علا رشوان.. ”استثنائية” علمت بنات الصعيد ”السواقة” وتتمنى ”يبطلوا يخافوا”
الأكثر مشاهدة
"أنا شايفة نفسي مختلفة، ومش زي أي حد" وبالفعل لم تكن مثل أي من صديقاتها، أو بنات بلدها، كانت تغرد في سرب وحدها، لها عالمها الخاص الذي نسجته وسبحت معه ضد التيار، لا تعرف القبول بالأمر الواقع والرضوخ لأوامر غير مفهمومة، رغم التضييق الذي حاوطها، استطاعت أن تكون "استثنائية".
داخل مجتمع الصعيد، صاحب الطبيعة الخاصة "عندنا في الصعيد، الناس تخاف تخرج بره العادات والتقاليد"، نشأت علا رشوان في أسرة ذائعة الصيت في سوهاج، لأب يعتبر ما تقوم به غير ذي أهمية، وأخت كبرى تدعمها وتشجعها، فهي الصغرى بين أربعة أبناء (ابنتين وولدين)، أكثرهم "مجادلة" ورغبة في رفض المفروض، لم توقفها كلمات والدها "ماينفعش"، وعلمت منذ البداية أن لها مصيرا مميزا.
خوف الأب ورغبته في كبح جماح الطاقة التي تشع من ابنته الصغرى، منعها من ممارسة أنشطة متعددة تفوقت بها "من سن 6 لحد 12 سنة كنت بتعلم سباحة، وأول ما كبرت والدي رفض أني أكمل" رغم ما أظهرته من قدرة على السباحة الحرة جعلت مدربيها يثنون عليها ويخبرونها "هتكوني زي رانيا علواني"، ولكن جاءت كلمة الوالد حاسمة "مفيش بسين (حمام السباحة) تاني".
لم تنهزم، قررت تعلم لعبة تنس الطاولة، ومع أولى خطواتها نحو الاحترافية "مفيش بنات تسافر القاهرة" رافضا مشاركتها في دوري الجامعات والسفر خارج سوهاج وحدها، ولنفس السبب لم تلتحق بكلية الحقوق، كما كانت تريد، ودرست التجارة، لتقف دوما "أنتي بنت" عائقا أمام رغباتها، ولأنها قادرة على التعامل مع واقعها بسخرية وتلقائية، تمكنت أن تجتاز كل ما هو محبط ومرهق ومؤذي، أو دائما ما تحاول.
في سنوات الجامعة، لم يكن هدوء علا استسلاما لامر واقع، ولكنه كان تخطيطا للخطوة المقبلة "تعلم القيادة"، بعد محاولات مستميتة في إقناع الأب "كان دايما خايف يعلمني، يقولي لو عرفتي هتاخدي العربية وتطيري"، وخضعت لجلسة تعليم وحيدة مع "عمو حودة"، أحد المعارف، ولظروف تخصه لم تتكرر الجلسات، "في تاني مرة كان عنده مشوار، فقولت أجرب أنا لوحدي أطلع بالعربية، وروحت أول الشارع خبطتها، لفيت ورجعت تاني"، عرف الوالد، فصار يخبئ مفاتيح السيارة الخاصة به بعيدا عنها، لكنها لم تستسلم.
"بدأت أخد عربيته المرسيدس من وراهم، وأعلم نفسي وأتعلم من أخطائي" لاحظها أمناء الشرطة، وأخبروا أسرتها، فاضطر الوالد أن يجعلها تخضع لاختبار الحصول على رخصة القيادة، وبالفعل حصلت عليها، واقتنع الأب بعدما أوصلته من قنا إلى سوهاج بقيادة سليمة "وقتها بقى أقتنع، وأطمئن أنه يسيبني أخد العربية".
عشقت علا قيادة السيارات، بعد التخرج عام 2001، عملت لأربع سنوات بمشروع "الجندر"، التابع للاتحاد الأوروبي، لتوعية النساء بحقوقهن السياسية والاقتصادية، وكما أن لها عقليتها الخاصة وطريقة التفكير التي تميزها على المستوى الشخصي، أثبتت علا جدارة بعملها "كنت بسافر مؤتمرات للقاهرة وبره مصر، والناس متصدقش أني من الصعيد"، وكان والدها يغضب من سفرها الدائم ويقاطعها رغم محادثات مديرها في العمل له "بنتك بمية راجل"، ولكنه دوما يراها "تافهة"، الأمر الذي يزعجها ويفسد فرحتها بأي إنجاز تحققه.
انتقلت علا من "الجندر" إلى شركة "ريفي"، حيث عملت لمدة عام واحد، وتولت مسئولية إدارة فريق من 8 أعضاء "وقت الإنترفيو، المدير قالي أنتي شخصيتك قيادية بطبعك"، وكانت البنت الوحيدة التي تتولى هذا المنصب على مستوى 28 محافظة، وعمرها لم يتعد حينها الـ 27 عاما.
الارتباط والزواج لم يشغلا بال علا، كانت دوما تؤجل وترفض "مش عاوزة واحد عاوز زوجة والسلام، لازم يكون مميز عشان أنا كمان مميزة.. في سوهاج بيقولوا عليا مطيورة، محدش هيحب مراته ظاهرة ومميزة"، لكنها اعتقدت أن زوجها يمكنه أن يفعل، فرغم معارضة والدها على كونه مطلق، رأت فيه علا شخصا مميزا "والدي قاله علا مش حد عادي، ومبتعملش غير اللي نقتنعة بيه"، وكان رده ان هذا هو ما يريده "أنا اللي عاجبني أنها مش بتقول حاضر ونعم، عاوزة واحدة تناقشني وتقنعني"، وفي شهر واحد تزوجته وانتقلت معه إلى القاهرة.
من اليوم التالي لزواجهما، أدركت علا خطورة ما أقدمت عليه "ضرب 24 ساعة، وعلى أي سبب وبدون سبب"، واعتقدت أنه يمكن للحال أن يتغير، فأكملت تدريب الاسكواش الذي بدأته قبل الزواج "كان كل اللي يشوفني يستغرب أني صعيدية، فاكرين أننا بالملس (الزي التقليدي للنساء في الصعيد)"، محاولة أن تكون حياتها الزوجية مختلفة.
"كنت حابة أكون زوجة مميزة ومتألقة ومجنونة، ننزل في أي وقت ونسافر لأي مكان ونتجنن مع بعض"، لكن يبدو أن تالاختلاف تحول من ميزة إلى عيب في وجهة نظر الزوج "بدأ يزهق من تميزي"، تحملت حتى تحول العنف منها إلى ابنها مهاب "وصل أنه ضرب الولد وهو نايم، عشان يضايقني ويأذيني"، وعندما أتم ابنها العام وثمانية أشهر، واكمل زواجها عامه الثاني قررت الانفصال والعودة إلى سوهاج.
مرحلة جديدة في حياة علا، بعد الطلاق اعتبر والدها أن تلك نهاية العالم بالنسبة لها "أبويا قالي بعد الطلاق، أنتي لا تخرجي ولا تطلعي، أنتي اللي زيك بتموت"، وكعادتها لم تنتصت، وقررت أن تبحث لنفسها عن عمل يؤمن مستقبلها وابنها، وبعد بحث ورفض لمساعدات الأشقاء، حتى لا تعرض نفسها لمهانة العوز والحاجة، والخضوع لكثير من مقابلات العمل، قررت علا أن تعلم بنات الصعيد أكثر شئ تحبه.
بعد 3 سنوات، علمت خلالهم ما يقرب من 400 بنت، يرى والدها أنها "فضحته"، رغم محاولات مستشارين وأساتذة جامعات ونواب برلمان التواصل معها لتعلم زوجاتهم أو بناتهم، وعدم استطاعتها لضيق الوقت وامتلاء مواعيد الحجز عن آخرها، ما زال الأب لا يعترف بالنجاح الذي حققته علا "بيستحقر الموضوع ويقولي انتي سواقة.. اتفضحنا بسببك".
الفكرة التي بدأت بـ "بوست" على فيسبوك، أصبحت مشروع تكسبت منه، وفعلت فيه ما تحب "بعد كرم ربنا، قدرت أدخل ابني المدرسة اللي عاوزاها، وأجيب عربية مكنتش أقدر أطلب تمنها من بابا"، ترى اختلافها عن مدارس التعليم في قدرتها على إكساب البنات والسيدات الجرأة للقيادة دون خوف، وعملت على تطوير نفسها من خلال معرفة أجزاء السيارة بالكامل، ووظيفة كل جزء ودوره، حتى تجيب عن استفسارات المتعلمات.
"ومن هنا بدأ الغرام" لا تتعامل علا مع القيادة كمهنة، ولكن تراها عشقا لن تجد افضل منه، فرفضت أي وظيفة داخل مكتب بمرتب ثابت وكبير، وقررت أن يكون تعليم السيدات القيادة هو مستقبلها، متمنية أن تفتتح مدرسة خاصة بها، حتى تعتمدها هيئة المرور، وتمنح المتعلمات رخصة القيادة بسهولة، ولكنها استطاعت أن تقنع مدير المرور في سوهاج، حسبما تقول، أن يمنح الرخصة للسيدات إذا اجتزن الاختبار على سياراتهن الخاصة، وليس "الربع نقل" الموجود بالهيئة.
في مشروعها، لم تحقق علا حلمها وحدها، ولكنها تتذكر السيدة الخمسينية التي تمنت أن تتعلم القيادة واعتقدت أن العمر فات، ولكنها حققته على يد السيدة الصعيدية، "انا مش بعلم وأجري، كل واحدة فيهم بتفضل في أمانتي"، تساعدهن علا في حال تعرضت السيارة لعطل، وتمنحهم قوة وجرأة لمواجهة الشارع وتصرفات السائقين.
بدأ الأزواج يتصلون ليحجزوا لزوجاتهم، ويطمئنوا على وجودهن مع علا "دي كفيلة ببلد بحالها"، أي محاولات لمضايقتها أو إزعاج من تتعلمن معها، تفضي بصاحبها إلى القسم "اللي تلاقيه يمشي قدامك ببطء عشان يضايقك، أو يلاحظ أني بعلم البنت فيكلكس جامد عشان يخضها وتفرمل فجأة"، فأصبح يخشاها الجميع ولم تعد هي تهتم لأحد "أنا مبعملش حاجة غلط".
رغم أنها لا ترتاح لكثير من معتقدات الصعيد، ما زالت تحمل كثير من صفات أهله، فهي لا تقبل الإهانة، وتملك قلب كبير طيب يحب مساعدة الآخرين، "بحاول كل ما أشوف أم مع أولادها ومعاها حاجات السوق مستنية مواصلة، أني أوصلها بعربيتي لقرب مكان".
37 عاما سنوات عمرها، التي ملأتها علا بالأحداث والتفاصيل والرفض والمحبة، اتخذت قرارات لم تندم عليها، ولكن كانت تتمنى أن تكون أكثر استعدادا لها، ناصحة كل متزوجة تريد الطلاق أن تفكر مليا في قرار سيغير حياتها ونظرة المجتمع والأهل لها، متمنية "الست لازم تبقى أقوى من كده، احنا مش عورة، بطلوا تخافوا".
الكاتب
هدير حسن
الأربعاء ١٣ ديسمبر ٢٠١٧
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا