نجلاء أشرف تكتب: أميرة الأحلام لا تصنعها مساحيق التجميل
الأكثر مشاهدة
فتاة صغيرة تنظر لنفسها في المرآة وتتخيل نفسها أميرة جميلة ترتدي فستان أبيض مفنوش ومنقوش عليه بعض الورود البارزة الحمراء والفاراشات الصفراء وتحمل بين أصابع يدها الصغيرة عصاها السحرية التي تحول بها كل ما يزعجها لسراب خفي وتتخيل نفسها تصنع كل ما يبهجها من حلوى وعرائس وفساتين. تشعر أنها جميلة وأنها أميرة لا ينقصها شيء، ولكن أحيانًا تبدأ هذه الصورة تتشوش حين يدس الكبار أرائهم المغلوطة عن الجمال ويبدأوا بالحكم على الطفلة الصغيرة، وتسمع :"أنت جميلة جدًا لولا أن شعرك مجعد"، فتبدأ قطعة من ثقتها بنفسها تهتز وتنزع قطعة من الفستان.. "أنت رائعة برغم أنك سمراء"، تنزع قطعة أخرى من الفستان.. "لولا أنك سمينة لكنت أفضل طفلة بهذا العالم" تسقط عصاها لتتكسر لمئة قطعة على الأرض وتنكسر معها آمال الطفلة ويتحول الفستان لجلباب مقطع مهترئ...!! فلم يبقى منها سوى سمراء مجعدة الشعر سمينة بلا مستقبل في أعين تجار الرقيق أمثالهم.
تبدأ ثقة الفتاة تهتز بنفسها لم تعد تشعر بأنها جميلة أو بأنها جديرة بالاهتمام هي أقل ممن سواها لأنها لا ترقى لمن يرون أنها مثل "أيقونة الجمال" خاصتهم... طالما أنها ليست على مستوى الجمال الذي رسموه في خيالهم إذًا فهي ليست جميلة. وفي الأغلب تكون هذه الصورة منقولة من الثقافة الغربية لفتاة رفيعة شقراء مدللة... لا يهم ذكائها أو تفوقها في الدراسة أو حيازتها على مرتبة الدكتوراه طالما هي رفيعة وضحكتها جذابة مع أحمر الشفاه الذي يشتت أنتباهك من جماله وصوتها الرقيق وجسدها الذي تقيمه على حسب رؤيتك أنت للجمال وليست رؤيتها هي.
كثير من الفتيات لم تعد تثق بأنها جميلة، أو مقبولة أو مرضية بدون أدوات تجميل، بدو عمليات جراحية بدون إكسسوارات تخبئ ورائها أنها تخشى القبح، تخشى أن ترى في أعين من تحب أنها قبيحة..
وهنا أكبر مشاكلنا شدة حرص المرأة لرؤية الرجل لها والتي تحدد بناء عليها تصرفاتها سواء كانت عكس ما يريده أو معه، فلا يزال وجهة نظره تهمها بصورة أو بأخرى. كيف تؤثر رؤية الرجل للمرأة على جمالها الخارجي في الأغلب أكثر من الداخلي؟ في انتقائها لشكل ملابسها أو انتقائها لأرائها أمامه وبالتالي مقارنة جمالها بمن تظن أنها أجمل منها وبالتالي أسعد منها بجمالها. فتسعى أن تتغير لكي ترضي من تحب وليس نفسها وإن تغيرت لنفسها تتغير على حسب معايرهم هم وليس معايرها الشخصية..
بل على معايير من ينظرون للجمال على أنه سلعة يجب أن تكون على معايرهم لقتنعوا بجمالها ثم يقتنوها ويتلفوها كأي طفل اشتهى لعبة ثم دمرها حين شعر بالملل منها..
وأجد تشابه كبير بين ما أريد أو أوضحه وقصة حياة أيقونة الجمال العالمية "مارلين مونورو". من منا لايقر بجمال أنوثتها وتلقائيتها. فقد كانت ولا تزال أيقونة للجمال بالرغم من أن من يقرأ قصة حياتها سيعلم أنها كانت تعيسة للغاية وكل من حولها حاول أن يستغلها بطريقته الخاصة. كل من تزوجتهم حاولوا أن يمتلكوها وأن يستغلوا جمالها وكل ما حاولت هي أن تكونه أن تصبح امرأة عادية، مجرد ربة منزل، أم وزوجة، ظلت في صراع بين ما يُريدونها أن تكون وما تريده هي وما عودتها الشهرة عليه.. حتى انتحرت.. حتى قتلها القبح برغم ما تحمله هي من جمال...
تلك هي سيداتي سادتي أيقونة الجمال.. امرأة تعيسة مستغلة منتحرة... ونرى كثير من حالات التحرش خارج منطقتنا العربية بمن تكون جمالهن بارز ومن يعتبرن ذكائهن إهانة في وجود الجمال ومن لا يقبل أن يقال لها لا طالما ستدفع ثمن هذا بالثمن الذي يتراضوه...
وعلى الوجه الأخر في منطقتنا العربية تجد الفتاة أو المرأة نفسها في مقارنة بالمرأة الغربية أو التركية أو السورية من لها قوام ممشوق وشعر أصفر ولهجة رقيقة وفي الناحية الأخرى يجدوا امرأة ذات صوت عالي ممتلئة القوام في الأغلب لا تضحك كثيرًا بالرغم بأن من الظلم أن ندعو كل هؤلاء النساء كذلك، لأنهم يفعلوا كل ما بطاقتهم لكي يصمدوا إلا أن حتى من تعود لزوجها وهي عبوثة الوجه فذلك من فرط ما تتحمله في عملها من جهد ناهيك عن شراء مستلزمات المنزل ثم التعرض لتعليق سخيف من البائع أو تحرش سافل من أحد المارة في الشارع أو الأتوبيس، ثم تعود لتذاكر لأولادها وتفرغ طاقتها المكبوتة فيهم ومطلوب منها أن تتزين لتصبح كمارلين منورو لترضي سيادة سي السيد الذي عاد من عمله ليتناول الغداء ثم ينام ليستيقظ يتنقد كل ما تفعله المسكينة في محاولها للصمود وربط أركان هذه العائلة ببعضها.
تنشأ الطفلة فترى أن شفاها ليست بالحمرة المطلوبة فتبدأ بشراء أحمر شفاه ثم كحل ثم ماسكرا ثم أنواع لا تعد ولا تحصى من الكريمات التي تجعها أبيض وأنضر وأجمل...!!!
هكذا ببساطة أجمل ... أجمل ممن تظن أنها أقبح منها، بفضل أسطورة "أيقونة الجمال" التي لا وجود لها سوى في الخيال لأنها تختلف من مجتمع لأخر ومن بيئة لأخرى والتي تصدر لنا في الأفلام والتلفزيون بصور متعددة فصارت الفتيات نفسها لا تقنع بوزنها إلا إذا أصبحت كعارضات الأزياء... ولا يكف الرجل عن التطلب بعروسة شقراء من الخاطبة التي يجب أن تلعب دور العفريت لتحضر له عروس الأحلام التي يتوافر فيها الأدب والخلق العالي والجمال البراق، لم يُفهمه أحد أنه إذا تزوج بمثل هذه العارضات -إذا رضيت به أساسًا- سيطلقها بعد أسبوعين على الأكثر لاختلاف طباعهم ولأنانيته المفرطة وأعتيادها هي على المشاركة..
ليس معنى هذا أن تهمل المرأة اعتنائها بنفسها وجمالها ولكن بالقدر الذي يليق بها بالقدر الذي يبهجها هي أولًا، فتفعل ذلك بحب وليس خوفًا من أن يتزوج عليها زوجها بأخرى لأنه ما زال طفل يبحث عن قطع الحلوى في الطرقات. لأنه لا يطيق أن يصبر حتى تعد له أمه الغداء، فيصاب بالتسمم. وليس معنى هذا أن يتخلى الرجل عن رؤيته الخاصة في الجمال فيمن يحب، فكل شخص حر في أرائه ولكنه ليس حر في تخريب فطرة الآخرين للجمال وفي تخريب حياة من يشارك إذا اختلف جمالها عما قبل بسبب الولادة أو الحمل والاكتئاب بأن يجعل حياتها جحيمًا لأنها لم تعد تروق له كما في الماضي...
حين يدخل الحب قلوب أثنان فيقررا بكامل قواهما العقلية والروحية أن يُمضيا ما بقى لهما من عمر سويًا، يجب أن يتعلموا المشاركة والتضحية والصبر وإلا لن يصمدوا أمام أعباء الحياة الزوجية وما تطلبه من مسئولية. مسئولية نجاح كل يوم يمروا به بدون أن يقل الحب بينهم ولكن بأختلاف صوره، فمن الممكن لتقليل الميزانية بدل من أن يشتري الزوج لزوجته الورود، يقرر أن يطبخ لها الغذاء أو أن يخذ الأطفال يومًا ويتركها لتخرج مع صديقاتها، أو أي طريقة ترضي الطرفان. نرجو أن تتوقف حلقات البغض المفرغة التي تتحول لمبارزة بين الزوج والزوجة لمن أخطأ أولًا ومن يجب أن يعتذر ويصحح خطأه، ومن لم يشعر بان ما يقدمه الآخر له يكفيه... من ما زال يرى في شريك حياته أنه جميل وأنه أكثر مما يستحق بكثير لذلك يجب أن يسعى أن يحبه دومًا ولا يسعى لأمتلاكه بل يسعى لأن يزهر بين يديه...
حين تتربى الأنثى أنها جميلة بفطرتها وأن في شعرها الأسود المموج جمال خاص مثل من شعرها أملس، وأن في لون بشرتها الأسمر جمال خاص لا يملكه الكثيرون، وأن الأهم من جمالها الخارجي، جمال شخصيتها وعقلها واستقلالها بنفسها وسعيها نحو تحقيق أحلامها.
لن نجد كثير من النساء تهرع لأجراء عمليات تجميل لتصغر أنفها أو تكبر شفاها أو أي أعضاء أخرى، لن نجد مسوخ مكررة من كتالوج واحد، لن نرى شخصيات مشوهة منزوعة الجمال تربي شخصيات مشوهة مثلها وينشأ مجتمع فاسد.
أتمنى أن تستقل المرأة حتى عن اعتبارها لوجهة نظر الآخر لها سواء كان رجل أو امرأة، لأن بمرور الوقت اكتشفت المرأة أن من أكبر أعدائها أبناء جنسها من يدافعون عن هيمنة الرجل واستضعاف المرأة ولكن من وجهة نظري أكبر عدو للإنسان هو نفسه، هي من تعيق تفكيره السوي أو تزرع بعقله أوهام غير حقيقية. النفس التي جعلت المرأة تسمح لشخص أخر غيرها بأن يتحكم بها وبثقتها بنفسها ورؤيتها لجمالها فتسعى أن تقلد بدون أن تقدر جمالها الخاص الذي لا يحتاج منها سوى قليل من الاهتمام. وتتغير هويتها وتهمل عقلها في حين أن تعليمها وذكائها لا يزيدها إلا جمالًا وإشراقًا ومرونة.
الجمال نعمة جميلة إذا قدرناها في أنفسنا وفيما حولنا لن نشقى بسعينا المستميت حول الكمال أو الأفضلية المزيفة لأن كل واحد منا جميل بطريقته الخاصة.
الكاتب
نجلاء اشرف
الأحد ١٨ ديسمبر ٢٠١٦
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا