يوم عمل طويل، خاصة مع الصيام، فهي لا تملك تلك الرفاهية، فرغم الإرهاق تقوم في إعداد الطعام وترتيب المنزل قبل آذان المغرب، ويكون الوضع أصعب إذا لم تكن قد جهزت الطعام الخاص بها من اليوم السابق.
"بفطر لوحدي، وبتسحر لوحدي.. لكن الميزة محدش بيقولي قومي اعملي المواعين" تهون من الأمر، معتبرة أن تلك أهم إيجابية في الاستقلال.
تفتقد دينا أحمد، 25 عاما، بيتها بشدة، وقضاء أيام "رمضان" في كنف والدتها وتأكل من الطعام الذي تعده، ولكنها اعتادت الأمر بعد أن انتقلت إلى القاهرة منذ خمس سنوات، ولكن كان الجيران أو الأصدقاء يدعونها إلى الإفطار معهم في أيام رمضان "كنت بصعب على الناس وبيعزموني كتير"، لكن أصبحت الدعوات أقل نظرا للحالة الاقتصادية، كما تعتقد دينا.
الكاتب
احكي
الإثنين ١٢ يونيو ٢٠١٧
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا