”ماما لبنى”.. رائدة ”سمير” وصديقة الأطفال من 8 إلى 88 سنة
الأكثر مشاهدة
برؤية واضحة، وضعت الأطفال في المقام الأول، وجعلت لهم الأولوية، فاستطاعت أن تُنشئ أجيال ارتوت الثقافة في ثوبها البسيط، وأبناء وبنات قادرين على الاحتماء بهوية عربية فريدة ترسخت في وجدانهم من خلال شخصيات مرسومة بعناية صنعت طفولتهم، ورسمت حاضرهم.
عرفها الجميع أطفالا وكبارا بـ "ماما لبنى"، ولكنها نُتيلة إبراهيم راشد، السيدة الأرستقراطية التي كانت أحد أعمدة مجلة "سمير"، ورئيسة تحريرها لأكثر من أربعين عاما، كانت ترى في الأطفال مستقبل الأوطان، وتولت منصب أمينة لجنة ثقافة الطفل بالمجلس الأعلى للثقافة.
ولدت نُتيلة في 19 سبتمبر 1934، درست الفلسفة بكلية الآداب، حيث التقت بشريك العمر الكاتب الصحفي عبد التواب يوسف، القادم من بني سويف، وأنجبا لبنى عام 1957، التي كانت تعمل وكيلة لكلية الآداب بجامعة القاهرة ورئيسة قسم اللغة الإنجليزية، والابن الثاني هشام عام 1959، وهو الأمين العام المساعد لمنظمة التعاون الإسلامي في جدة، وآخر ابن عصام، الذي ولد في 1965، وعمل في مجالات عدة منها البيئة، واشتهر بروايتيه "ربع جرام" و"اتنين ضباط".
كان أبناؤها حاضرين في "سمير"، فأطلقت اسم أحد الأبواب على ابنها الأصغر عصام، ورصدت خلاله مواقفها معه وكان اسمه "مذكرات عصام"، وعُرفت بـ "ماما لبنى"، الاسم الذي كُتب في ترويسة المجلة، وكان له قصة ذكرها الكاتب الصحفي عُمر طاهر في كتابه "صنايعية مصر"، فلقد اختارت هذا الاسم بعد أن أخطأ العااملون في المطبعة في اسمها وكانوا يكتبونه "نبيلة"، وحين اختارت "ماما لبنى"، أبدت الفنانة لبنى عبد العزيز ضيقهان فكانت تقدم برنامجا إذاعيا باللغة الإنجليزية يحمل الاسم نفسه، اعتقدت أنه سُرق منها ولكنها حين تأكدت من الصدفة، سحبت دعواها القضائية وتقبلت الأمر.
منذ عام 1966 وحتى عام 2002، تولت نُتيلة رئاسة تحرير مجلة "سمير" تحت شعارها "للجميع من سن 8 إلى 88"، جاءت شخصية سمير بريشة الفنان الفرنسي المصري برني، ولكنها ضمت إليها فنانين آخرين مثل "حجازي، وبهجت، وناجي"، كما كتب بها كبار كتاب الأدب أمثال "أحمد رجب وسيد حجاب ويوسف السباعي وتوفيق الحكيم"، فاستطاعت أن تخلق بقامات أدبية عقول أطفال المستقبل وتنسج خيالهم.
ابتكرب بأبواب المجلة "المراسل الصحفي"، وبعث لها طلابا واطفالا بقصصهم الصحفية وتعلموا منها، وكان أبرزهم الكتب الصحفي محمد فتحي، الذي نشر تحقيقا عن استيلاء المدرسين على وجبات التغذية الخاصة بالأطفال، كما يذكر في أحد المواقع، في "المراسل الصحفي" وتعرض بسببه إلى التعنيف من قبل مدرسيه، ولكن "ماما لبنى" ساعدته وعملت على إرسال لجنة من الوزارة للتحقيق فيما كتبه، وطلب منه مدرسوه الصلح.
تأثير ما صنعته في نفوس الأطفال عاش طويلا، فعلم كل منهم حقه وساوت بينهم جميعا، فـ "سمير" بشخصياتها (تهته، دقدق، سامبو، كتكوتة، ونوسة) دخلت البيوت العربية قبل المصرية، وانتظرها الأطفال على مدار 56 عاما، بروح تشبههم وتتحدث عنهم، وتحكي آمالهم، كانت تخاطبهم "ماما لبنى" كل عدد في المجلة تحت باب خاص مخاطبة إياهم "أصدقائي وصديقاتي حبايب قلبي".
لم تنجح نُتيلة في المساهمة بصنع عقول شباب المستقبل، ولكن "سمير" في عهدها وصل توزيعها إلى 200 ألف نسخة، وهو الرقم الأضخم الذي بلغته، فكانت تؤمن رغم عدم اهتمام الدولة بأدب الأطفال وتثقيفهم أن الأمل فيهم، والمستقبل في صنع حاضر يصلح لهم، وحصلت على جائزة الدولة في أدب الأطفال، ووسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى،
رحلت في 26 مايو 2012، تاركة إرث من المحبة والتقدير والامتنان ما زالت أجيال تكنه لها، فترجمت أعمالها إلى اللغة الإنجليزيةن ومن مؤلفاتها "تحيا الحياة"، و"معسكر الجزيرة الخضراء"، و"يوميات عائلة ياسر"، كما ترجمت "مذكرات حصان"، و"ملابس الإمبراطور"، و"الأمير السعيد".
الكاتب
هدير حسن
الإثنين ٠٨ يناير ٢٠١٨
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا