نجلاء أشرف تكتب: طائر الحب
الأكثر مشاهدة
"أما آن لكي ان تتنفضي أن تتنفضي
اشرقي نجمة صبح ليلكًا
تناثري بلورًا
أو اشتعلي نيزكًا..."
أحببت أن أبدأ حديثي بلكمات أغنية "هي" لريم بنا، رمز للمقاومة والصمود النسائي في عصرنا هذا. فكثير منا بعد عدة صدمات في الحياة يذبل ويفقد ثقته في قدرته على الحب مرة أخرى أو على العطاء، خاصة النساء وبالأخص من أعطت كل ما تملكه من مشاعر لشخص أو شيء أثبت عدم استحقاقه لكل هذه المحلة والاهتمام والأحتواء..
فـ تعتزلن الدنيا وتخشى أن تتألم بمثل هذا الألم مرة أخرى، الألم الذي يسلب منها أنفاسها تباعًا، ويسرق منها استمتاعها بضوء الشمس، فتدخل في ليل طويل لا فجر فيه، ولا حتى ضوء شمعة باهتة صغيرة ترتجف من برودة الليل ووحشة الوحدة. ويتمد الليل ليصبح وحشًا.. كابوسًا يسمى الاكتئاب والذي قد تخرج منه الأنثى بأجنحتها أو تظل مستسلمة لسحبه لها حتى تغرق في بحر من الأوهام والوحدة وأسئلة ماذا لو التي لا تنتهي أبدًا...
تذبل روحها تباعًا حتى تخفت وهي لازالت بين الأحياء. تذبل أرواحًا حين تتعلق أكثر من اللازم بمن تحب فتذبل حين تفقدهم، وتذبل ورقاتها واحدة تلو الأخرى، ويومًا بعد يوم.. كأنها في الفقد تفقد نفسها مع كل شيء أو كل شخص تفقده..
وحين تذبل الروح.. لا يقوى الجسد على فعل شيء.. أي شيء.. يكون أقل مجهود عبئًا عليها، وتمتزج المشاعر بداخلها لتكون شعور واحد اللامبالاة..
لا تبالي إن كانت سعيدة أم حزينة، أو إن كانت تحب ما تفعل أو لا؟ أو إن كانت تستطيع أن تقاوم ما بداخلها من أفكار متضاربة هدامة..
فتذبل روحها وتتوه في بحور نفسها بلا مرسى..
لم تعد تدرك بأي طريق تسير، ولم تعد تبالي إلى أي مكان سترسى سفينة أحلامها، بل وفي بعض الأحيان تحترق تلك السفينة في بحر ظلام أمانيها الخفية بأن تلتحق بمن تحبهم وتغادر هذا العالم، فيجتمع شمل الأحبة مرة أخرى ويختفى ألم الفراق...
ولكن الأمور لا تسير على هذا النحو والأماني لا تتحقق كما كانت تشتهي، فكان لابد لها من ضوء جديد يدخل حياتها ليُحيها مرة أخرى، لتستطيع أن تقاوم وأن تثابر لتصل لبر آمن من الأوهام والحزن.
وأجدني أربت بكلماتي لكل قلب شققته أحزانه، لكل من أعطت ولم تأخذ بالمقابل سوى الألم... لكل من أحبت ولم يثمر الحب في قلبها ورودًا بل أحرق جدار أمانيها، لكل من هربت من الواقع بالنوم وهي تنثر لؤلؤ خدها المنثور ليحفر مجري للدمع على خدها ويكون بحيرة جافة على وسادتها. لكل من ظنت أنها لن تتحمل مثل هذا الألم بين جنبيها فظلت تنتظر الموت...
عزيزتي لن تموتي ألمًا على شيء قدر عليك تخطيه وإلا لما رُزقتِ به... لن تتركي الغضب يحرق أغصان الياسمين بداخل قلبك... بل استمدي صبرك من أملك بأن طالما هنالك شمس يوم جديد تشرق كل يوم، سيشرق قلبك مرة أخرى حين يطهره الألم...
مثلما تطير العصافير جمعاء وفرادى سعيًا لرزق جديد، ستقاومي ألمك وتسعي للتحرر من أحمالك... ستلمع عينيكي من جديد وسيعزف الشغف على أوتار قلبك مرة أخرى.. ستعودين أنتي مرة أخرى ولكن بشكل جديد شكل أقوى.. أجنحة جديدة لن تكسرها الرياح القوية أو تعجزها حبات المطر...
فرفري حبيبتي بقوة إيمانك بأنكِ أقوى من الحزن والألم والذكريات التي لا تنتهي، رفرفي بأن تفعلي ما تحبينه وأكتشفي نفسك مرة أخرى، أكتشفي أحلامك التي أهملتها أو خُفتي من أن تحققيها.
تعلمي عزف الموسيقى أو رقص الزومبا والسامبا، أكتشفي أصدقاء جدد لم تسنح لكم الفرصة بأن تتعارفوا. أزرعي الفل والياسمين أو أبني عشًا للحمام لتحرري بمؤانسته.
وأوجدي مخبأ لك يدفئك حنانًا إما بين أحضان والدتك، أو على كتفي صديقتك، أو بين ضحكات الأطفال، نعم فالأطفال خيرعلاج لكل قلب مكسور، وخير من يعيد إليه الحيوية ويعيد لروحك البراءة استعيري من الأطفال ضحكتهم وحسن ظنهم في الله، وكوني قوية من أجلك من أجل أحلامك التي تنتظر أن تدافعي عنها لأخر نفس يخرج من حلقك مغردًا بحريته، من أجل نسمات الهواء العذبة التي لم تلمس رئتك وتشعرك بالبراح، من أجل التجارب التي لم تعايشها بعد، ومن أجل الأحباب التي لم تقابليهم إلى الآن ومن أجل الحب الذي لطالما لم يخذل من صدق فيه وأعطى وأتقى...
لا يخذل الحب مرديه حبيبتي ولكن تخذلنا أمانينا وتوقعاتنا... وبينما نحن في سكرة الشوق نغفل عن أن أصل الحب وترياق القلوب هو تذكر دوام قرب ومعية الله... دائم التدبير لكل جميل... دائم الود في كل قدر، حتى ما قدره لنحزن وننكسر ما كتبه علينا سوى ليجبرنا بلطف أقداره..
رفرفي حبيبتي بأجنحة طائر الحب الذي لا ينكسر طالما في جناحيه تفكر في جميل أقدار الله وذكر لحسن تدبيره ووده...
الكاتب
نجلاء اشرف
الثلاثاء ٠١ نوفمبر ٢٠١٦
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا