نورا هشام.. المرشدة السياحية التي أسرها التاريخ و”تتحدث عن الموتى”
الأكثر مشاهدة
لأن والدتها تؤمن أنه "عليك أن تعرف من أنت؟"، كانت تصحبها في زيارة دورية إلى أحد المتاحف، السكة الحديد أو البريد، وزيارة سنوية إلى المتحف المصري، تشرح لها ولأخيها الصغر ما كتُب على التماثيل وعنها، وتحكي لهما عن التاريخ قديمه وحديثه، فكبرت ابنة الـ 25 عاما على عشق الماضي وحكاياته.
"التماثيل لها سحر.. بتقول كلام وعندها حكايات" كان هذا هو ما جذب نورا هشام، لتعرف أكثر عن ما تحمله هذه الوجوه والملامح الصماء من أسرار وخبايا وحياة عاشوا تفاصيلها "السحر خدني، فكان لازم أفهم أكتر"، لذلك منذ كانت في الثانية عشرة من عمرها قررت أن تدرس الماضي وتبحث وراء التماثيل.
لم تلحق نورا بكلية الآثار، ولكنها استطاعت أن تدرس الإرشاد السياحي بكلية السياحة والفنادق، حيث تعلمت التعبير عن ما تعرفه، والحكي عن الماضي والتاريخ، فوجدت ضآلتها في المتاحف "اتمسكت بالتاريخ، والمتاحف بعتبرها مكاني اللي برتاح فيه"، وفي أثناء الدراسة أظهرت قدرة على التعبير عن تفاصيل الماضي بطريقتها الخاصة، فكان يشيد بها الأساتذة "كانوا يقولوا لي يا نورا أنتي بتتكلمي بكلك، بطاقتتك، مش بتتكلمي عن مادة تاريخ أنتي حافظاها" فكان أدؤاها يظهر مدى تشربها للقصة واستمتاعها بحكيها لآخرين، رغم ما يشاع عن كون التاريخ رتيب وممل.
ظلت نورا تتبع المرشدين السياحيين، وتركز على أدائهم، وتتعلم منهم حتى وجدت لنفسها طريقتها الخاصة، فمع تخرجها عام 2012 لم تكن السياحة داخل مصر بحالة جيدة، وظلت تتعافى لسنوات، مما شجع نورا بالاشتراك مع مجموعة من زملائها على بدء مشروع خاص لإنعاش السياحة الداخلية.
مصر الحقيقية "كيميت" (والتي تعني مصر القديمة)، الاسم الذي قررت نورا أن تدشن به صفحة مشروعها True Egypt في 2014، وبدأت أولى الرحلات وكانت النتيجة "لم يحضر أحد"، واستمر الوضع لخمس رحلات تالية إلى متاحف وأماكن سياحية، مما أصابها بالإحباط وفكرت في إغلاق الصفحة، فكانت والدتها وصديقتها وقريبتها داعمات لها "مفيش مرة حسيت أني هرجع لورا وكانوا هما بيزقوني لقدام"، فكانت نصيحتهن بأن تذهب نورا بالمحتوى الذي تريد عرضه إلى الناس عن طريق صفحتها.
مع ابتعاد زملائها عن المشروع ظلت هي الوحيدة المتمسكة به، وأطلقت مجموعة من الفيديوهات على موقع "يوتيوب" تتناول خلالها معلم سياحي أو معلومة تاريخية، فكان أول فيديو عن "اللغة المصرية القديمة" وقدمته بنسختين عربية وإنجليزية "انتشر الفيديو الإنجليزي أكتر، وبدأ ناس كتير أجانب يهاجموني ويتهموني أني مش مصرية لأني محجبة ومش من حقي أتكلم عن مصر"، لكنها لم تعر التعليقات السلبية اهتماما، كما سعت إلى تطوير المحتوى الذي تقدمه، فتعلمت الرسوم الكارتونية، وكانت تقوم بعمل مجسمات لشخصيات ومبان تشرح من خلالها ما تريده، وتقوم بتحريكها فيما يشبه "خيال الظل".
"كان مرهق جدا والفيديو الواحد اللي مدته دقائق، بيستغرق خمس شهور"، فاستطاعت نورا أن تتعلم كيف تحرك الشخصيات وتقول المحتوى وتقوم بتصويره وتخرجه ليظهر للناس، فتعملت من خلال اليوتيوب المونتاج والتجسيم، وكانت تستخدم المخلفات المنزلية من أوراق الشيكولاتة والكرتون والكروشية لصنع العرائس والمجسمات، وأنتجت 18 فيديو من بينهم سلسلة عن المرأة في مصر القديمة، وتاريخ الألعاب والتسلية.
أحدثت الفيديوهات مشاهدة معقولة، فعادت مرة أخرى لتنظيم الرحلات، فكانت رحلتها المجانية الأولى إلى قصر الأمير محمد علي، حين بلغ عدد الحضور ما يقرب من 160 شخص، خاصة وأن لها طريقة خاصة جعلت أحد الحضور يخبرها "روح الأمير ساكناكي"، فنورا لا تعترف بالطريقة التقليدية في الحديث عن التاريخ.
تعتبر المتحف قصة مكتملة الأركان يجب أن تربط أحداثها وشخصياتها بطريقة محكمة، وكأنه سيناريو لعمل درامي، تستعد بزيارة المكان وحدها أكثر من مرة، وتترك لخيالها الحرية في التحليق وخلق الأحاديث "بدأت أربط المكان ببعضه، وأعمل افتتاحية ونص، وأخلي كل كل قطعة أثرية تنتهي مع بداية قصة القطعة التي تليها"، بخلاف جمع المعلومات والتدقيق، لتصنع نورا لنفسها شخصية مختلفة في مجال الإرشاد السياحي، وتملك القدرة على جذب الانتباه.
رغم النجاحات، مرت نورا بتجربة ألمتها، حين تعرضت قدمها لكسر في أواخر ديسمبر 2016، أدى علاجه بطريقة خاطئة إلى حدوث جلطة، فتوقفت عن الفيديوهات والرحلات، مما جعلها تفقد اهتمام المتابعين لها، ولكنها قررت ألا تستسلم "معرفش أعمل حاجة في حياتي غير ده"، فبدأت تعيد الرحلات مرة أخرى رغم مرضها وعدم اكتمال علاجها بشكل كامل.
"مش ببقى عارفة نفسي وأنا قاعدة في البيت.. شغفي وعشقي هو التاريخ والمتاحف" لذلك لم يهزمها كسر القدم، وأكملت مشوارها في تنظيم الرحلات. أكثر الفترات التاريخية التي تأسرها هي مصر القديمة "كيميت"، التي أطلقت اسمها على المشروع، كما تحب محمد علي وما قبله، ولكن لا يستهويها التاريخ الحديث.
"أنا أتحدث عن الموتى" تلك المقولة التي تصف عشقها للحديث عن الراحلين، وتتمنى أن تقدم رحلاتها من خلال برنامج تلفزيوني.
الكاتب
هدير حسن
الأربعاء ٢٣ أغسطس ٢٠١٧
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا