”الست نجاة” عين ”أحمد” التي يري بها الدنيا
الأكثر مشاهدة
داخل مبنى كلية الإعلام جامعة القاهرة، وفي الطابق الثالث المخصص لقسم العلاقات العامة والإعلان تجلس سيدة الابتسامة تغمر ملامحها، تستقبل الجميع بحنانها الفياض، تجذب انتباه المارة بنظرتها، ينضم بجانبها شاب عشريني يرتدى نظارة سوداء تخفي معظم ملامح وجهه تنبعث من أسفلها ابتسامة رضا مصحوبة بتفاؤل، يتكرر هذا المشهد لمدة عام كامل بواقع ستة أيام أسبوعيًا.
معروفة لدى رواد كلية الإعلام، خاصة دفعة 2016، هي السيدة "نجاة علي" القاطنة في محافظة الشرقية التي تبعد عن القاهرة 116 كم، تستقل القطار لمدة خمس سنوات بشكل يومي لمدة تتجاوز 6 ساعات يوميًا ذهابًا وأيابًا، لتنال لقب والدة أول معيد كفيف بكلية الإعلام جامعة القاهرة .
بدأت قصة كفاح السيدة الخمسينية مع ابنها منذ بداية المرحلة الابتدائية عندما تعرض لحادث فقد بصره على إثره "حمدت ربنا وقررت أني عمري ما هسيبه"، كانت تستقل أكثر من وسيلة مواصلات آنذاك ليصل نجلها إلى مدرسته التي تبعد عن محل إقامتها في إحدى قرى محافظة الشرقية.
"اتحرمت من التعليم واللي اتحرمت منه نفسي أديه لعيالي"، تمثل هدفه "الست نجاة" منذ نعومة أظافرها أن تصبح طبيبة، سعت وراء هذا الحلم بكل ما تحمله من طاقة لكي تحققه بواسطة أحد أبناؤها الخمسة، عادت بذاكراتها المحملة بالأحداث إلى الخلف 20 عامًا، حين كان المعيد بقسم العلاقات العامة طفلًا مجتهدًا يحرص على التعلم، فكان يذهب مع شقيقاته ليتلقى العلم، فكان يقول معلم شقيقاته دائمًا "هاتيله كراسة وقلم ومش هاخد عليه فلوس".
بلهجة يغلب عليها الفخر انتقلت للحديث على الثانوية العامة واصفة إياها بالمرحلة المصيرية "كنت بستهجاله الكلمات حرف حرف" كانت ترافق نجلها من مطلع النهار حتى آخر الليل رغم أنها لم تكمل تعليمها نظرًا لظروفها القاسية التي مرت بها ونشأتها مع زوجة الأب التي حرمتها من التعليم ومن حلمها الذي كانت تصبو إلى تحقيقه "أنا اتربيت يتيمة وعمري ما فكرت أجبلهم جوز أم وقررت أن أكون أنا الأم والأب"، ذاقت مرارة اليتم السيدة التي تخفى أعباؤها الثقيلة تحت عباءتها السوداء بعد وفاة زوجها وابنها يبلغ 10 سنوات.
لم تستسلم لقسوة الزمن فتحدتها بالتحاقها بأكثر من عمل لسد متطلبات الحياة " مكنتش برجع البيت إلا الساعة 11 و12 بليل "، إلى جانب مراعاتها الدائمة لأحمد زوجت بناتها الاثنتين "جهزتهم أحسن جهاز البلد كلها كانت بتتكلم عنه".
توج مجهودها بحصول "أحمد" على المركز كأول المكفوفين على الجمهورية في الثانوية العامة بمجموع 99.4 %، وأتت مرحلة الاختيار لتستقبل كلية الإعلام الطالب المعروف بذكائه الشديد، وأتت الرياح بما لا تشتهي السفن فتعرض أحمد في يومه الأول بالكلية لحادث أليم، فلم يستطع حضور محاضراته، لتأتي الأم لتحل محله لمدة ستة أشهر بين تجميع المحاضرات وتسجيلها، ونتيجة العمل المستمر والمجهود المضاعف حصل أحمد على المركز الثاني على أوائل الكلية وليس القسم فقط ، وتنص اللائحة في الكلية عل تعين الــ9 الأوائل، وتم تعيينه بجواب رسمي 24 يونيو 2017 الماضي، ليستلم عمله في 2 يوليو 2017.
"الدكاترة كانوا بيقوللها تاخد شهادة زيي من كتر المحاضرات اللي حضرتها" ردد المعيد هذه الكلمات شارحا مجهود ولدته في سنة تمهيدي الماجستير، فكانت ترافقه مثل ظله "في التهميدي كنت معاه لحظة بلحظة"، تقوم بتسجيل المحاضرات وتصور له المناهج.
"عمري ما تعبت لأني كان نفسي يحقق الأمنية اللي أنا محققتهاش"، تمنت أن يكون النجاح رفيق ابنها، وأن يسرع في اختيار الفكرة التي تؤهله لاجتياز درجة الماجستير، ولم تتمنى سوى الوقوف على جبل عرفات "كدا كملت الرسالة اللي والدهم كان بيتمناها".
."نفسي أشوف ماما الأم المثالية في مصر"، بهذه الكلمات تدخل "أحمد رحمة" بأمنيته لوالدته التي كافحت من أجله على مدار 23 عامًا.
الكاتب
سمر حسن
الأربعاء ٣٠ أغسطس ٢٠١٧
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا