فاطمة بن علي قربوج... أول طالبة تونسية بجامع الزيتونة
الأكثر مشاهدة
في تونس العاصمة، يقع الجامع الأعظم "جامع الزيتونة"، الذي يعتبر ثاني أكبر جامع بعد جامع عقبة بن نافه، تم بناؤه في 698 ميلاديا، تميز بالمعمار الفريد، فله تسعة أبواب، ويقع على مساحة 5 آلاف متر مربع، وله مكانة علمية كبيرة وتم اعتبارة جامعة علمية دينية، فاجتمعت داخله حلقات الأئمة والمشايخ للتباحث ودراسة علوم الدين ومقاصد الشريعة.
كان للجامع، الذي يعتبر ثاني جامع تم بناؤه في إفريقيا، إسهامات في الحفاظ على الثقافة العربية والإسلامية، وشهدت أروقته قدرة المرأة التونسية على أن تصنع فارقا حتى وإن عاندتها الظروف، وأن تترك بصمة سعى وراءها كثيرات، ونالت تقدير كثيرين.
في محافظة نابل التونسية، ولدت أول طالبة تونسية تلتحق بجامع الزيتونة، صاحب المكانة الكبيرة لدى طالبي العلم وفهم أمور الفقه والشريعة، ففاطمة بن علي قربوج التقطت أول أنفاسها في 25 ديسمبر 1929، والدها الشيخ محمد بن حمدة بن علي، واحد من أبرز الشيوخ الملتحقين بجامع الزيتونة، حيث تعلم بالمدرسة الخلدونية، نسبة إلى ابن خلدون، ووالدتها منوبية بنت الشيخ الصادق الأسود.
تربت فاطمة في كنف أسرة تولى اهتماما كبيرا بتعاليم الدين، ويضعا العلم والمعرفة وضرورة الالتحاق بالمدارس كأولوية، ولذلك حظيت فاطمة بتعليما جيدا مع سنواتها الأولى، فالتحقت لكُتاب الشيخ محمد الغزاوي، وتعلمت على يديه مبادئ اللغة العربية والقرآن الكريم، وحين أتى موعد الالتحاق بالمدرسة الابتدائية، كان التعليم فرنسيا، ولكنها استطاعت أن تتفوق في دراستها حتى على زميلاتها الفرنسيات.
في مدرسة البنت المسلمة، التي التحقت بها فاطمة حين كانت في العاشرة من عمرها، تعلمت تدبير شئون البيت من تربية الأبناء وفن الحياكة والتطريز، ثم حصلت على الشهادة الابتدائية، وتوقفت بعدها عن الدراسة بسبب الحرب مع قوات المستعمر الفرنسي، الذي بدا يتوغل في الأراضي التونسية.
وفي إحدى مرات حضورها لأمسية لرئيسة الاتحاد الإسلامي النسائي بشيرة بن مراد، أدركت فاطمة أهمية أن تكمل تعليمها الذي توقف عند المرحلة الإبتدائية، وضرورة أن تتقن اللغة العربية التي نسيت مبادءها بعد اقتصار التعليم في المرحلة الأساسية على اللغة الفرنسية، فساعدها والدها، وكلف أحد الشيوخ يُدعى علي القرقني بتعليمها العربية لمدة عام، وانتقلت إلى المدرسة القرآنية.
وبعد أن أنهت دراستها، نوت فاطمة أن تلتحق بجامع الزيتونة، الذي لم تدرس به فتاة من قبل، ويقتصر طلابه على الذكور فقط، ولكنها لم تستسلم للأمر الواقع حينها، وقررت أن تحاول أن تحدث تغييرا في الثقافة السائدة حينها، فتقدمت بطلب إلى الشيخ الطاهر بن عاشور، رئيس مشيخة جامع الزيتونة، للدراسة بالجامع، فأجاب طلبها بالترحيب والقبول، ولكن على شرط ان تجمع مجموعة من الفتيات معها يرغين في الدراسة بالجامع.
وقتها، عام 1949، تم فتح الباب لعشر فتيات من بينهن فاطمة للدراسة بمسجد قديم بإدارة الشيخ الطاهر حتى عام 1950، ومع زيادة أعادهن إلى 17 طالبة تم نقلهن إلى دار بن فضيلة حتى عام 1953، وحصلت منها فاطمة على شهادة الأهلية، وتعتبر تلك خطوة فارقة في مجال تعليم الفتيات العلوم الشرعية الدينية والمعارف الإسلامية.
بعد سبع سنوات من التعليم تحت مظلة جامع الزيتونة، استطاعت فاطمة أن تحقق الحلم الذي تمنته من البداية، واصبحت أول طالبة تونسية تتخرج من جامع الزيتونة، وانضمت إلى أعلى مراحل التعليم الزيتوني، نسبة إلى الجامع، وعام 1960 حصلت على الشهادة العالمية في علوم اللغة العربية من جامع الزيتونة.
إلى جانب اهتمامها بالجانب العلمي والتحصيل المعرفي، كانت فاطمة واحدة من المناضلات ضد الاحتلال الفرنسي لتونس، فكانت مشاركة في نشاطات الاتحاد النسائي الإسلامي حتى تحقق الاستقلال في 1956، كما كانت من مؤسسي الاتحاد العام لطلبة تونس في الفترة من 1955 وحتى 1958، وفي عام 1954 سعت إلى تأسيس "نادي الفتاة التونسية"، وساهمت في إصدار مجلة "الإلهام"، التي تعتبر أول مجلة نسائية وطنية، يتم إصدارها باللغة العربية.
بعد مشوار طويل من العلم والنضال، رحلت فاطمة في 6 ديسمبر 2014، وتركت إرثا لنساء تونس والعالم العربي يُشهد له بالثناء والفخر.
الكاتب
هدير حسن
الخميس ١٤ سبتمبر ٢٠١٧
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا