نجلاء أشرف تكتب: غني على أوتار قلبها لتفهم كيف تحب المرأة
الأكثر مشاهدة
الحب سر لا يعرف حقيقته سوى الله، فهو ترياق الأرواح المثقلة ونور للأجساد المرهقة، جسر يعبر به المتعبون لأرض الجمال، وبرغم آلام الشوق إلا أن ما يغيره الحب في الإنسان لا يتخيله عقل، فقط تشعر به القلوب.
تُمسك بخرطوم الماء وتصب الماء على الورود التي زرعتها في الحديقة، رائحة الورود بدأت تنتشر في الجو وتنعشه، كأن الهواء يشكرها على إعتنائها بمن أحيت ذراته بجمال رائحتها، ورد بلدي أبيض وزهري بطول الحديقة، أخذت الفوطة البرتقالية وبدأت تزيل الأتربة عن ورقة ورقة فتبدأ ألوان الزرع الخضراء تظهر، وهي تتذكر فرحتها الغامرة بتلك الهدية الجميلة، ليس فقط لأنها منه، من أختاره قلبها لتكمل معه حياتها ولكن لأنه علم بأنها تعشق الورود فأختار أن يسعدها بما تحب، لم يختار لها باقة ورود تدبل بعد يومين، بل أختار لها وعاء ورود لأنه يعلم بأن الحب لا يحتاج لشخص يبينه، الحب نور يراه كل من يبصر بقلبه وينكره المستمسكون بأذيال الأرض من يرفضون التسابق على أجنحة السحاب وحرية الرفرفة بأرواحهم.
والحب سند يهون على المتعبون ثقل وطول الطريق، يزيد من جمال أرواحهم، وينير وجنتيهم بالسرور والرغبة في تحقيق كل الأحلام المستحيلة.
مدخل لعالم الحب
دخلت غرفتها لتفتح الصندوق المربع الذي تزينه زخرفة مغربية باللون الأزرق والأحمر، الذي كان أشتراه لها من المغرب، لتضع فيه حُليها، ثم بدأت بعد ذلك تضع فيه الرسائل التي كان يرسلها لها مع الهدايا، لأنه يعلم أيضًا أن برغم العالم المزدحم المزيف بتكنولوجيا سريعة إلا أنها لا تزال تعشق رائحة الخطابات القديمة الملفولة بشريطة حمراء كأنها من الزمن القديم. ففتحت أول رسالة قد أرسلها لها وكتب فيها:"
علمت أنكِ أني، وأني برغم البعد عنك لا يسعنى سوى التداني، وأن روحي قد ذابت في جمال روحك منذ لقاء "ألست بربكم" يوم تعارفت الأرواح على أصل الحقائق. كنت أدعو في ليالي الجفاء أن يصلني الله بكِ ليكتمل وجداني، وها أنا ذا أحدثك عن أجمل نعمة لم أسعى إليها بقدر ما رتبها لي قدر مولاي، فابهرني بكيف يكون فضل الرب على عبده، وأنتِ فضل الله علي وسكني وملاذي ومأواي".
الحب يبلوره الاهتمام ويحفظه من التجمد أو التبخر فيضيع من بين أصحابه مع الأيام، لا تحتاج المرأة لأن تقول لها أنك تحبها كل يوم، ولكن تحتاج لأن تهتم بها كل يوم، وتشعر بمساعدتك كل يوم، بتفاصيلها الصغيرة وهمومها المتكدسة، قد تجعل وجنتيها تشرق إحمرارًا إذا فاجئتها في عملها بباقة ورود وبلالين، وقد تربح قلبها للأبد إذا ساندتها في أمر مهم لها لغاية ولم تكتفي بالاستماع. حين تفهم أحتياجات من أمامك وتعطيها إياه بدون طلب بالتأكيد ستحتفظ بحب وتقدير من تحبه للأبد.
فالمرأة حين تحب تعطي بلا حذر أو تخطيط، قد تعطي بأن تتنازل عن أحلام كثيرة، عن شكل فرحها، والحياة الكريمة التي تحلم بها لكي تساند من تحب، هي معطاءة بطبيعتها معنويًا وماديًا لا إراديًا، فهي منبع للحنان والسرور بطبيعتها...
فحين أقول أننا نظلم الحب حين نصفه بكلمات لا أبالغ، فهو باب المرضى بشدة الأمل، ويُوصل كل الأحبة بأنوار الصبر، فمن قطعه الموت عن حبيبه، يصله بحنين روحه وريحانه. ومن سابقته كرامته في نفيه عن محبوبه فستظل أشواقه تخونه وتصله بمن يفتقده.
خرجت من حمامها الساخن وجلست لتجمل أظافرها الطويلة بطلاء زهري خفيف، ثم بدأت بتصفيف شعرها وتهذيب موجاته الثائرة بالمكواة الكهربائية، ثم نظرت في صورة زفافها مع زوجها، كيف مرت خمس سنوات بهذه السرعة، مروا بسرعة كنسيم الريح الذي لا يزيد عُشاقه سوى عطشًا للمزيد، فبرغم رتابة الحياة وضغوط المسئوليات إلا أنها لا تزال تحبه بل ربما هو يعلم كيف يزيد حبها له.
عجيب أمر الحب حين نحصره بين أثنين وهو سر بقاء هذا الكون وتماسكه، هو سر تسبيح البحار ولمعان النجوم، وتوكل الطيور، يتعاقب الليل والنهار ليلونوا علينا ألوان الحب والرضا والصبر.
فالحب هو أصل الأصول ونور يهدي للوصول ويأخذنا بروية لنيل كل مأمول، تحنو الأم على ولدها رحمة وحبًا، وتراعي الأخت أخيها حبًا وإيثارًا، وتفنى الحبيبة نفسها في حبيبها حبًا وثقة.
لا تحكي لي عن المحبة ولكن أجعلني أراها في بريق عينيك وحنو يديك على طفل صغير أجهد أمه من كثرة البكاء والصراخ، لا ترهقني بكثرة الحديث عن العشق ولكن دع عبرات صدقك تصرخ بحقيقة تمكن العشق من قلبك...
خيالات الرومانسية
وضعت السلسلة الفضية التي تحمل بداخلها فصوص شفافة على شكل دائرة خضراء محفور بداخلها كلمة "أنت عمري"، كانت تلك أول هدية منه حين تشاجروا سويًا بسبب رغبتها في العمل ورفضه ذلك لخوفه من تفريطها في تربية الأولاد.
فقد تتخيل الفتاة أن بإهمالها ما تحب وتركيزها على إرضاء حبيبها وزوجها في مقابل التخلي عن هوايتها وعملها وأصدقائها هو حب، ولكنه في الحقيقة عملية إنتحار بطيئة لعلاقتهم لأنها ستنفره بكثرة أهتمامها ومللها ووحدتها من جهة، ومن جهة أخرى إذا لم تستمر علاقتهم لأي سبب ستكون بعدها خسرت كل شيء نفسها وعلاقتها بأحبتها وطموحها.
الحب يبني جسر يسلكه المحبين بإسناد بعضهم بعضًا، وجبر لبعضهم البعض، هو ما يجعلكِ ترغبي في أن تضحي باستقلالك التام وحريتك وتتبني مشاركة مسئولية بناء جسر موصول بأنوار المحبة، إذا تخلى أحد أطرافه عن إمداد الطرف الأخر بالحب والمشاركة والتضحية هوى الجسر، وتصدعت أجزائه.
نظرة النوع الآخر لمشاعر المرأة
أختارت أن ترتدي الفستان الأسود الدانتيل، فهو أحب فستان إلى قلبه، كما أنه يجعلها تبدو رشيقة وجذابة، ثم وضعت أحمر الشفاة والعطر الفاخران لتكمل هيئتها الملكية. برغم أنه لا يدرك دائمًا قدر ما تفعله من أجله إلا أنه يحاول دائمًا أن يفعل ما يرضيها ويجعل حياتهما أفضل.
فللأسف لا يُدرك جميع الرجال حجم الضغط النفسي والجسدي الذي تمر به المرأة كل يوم لتكون مبدعة في عملها وفي حبها لعائلتها وأصدقائها و والضغط الناتج عن محاولة التوازن وعدم تقصير أحد الجانبين على الآخر وهذا بخلاف ما يوجد في هذا العالم من مضايقات وصعوبات وتحديات تحتاج للكثير من الصبر والسند.
لذلك فليس دور الرجل فقط إدرار وإيجاد الكثير من المال كما كان في القرن التاسع عشر، ولكنه بشكل بسيط هو توفير الدعم والمشاركة للمرأة بدون تكلف أو تذمر أو أنانية. هو اعتناء غير مشروط وتضحية متبادلة لا تعتمد على بنك رصيك الشخصي من المشاعر.
الحب عند السيدة المتزنة
خرجت من غرفتها لتجد السيدة التي تساعدها في المنزل قد أعدت الطاولة وبدأت بتسخين الطعام، فتذكرت أول مرة تعد العشاء لرفيق رحلتها، وكيف أحرقت أغلب الطعام فلم يغضب منها بل جلس معها في المطبخ ليطهو بعض البيض ثم أكلوه سويًا مع الجبن والعيش.
الحب بالنسبة للمرأة ليس مجرد مشاعر فياضة تختذل في كلمات شاعرية عن جمالها وأناقتها ومكانتها بالنسبة للرجل، ولكنه أفعال صادقة تفعلها كل يوم بلا كلل عند إعتنائها بشئون المنزل بجانب عملها، ورعايتها لأسرتها، وحرصها الدائم أن تبت الحب وقيم الجمال بأرواح من تحبهم وتراعيهم.
وقد تظن بعض الفتيات أن الحب ما هو سوى تبادل المشاعر والأحلام الوردية في فترة الخطوبة وأول شهر من الزواج، ليس هو ذلك فقط الحب، هذا إختزال لمعاني أكبر من معاني الإنسانية، أرى أن الحب وسيلة السعداء لرؤية حقيقة الكون، الحب يزيل كل العوائق ويقطع المسافات، ويقضي على الشك والتردد، الحب يتضح صدقه في شدة اهتمام مدعيه بكل ما يحبه محبوبه حتى يفنى فيه ويصير به، ينصهر المحب في المحبوب ويتشابهوا ولكن لكل منهم كيانه الخاص ورؤيته المميزة في الحياة.
والمرأة لا تنخدع في الحب، فهي أدرى المخلوقات برؤية الحب في عيون من أمامها، ولكن أحيانًا تتجاهل ما يقوله لها إحساسها، أحيانًا ترفض حقيقة أن ترى أنها غير محبوبة بما يكفي، أو أن هناك من يحبها ولكنها لا تريد هذه العلاقة، أو أنها أسيرة لنوع من أنواع العنف النفسي والترهيب تحت مسمى الحب، هي لا تحب قاتلها، ولكنها تخشى الفشل فتستمر في علاقة مدمرة أو فاشلة ولا تحسب عواقب ذلك على نفسيتها.
الاهتمام مفتاح سر حب المرأة
يرن جرس باب المنزل ليدخل رجل ببدلة سوداء ومعه باقة تيوليب بيضاء، يقترب منها فيشم رائحة عطره المفضل، فيقبل رأسها، وهي تنظر في حياء لأسفل كأنهما أول مرة يلتقيان، وتأخذ منه الورود ثم تحكي له عن تفاصيل يومها أثناء الطعام، وتنظر له بشغف وهي تصب له الشاي بالنعناع ليحكي لها عما يريد أن يشاركها إياه.
حين تختار المرأة أن تحب شخصًا واحدًا في الوجود دون غيره، بعد مراحل من الإعجاب والتفكير والحياة في عالم من الخيالات لا يعرفه أحد سواها يبدأ مع كلمة "مساء الخير" لينتهى بأنها أختارت أسماء أبنائهم الأربعة. وتختار أن تضحي بعالمها المستقل وبنائها لعملها، أو باستمتاعها بحياتها وسط أهلها بلا مسئوليات مباشرة، فهي بذلك تمضي على إقرار لا رجعة فيه بإسعاد من تحب وبذل كل ما في إستطاعتها لجعل حبيبها وأسرتها الصغيرة سعداء. لن تتردد في فعل أي شيء لتصل لهذه النتيجة، قد تضحي بساعات نومها وبوقتها الخاص وحتى بمرتبها إن كانت تعمل لتكون حياة سعيدة.
حين تحب المرأة بعقل واعي ومشاعر متزنة لا تستثقل مسئوليتها، أو تشكو منها بل ترتبها وتستعين بمرونتها ومشاركة شريكها لها في تحمل المسئولية والمؤاخاة. ولن ينجح أي أحد بجذب اهتمامها أو حبها سوى بالعزف المستمر على أوتار قلبها، بالاهتمام والمشاركة والحنان والود. ليس عزفًا منفردًا ولكنه سمفونية عذبة فيها من الحزن والفرح والتضحية والهيام ما يصنع عالم متزن يحتاج لجهد مستمر منفوح بإكسير المحبة الخالصة.
لا يعلم حقيقة رقة وعطاء المرأة حين تحب، سوى إمرأة مثلها، تعلم كيف تتسارع دقات قلبها حين ترى من يسبقها قلبها إليه في حضرته وغيابه حتى تشعر بما يشعر به وإن بعدت المسافات الحسية بينهم، وتتمنى لو تصبح هواءً ليتنفسه فتشرح صدره وتزيل كدره، كما أنها تحتاج منه أن يستوعب تقلبات مزاجها وإنزعاجها غير المفهوم الذي يشبه أحيانًا أعصاير الصحراء الهائجة التي تليها أمطار الصفاء الرائجة إن أحسن التعامل معها بهدوء وحكمة.
هي ليس لغزًا لا تملك مفاتيحه، هي فقط كائن يجذبه الأهتمام ويذبل مع الوقت من الاهمال والكلمات الجافة وغير المشجعة.
الكاتب
نجلاء اشرف
الثلاثاء ٢٤ يناير ٢٠١٧
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا