”خالتي فرنسا”..سند أهل الجمالية
الأكثر مشاهدة
في إحدى الحارات الداخلية في حي الجمالية، الذي يحوي بين شوارعه العبق التاريخي، تقف سيدة مرتدية جلبابًا أسود، تُحيطها هالة من القوة، ينادي عليها المارة، تجيب بابتسامة مصحوبة بنبرات صوت عالية، لا تضع زينة على وجهها، يعلو رأسها حجاب له ربطة جانبية، رغبة منها بالبعد عن المظاهر النسائية، تسيطر على المنطقة بتعاونها.
"منى" أو "أم محمود" أو اللقب المعروفة به بين الجميع "خالتي فرنسا"، صاحبة مطعم يقدم الأكلات الشعبية، ليس مجرد اسم متداول بين أهل الجمالية، بينما سند لأهل المنطقة فلا ترد طلبًا لكبير أو صغير، نشأت في حي روض الفرج لأب يملك محال فاكهة.
عندما أتت سيرة والدها الحاج "أحمد هريدي" الذي وافته المنية منذ 11 عامًا، عادت بالزمن بنبرة صوت منخفضة إلى نشأتها، التي قضت معظمها برفقة والدها وتعلمت منه أصول التجارة، فكانت تحتذى به، فتركت التعليم من المرحلة الابتدائية وتفرغت للعمل.
دخلت ميادين عمل كثيرة، فكانت التجارب المتعددة أساس حياة السيدة الأربعينية، تزوجت وأنجبت أربعة أبناء، بينما لا تنعم بحياة عائلية هادئة، بل نشبت الخلافات بينها وبين زوجها نتيجة عدم تحمله لمسئولية المعيشة "لما أتجوزت معرفتش أعيش مع جوزي لأنه مش بتاع شغل"، وأصبحت تقوم بالدورين في آن واحد، متكفلة بنفقات أبنائها الخمسة "إبراهيم ومحمود وطه وأحمد وريتاج".
"ملقتش حد جنبي غير ربنا"، بهذه الكلمات بدأت "خالتي فرنسا" تسرد قصة مطعمها الذي لا يتجاوز عدة أمتار قليلة، يرجع تاريخ المحل إلى 24 عامًا فكان ملكًا لأحد أقاربها، وعندمه عرضه للبيع قامت بشرائه وأصبح مصدر الررزق لأسرتها، والعاملين معها.
يقدم المطعم مختلف الأكلات الشعبية المتنوعة بين "الفول" و"الطعمية" و"المسقعة" و "القرنبيط" بالخلطة السحرية -حسب وصفها-، والمتوفر طوال العام "الناس بتجيلي من محافظات مصر"، تنفرد بكفائة طعامها "الزيت بتاع البطاطس غير بتاع الطعمية غير بتاع الباتنجان"، فمن يعتاد على طعامها لا يستطيع تغييره.
لم يطلق عليها "خالتي فرنسا" نتيجة الصدفة، في إحدى الليالي نشبت "خناقة" بينها وبين أشهر العائلات في منطقة الجمالية، وخرجت من المعركة منتصرة "أنا جرجرت 24 رجل على القسم"، ولم تكتفِ بذلك بل ذهبت إلى قسم الشرطة لتحل على حقها، وقف أهل الحارة مندهشين لقوتها وأطلقوا عليها اسم "فرنسا" نسبة إلى أن فرنسا من أقوى دول العالم فشبهوها بها.
تخرج لها نجلان من كليات القمة، فعندما أنخرط أولادها في المراحل التعليمية، التحقت "منى" لفصول محو الأمية لكي تستطيع متابعتهم "العيال بدأوا يخافوا مني لأنه بقيت بقرا وفاهمة"، كما حرصت تزامنًا مع تعليم أولادها إلحاقهم بهوايات متعدده فمنهم من يمارس هواية الرسم، والأخر يمارس رياضة كرة القدم.
التقت بزوجها الثاني، واستمر ورائها عام ونصف لكي توافق على الزواج منه، تزوجته وأنجبت ابنتها الوحيدة "ريتاج" التي لم تبعد عنها لحظة، وبدأت الخلافات بعد مجيء ابنتها الوحيدة، وطلبت الإنفصال في الحال "لو مطلقش ارفعلي عليه خلع وهي كلمة هشطب المحل أجي ألاقيك قاعد عان نخلص."
"من أكبر لأصغر واحد في المنطقة بيحترمني"، تفرض هيبتها على المنطقة، طوال مدة حديثها مع "احكي" لم يتوقف النداء عليها من الصغير والكبير، وعندما اشتعل الحريق بالمحل ولم يبقى به أخضر ولا يابس، حصدت ما زرعته من تعاون فالتف حولها الجميع لتعيد المحل أفضل من السابق.
الكاتب
سمر حسن
الإثنين ٢٥ ديسمبر ٢٠١٧
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا