”صفاء صالح”.. صحفية تهوى البحث عن المتاعب وتحدت ”داعش”
الأكثر مشاهدة
بابتسامة تملأ ملامح الوجه، وحديث يطغى عليه هالة من الشغف، عادت ابنة محافظة المنوفية إلى الصف الرابع الإبتدائي، متذكرة اكتشاف موهبتها الصحفية الكامنة منذ نعومة الأظافر "موجه اللغة العربية فتح الكراسة وقرأ كل موضوعات التعبير وسأل مدرسة الفصل، دا أسلوب طفلة في 4 ابتدائي"، لم تتردد المُدرسة في التأكيد على موهبتها وتفوقها الدراسي "صفاء أشطر واحدة في المدرسة".
في بيت عائلي يغلب عليه الود بقرية منشية سلطان بمركز منوف، نشأت الطفلة الأصغر بين أشقائها، ووفر لها المناخ الريفي وقت وفير، استغلته في القراءة المستمرة، ووقف الحظ بجانبها فشقيقتها الكبرى تمتلك مخزون ضخم من الكتب المتنوعة، فمهد لها الطريق بأن تصبح قارئة نهمة "في إعدادي كنت مخلصة ترجمات شكسبير كلها"، كما عززت لديها حصة المكتبة المدرسية مهارة الكتابة، فكانت تقدم ملخص مكتوب بأسلوبها لكل قصة تقرأها، مما جعل لديها أرض خصبة لإنتاج المسرحيات والشعر.
"والدي كان عايزني أكون دكتورة"، بينما وجدت "صفاء صالح" غايتها في مهنة البحث عن المتاعب، فأفنت عمرها وقدمت جل جَهدها في بلاط صاحبة الجلالة، متنقلة من ميدان حرب إلى آخر متحدية القاعدة وداعش والحوثيين، حتى أصبحت "الثعلبة المصرية" كما وصفها محمد الحوثي.
رغم التميز في الصحافة، لم يكن الطريق في بدايته يوحي بذلك، فبعد التخرج من كلية العلوم، تولت صفاء مسئولية الجانب التقني في جريدة الأسبوع عام 2003، حيث بدأت مسيرتها الصحفية.
نظرًا لتميزها في الترجمة، بدأت تترجم المقالات المتعلقة بالشأن الدولي، خاصة الأخبار المتعلقة بموضوع الساعة آنذاك، وهو الغزو الأمريكي للعراق، ثم التحقت بقسم الشئون العربية والدولية "في الوقت دا كنت بقرأ كل حاجة عن العراق وباكستان وأفغانستان حتى أسامي القبائل".
لحظة صمت يعقبها عودة بالذاكرة إلى باكورة مغامراتها الصحفية، فكانت صفاء صالح الصحفية الأولى، التي تتطرق إلى فساد دور إيواء المعنفات، وبواسطة تقمصها لدور فتاة تتعرض للعنف الأسري استطاعت كشف فساد الدار الممولة من بـ34 جهة دولية، وتتاجر بالفتيات، وأهلها هذا التحقيق إلى الالتحاق بقسم التحقيقات، واستمرت لمدة تسع سنوات في الأسبوع تكشف فسادًا ما، أو تبين ملابسات قضايا مخفية عن الرأي العام.
لم تنهِ "صالح" حديثها عن تجربتها الصحفية الأولى دون ذكر محصلة عملها على الصعيد المهني والشخصي، فحصلت على أربع جوائز خلال عملها في "الأسبوع" منها جائزة سمير قصير، كما حصلت على منحتين، واحدة في لندن والأخرى في الولايات المتحدة الأمريكية.
2012 كانت محطة جديدة في طريق الصحفية، الذي لم يكن مفروشًا بالورود، فنتيجة لتراكم خبرتها، وتحقيق الإنفرادات الصحفية استطاعت أن تدخل إلى مؤسسة المصري اليوم، وبلمعة ظهرت في أعينها عادت إلى شهر أبريل 2013 للتحدث عن تحقيقها الذي تناول وقائع الفتنة بالخصوص، فبعدما خلت المدينة، التي تقع بجوار طريق القاهرة الدائري، من كل الصحفيين، استمرت هي للكشف عن الأسباب الحقيقية التي أشعلت فتيل الفتنة الطائفية هذه المرة "أنا بحب أتخيل وبكون عايزة أعرف إيه اللي ورا الحدث".
"بنات التبغ.. حياة ضائعة بين الفقر والدخان القاتل" ذكرت صحفية الحروب هذا العنوان وقالت عنه "التحقيق دا ابني الكبير"، ووصفت الفترة التي أنجزت فيها هذا التحقيق بالتفاصيل، فكان نتاج ورشة تدريبية سافرت بعدها إلى لندن، ونتيجة لنهجها الصحفي القائم على اختيار المهام الصعبة تقمصت دور فتاة عاملة في إحدى مصانع المعسل بمحافظة المنوفية، وكشفت معاناة فتيات الريف داخل مصانع المعسل، والمخاطر الصحية نتيجة تعاملهن مع الأتربة والأحماض والغازات.
لم تترك حياتها لضربات الحظ والعشوائية، بل التخطيط هو عنوان مسارها المهني، فراكمت الخبرات اللازمة للدخول إلى ميدان يخشى منه الكثير، يحتاج إلى شجاعة ممزوجة بتقبل المخاطرة، وأصبحت مراسلة حربية إبان قيام الثورة الليبية 2011، ومرت ثلاث سنوات على سفرها الثاني إلى طرابلس 2014، الذي استمر ستة أيام محفوفة بالمخاطر وصلت إلى حد الخطف والتجسس "أسوء سفرية سافرتها"، فكان برفقة زميلها المصور طارق وجيه، الذي تعرض إلى الخطف، وبررت خطورة هذه المرة بأن ليبيا كانت آنذاك "اللادولة" يحكمها مجموعة من الميليشيات وعلى رأسهم جماعة "أنصار الشريعة".
"إزاي أكون في ليبيا وما أعملش حوار مع حفتر" رغم ما تعرضت إليه من مخاطر إلا أن تعلقها بصاحبة الجلالة لم يتوقف لحظة وذهبت من طرابلس لبني غازي، لإجراء الحوار داخل معقله في القاعدة الجوية.
عدم التورط مع جهة على حساب أخرى، وضع خطة محكمة قبل السفر، الوقوف على الحياد، عدم التحدث مع أشخاص غرباء، كانت أهم النصائح التي خرجت من رحم سفرها الثاني، ووجهتها صالح لمن يرغب الالتحاق بهذا الميدان، وبتركيز شديد قالت "الصحفي اللي بيغطي حروب وبيتعرض لمشاكل دا إخفاق منه".
لم تغب "صفاء صالح" عن أبرز الأحداث في المشهد العراقي، فأجرت سلسلة من التحقيقات في 2015 بعنوان "المصري اليوم في العراق" سلطت الضوء على المناطق المحررة من قبضة تنظيم داعش الإرهابي بدأت بجبال السنجار، "أنا كنت على بعد 5 كيلو من التنظيم وكنت بواجه خطر"، فرصدت الأهوال التي مرت بها بنات الطائفة الإيزيدية عقب اللقاء مع مجموعة من الناجيات، ولم تغفل مدينة سامراء مسقط رأس زعيم التنظيم أبو بكر البغدادي.
"أنا عندي قناعة أن ليا وقت محدد هموت فيه، فأموت وأنا بعمل حاجة بحبها" لخصت هذه الكلمات قناعة الصحفية حيال التهديدات التي تواجهها طوال الوقت، بل أكدت على حلمها الدائم بالذهاب إلى سوريا، وحولت الحلم بتغطيتها لتحرير الرقة، وحضرت بقوة في تغطية انتخابات كردستان، لرغبتها الملحة من خلال عملها أن تكون شاهد بأعمالها على كتابة التاريخ خاصة في تلك الفترة التي تمر بها المنطقة من أزمات وحروب.
ما زال شغفها يسعى للمزيد "نفسي أروح بوكو حرام عشان أتعرف على الشق التاني بتاع داعش"، لم تؤمن بالتوقف عن التعلم، فطوال الوقت تحرص على الإلمام بالأدوات الصحفية الحديثة، لتحقيق حلمها القادم بإنتاج أفلام وثائقية "فرحت جدا لما المونترين قالوا أن تصويري حلو".
الكاتب
سمر حسن
الثلاثاء ١٢ ديسمبر ٢٠١٧
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا