في رحاب الحسين..”هبة” تسلي سنواتها الـ13 برسم الحناء
الأكثر مشاهدة
تصوير:نورهان محسن
في مشهد يسيطر عليه الأجواء الروحانية ومحاط بنسمات التبرك، كلٌ في عالمه يحتفل الرجال والأطفال بطرقهم الخاصة، بينما اتجهت الفتيات إلى السودانيات اللاتي يفترشن الأرصفة المجاورة للمسجد، لإضافة لمسة جمالية على اليد برسمة حناء مختلفة، فمنهن من تطلب رسمة فراشة، والأخرى تريد رسمة تملأ كف يداها.
على الرصيف الواقع خلف المسجد، يشذ عن المشهد طفلة، يجاورها مجموعة من الأطفال أقل سنًا، بمهارة الكبار ترسم الحناء في لمح البصر، ويطلب منها الصغار أن تنتقل إلى اليد الأخرى، وبنظرة رضا ترفض ذلك "مينفعش أرسملكم على الاتنين".
تبلغ هبة 13 عامًا، هوت رسم الحناء منذ الخامسة، فعندما كانت تذهب مع والدتها إلى الحسين بشكل مستمر، ألهمتها مهارة السودانيات في الرسم، فكانت تنتظر مغادرتهم حتى تحصل على الأدوات المتبقية منهن، وسرعان ما تذهب إلى منزلها وتقوم بتجريب الرسم على يد والدتها حتى تنضبط معها الرسمة "بفضل أجرب في أيد ماما".
بدأت الطالبة في الصف الأول الإعدادي ممارسة رسم الحناء منذ عمر الثامنة "أنا كنت بمسك الكراسة بتاعتي وأفضل أرسم فيها"، وكان شرط الدخول لهذا العمل من قبل والدها تحقيق التفوق الدراسي، فنظمت الفتاة وقتها بين الدراسة والعمل، تخصص أيام الخميس والجمعة والسبت لرسم الحناء، فيبدأ عملها مساء الخميس تستبدل ملابسها وترتدي عباءة سوداء-الزي الرسمي للعمل- "الحنة مش بتطلع من الهدوم ولبس الخروج لو اتبهدل مش هلاقي حاجة أخرج بيها"، وتستمر على هذا المنوال حتى مساء السبت تعود لتكمل واجباتها الدراسية.
تسعى الفتاة صاحبة الـ13 عام بشكل دائم على تعلم الرسومات الجديدة، فتمسك بيداها الصغيرة "ألبوم" يحتوى على تصميمات مختلفة للحناء، التي تحصل عليها من تاجر سوداني، اتقنت جميع رسوماته، وللحفاظ على البقاء وسط المنافسة الشديدة من الأخريات، تعتمد على التسويق بشكل ذكي ففي الوقت الذي تصل فيه الرسمة إلى 25 جنيهًا، تخفض سعرها ليبدأ من 5 جنيهات ويرتفع إلى 10 جنيهات حسب حجم الرسمة.
"أنا بحب الحنة الحمرا ومش بحب السمرا"، فسرت خلال حديثها مع (احكي) تفضيلها للحنة الحمراء كونها لا تحتوى على مواد كيميائية ضارة بالجسم، بينما تنتقد فيها عدم ثباتها أكثر من أسبوع، وأخرجت من حقيبة صغيرة معلقة في عنقها مجموعة الأدوات التي تستخدمها في رسم الحناء ومكونة من (القرطاس وعجينة الحنة السوداني وماء الأكسجين، ومقص، والألبوم الذي يحتوى على الصور).
لم تقتصر على الجلوس في ساحة الحسين فقط، بل تذهب إلى "حنة العروسة" التي تأخذ منها مجهود مضاعف، فتختلف عن الحنة المستخدمة في الرسم العادى لما تحتويه من مواد لتثبيت الحنة، وشرحت أتواب التي ترتديها العروسة.
لم يكن العوز المادي هو دافعها "بابا اللي بيصرف عليا مش بياخد مني جنيه" بينما الهواية كانت محركها الرئيسي، وعلى الرغم من إلحاح والدها بترك الحنة إلا أنها لم تسطع "لما ببطل الحنة يومين بحس بحاجة نقصاني"، وبنبرة حزن شديدة تذكرت حرمانها لمدة أسبوع في المنزل بسبب إنخفاض درجاتها 2%.
مطاردة الحكومة لها بشكل مستمر من أكثر المضايقات التي تتعرض للفتاة الصغيرة "في مرة كانوا هياخدوني وأنا عندي الامتحانات آخر السنة"، وعن سؤالها عن المعاكسات، تمثل ردها في خروج وسائل دفاع عن النفس من حقيبتها الصغيرة للحصول على أمانها الخاص.
لم يخفي عن بال الطفلة ذات الـ13 ربيعًا، حلم طبيبة الأطفال، فيلازمها مثل ظلها "بعرف أغير على الجروح وبدي لماما الحقن".
الكاتب
سمر حسن
الإثنين ١٥ يناير ٢٠١٨
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا