”سفرني” تذكرة ”رفاييل” المجانية لسفر أطفال مصر حول العالم
الأكثر مشاهدة
في بيتها الثاني، أو ما تعتبره الوطن، قررت رفاييل عياش أن تخلد ذكرى صديقها المصري، وتطلق ما اعتبرته مشروعا لرفض العنصرية وخطوة نحو تقبل الآخر.
شخصيتها ناتج احتكاكها بثقافات متعددة، فلها جذور عربية تعود إلى الجزائر، حيث ولد والدها، ولكنها أيضا تحمل الجنسيتين الأمريكية والفرنسية، حيث ولدت بالولايات المتحدة الأمريكية ومكثت بها لسبع سنوات، وانتقلت إلى فرنسا وعاشت بها لـ 14 عاما، وقبل مجيئها إلى مصر كانت تعيش في إسبانيا لعامين.
لرفاييل، صاحبة الـ 31 عاما، طبيعة منفتحة تصادق الكل، وتعامل الآخرين على أنهم "إنسان" دون أي اعتبارات أخرى لها علاقة بالدين أو العرق، ولكنها لاحظت وقت وجودها بإسبانيا ما اعتبرته عنصرية، قالت لـ "احكي" مستخدمة اللغة العربية التي لا تخلو من لكنة أجنبية "كان في عنصرية بين العرب والأسبان.. كان عندي أصحاب مصريين بيواجهوها" وكانت تعتبر أن تلك العنصرية نتيجة اختلاف الثقافات، فالغرب يعتقدون أن العرب إرهابيين، والعرب يتعاملون مع الأجانب برفض للثقافة المنفتحة الخاصة بهم.
"سفرني" المبادرة التي عقدت رفاييل العزم على إطلاقها، عندما شعرت أن المختلفين يرفضون وجود بعضهم البعض نتيجة عدم معرفتهم ببعض، فكل منهم قد يحمل صفات مشتركة أو أحلام يمكن مشاركتها معًا "أي حد ممكن يكون صداقة مع أي حد لو عرفوا بعض كويس"، فكانت تلاحظ عدم وجود كثير من الاختلافات بين أصدقائها الأسبان والعرب، وكانت تعلم مواجهة أصدقائها من المصريين والعرب في إسبانيا لسلوكيات توحي بالاضطهاد والرفض، مستنكرة أن يكره أحدهم الآخر دون أن يعرفه جيدا.
سافرت رفاييل إلى مصر لتعلم اللغة العربية، ومنها انطلقت "سفرني" التي اعتبرتها مبادرة تخلد ذكرى صديقها المصري الذي كان يعيش في إسبانيا ويعمل ضمن برامج ثقافية تقوم على فكرة تقبل الآخر، وعانى هذا الصديق من العنصرية والمعاملة السيئة حتى وفاته، واعتبرت "سفرني" بمثابة مشروع ينشر فكرة التقبل والتعامل مع الآخرين من منطلق إنساني، ويتم توجيهه للأطفال.
في 2012، ساعدها أصدقاؤها المصريين على إطلاق المبادرة، التي بدأت بتمويل شخصي ومساعدات، وكانت البداية بمركز آرت اللواء في منطقة أرض اللواء بالجيزة، "كنت أعرف ناس هناك، وسمحوا لي استخدم المكان" وجمعت الأطفال من الشارع بطريقة عشوائية، لتبدأ معهم رحلة طيران خيالية إلى جزء آخر من العالم، وكانت الرحلة الأولى إلى كولومبيا، على متنها ثمانية أطفال، ومتطوعين يستقبلونهم وكأنهم في المطار ويستقلون الطائرة بالفعل، ومنها إلى مواطنين كولومبيين يشرحون للأطفال عن بلدهم وثقافتهم ولغتهم وطريقة حياتهم.
كانت تنوي رفاييل أن تؤسس المشروع في مصر لمدة شهرين على الأكثر، وتنتقل بعدها إلى دول أخرى، "لقيت أصدقائي متحمسين وبيساعدوني" مما شجعها على الاستمرار والاستقرار بمصر الذي امتد لثماني سنوات حتى الآن، وقررت أن تتخذ المبادرة شكلا قانونيا، فتبنتها مؤسسة اتجاه، وبدأ كثيرون يقبلون على المشاركة، وتحمست المؤسسات لاستقبال المبادرة وتنفيذها مع الأطفال.
من خلال السفر يكتشف الأشخاص ثقافات وطبائع وعادات تختلف عن الواقع الذي عاشوه، واستطاع السفر أن يغير من كثيرين ويجعلهم أكثر قدرة على تقبل الاختلاف، ولذلك علمت رفاييل أن هو وسيلتها لتنشئ جيلا من الأطفال يتسامح مع غيره ويقبله ويحبه دون اعتبارات للاختلافات العقائدية أو الفكرية، فاختارت تطبيقها في الأحياء الشعبية، حيث لا يملك الأطفال رفاهية السفر إلى أماكن أخرى.
رحلة بالطائرة إلى دولة أخرى، تبدأ باستقبال الأطفال في جو يشبه المطار، وتجهيز مقاعد كتلك الموجودة في الطائرة "الفكرة أنه الأطفال تحس أنها بتسافر فعلا"، ويستقبلهم في النهاية أناس متطوعون من أهل البلد ويعرفونهم على ثقافتهم، الفكرة التي استطاعت أن تجذب مؤسسات ومدارس في جزيرة الوراق ومنشية ناصر وأرض اللواء وشبرا، وخاضها ما يقرب من 800 طفل في محافظات القاهرة والإسماعيلية والأقصر وأسوان، كما جذبت إليها متطوعين يعملون مع الأطفال، ويتحمسون لانتشار الفكرة "تشجيع الناس وحماسهم خلاني أحس أننا بنعمل حاجة مهمة"، فوصل عدد المتطوعين إلى 130 متطوع على مدى سنوات المشروع، منهم 30 متطوع فاعل.
تستهدف المبادرة الأطفال من 8 إلى 12 عاما، وتكسبهم معلومات لها علاقة بالجغرافيا والثقافة بطريقة غير مباشرة، كما تمنحهم القدرة على التعامل مع الآخر، والانفتاح على ثقافة الغير، وتخلصهم من الخوف من الغريب أو المجهول بالنسبة لهم، فاعتبرت رفاييل أن تلك الطريقة هي الأنسب للتخلص من العنصرية، ولذلك قدمت تدريبات مجانية عن "سفرني" وقدمت دليل لتطبيقها في إسطنبول وألمانيا وطوكيو.
شعرت رفاييل في أثناء تواجدها في مصر أنها "مصرية"، حياتها وعملها وأصدقاؤها هنا، واستطاعت أن تترك بها بصمة حول أكثر القضايا التي شغلتها عن طريق "سفرني"، فلا تنسى الطفلة التي كانت متحفظة وتتردد في المشاركة بإحدى الورش، ولكن الفريق أقنعها بالتفاعل والتعلم، لتفاجأ رفاييل في نهاية الورشة بسؤال "أبويا بيقول إن كل الناس من الصين إما كفرة أو يهود.. هو كلامه صح؟"، حاولت رفاييل أن تتعامل مع السؤال بحيادية وتركت للطفلة أفكارا تجعلها تعيد النظر في حديث والدها، وشعرت بمدى تأثير المبادرة وقدرتها على جعل الأطفال يكتشفون حقيقة الأشياء والأشخاص من حولهم بأنفسهم بعيدا عن توجيهات الأسرة.
درست رفاييل الإخراج السينمائي، وعملت كمساعد مخرج في عدد من الأفلام التسجيلية، وأنتجت فيديوهات توثيقية لمؤسسات ثقافية في فرنسا، وتظل قضية تقبل الآخر هي شاغلها الرئيسي حتى في مجال صناعة الأفلام، وتسعى إلى تطوير "سفرني" ليكون مبادرة دولية تطبق في كل البلاد، لتجعل من كل طفل "مواطن عالمي".
الكاتب
هدير حسن
الأحد ١٠ سبتمبر ٢٠١٧
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا