عقيلة بني هاشم وسر تعلق المصريين بها
الأكثر مشاهدة
"ستي يا ستي يا ستي... ماما السيدة زينب... محبوبتي ومطلوبتي" تبدأ سيدة في العقد الرابع من عمرها ترفع يديها لأعلى وهي تترنم بأناشيد المدح والمحبة للسيدة زينب " 5 هـ - 62 هـ" حفيدة سيدنا رسول الله وابنة السيدة فاطمة ابنة رسول الله ورابع الخلفاء المسلمين سيدنا علي بن أبي طالب، تبدأ السيدات بالترديد خلف المرأة وتبادر الأخرى بالزغاريط مع دموع الجبر على وجنتيها، في حين توزع إحدى الفتيات بعض المِنين بالعجوة والبقسماط على الزوار. فما إن تطأ قدمك مسجد ومقام السيدة زينب إلا وتتخلل مسامك السكينة والهيبة لأم الحنان ورئيسة الديوان من شرفت مصر في عام 61 هجريًا بعد موقعة كربلاء واستشهاد أخوها سيدنا الحسين.
الصبر على المحن
في موكب صغير صحبت السيدة زينب من تبقى من أهل بيت رسول الله من نساء وتشدد على يد سيدنا علي زين العابدين، وتطمئنه بأن الله جعل لهم موطن جديد في مصر، واستقبلها والي مصر وكبار العلماء ومختلف المصريين بالدفوف والزغاريط. فبرغم ما لاقته من حزن شديد على جدها سيدنا رسول الله ثم على والديها. ثم التعب والجهاد قبل موقعة كربلاء من تطبيب الجرحى في المعارك ومؤازرة أخويها، ثم موقعة كربلاء واستشهاد سيدنا الحسين وقطع رأسه الشريفة واستشهاد ابنها أيضًا، فما كان استقبال أهل مصر للسيدة الكريمة إلا لطف وتكريم لآل بيت رسول الله بتشريفهم بقاع مصر، ودعت السيدة زينب في هذا الموقف وقالت لأهل مصر:" يا أهل مصر.. نصرتمونا نصركم الله، وآويتمونا آواكم الله، وأعنتمونا أعانكم الله، وجعل لكم من كل مصيبة فرجًا ومن كل ضيق مخرجًا".
أهل العطاء آل البيت
مكثت السيدة زينب في بيت والي مصر في ذلك الوقت، وألتف حولها كبار العلماء وأهل مصر، وكعادة أهل البيت تأسيًا بسيدنا رسول الله كانت السيدة زينب لا ترد مسكين أو أي طالب إلا أجابته وجبرت بخاطره، ولذلك سميت بأم العواجز وأم الحنان وأم هاشم "في التراث المصري" حيث كان يلتف حولها العجائز والمساكين طلبًا للمساعدة وأعادت هي الجود كجدها، كما لقبت برئيسة الديوان والمشيرة لتجمع العلماء حولها واستشارتها فيما يشغلهم من مسائل.
وحتى الآن يتوافد آلاف المصريين إلى السيدة زينب يقرأون الفاتحة ويدعوا الله بما يشغلهم ويأملوا أن يستجيب لهم الله في هذا المكان المبارك كرامة للسيدة الكريمة. كما هونت السيدة زينب على سيدنا علي زين العابدين (ابن سيدنا الحسين بن علي بن أبي طالب) فقد أهله وربته على الأخلاق المحمدية حيث كان صغيرًا في ذلك الوقت، ويقال أن أغلب نسل آل البيت من حضرته. وما إن استقرت في مصر عام 61 هـ حتى انتقلت بعدها بعام ودفت في مصر وبمرور الزمن بني مقام ومسجد السيدة زينب في القاهرة في حي السيدة زينب، متفرع من شارع الشيخ عبد المجيد اللبان. وأقرب محطة مترو أنفاق هي محطة "السيدة زينب "، والتي أعتاد محبيها أن يقرأوا الفاتحة كلما مروا من على هذه المحطة.
حب السيدة زينب في قلوب المصريين
تتعالى أصوات المدح من داخل المسجد ناحية الرجال وفي نفس الوقت يكون المدح في ناحية السيدات، والذي لا ينقطع إلا في أوقات الأذان، ومن بين تلك الأصوات بدى جليًا صوت سيدة في أواخر الثلاثينات ترتدي عبايتها السوداء، وتغطي وجهها بطرحتها النبيتي والتي تتزين أطرافها بالترتر، حيث ينعكس فيه ضوء النجفة العالية فوق المقام والزخرفة الإسلامية المتمازجة بدرجات الأخضر والأحمر والأصفر، قاطعت آهاتها وشكوتها لمن ظلموها صوت المدح المنظم في ناحية السيدات بالقصيدة المشهورة:" ياستى إيه ده كل ده .. يا أم المكارم والفدا، أوصاف جمال متجدده .. لاهى يوم كده ولايوم كده، وإن قالوا إيه ده كل ده .. بنقول مدد ياسيدة". وما إن انتهى الإنشاد حتى قامت هذه السيدة الملكومة تزغرد بداخل المقام وتمسح بطرحتها حائط المقام المعطر ثم تمسح به دموعها وهي تردد بيت من القصيدة: "ومافيش محب إلا انكرم .. ولا ينظلم ولا ينحرم، قبلت البشرى يا رب".
تاريخ مسجد السيدة المشيرة
أما على باب المقام فهناك لوحة مكتوبة بخط عربي فيها سيرة من دفن بهذا المقام ليعلمها الناس، ووفقًا لموقع تاريخ مصر فإن أول تأريخ لهذا الضريح يبدأ من العصر العثماني حيث بني الضريح الوالي العثماني علي باشا الوزير سنة 1547 م ، و جدده الكثيرون منهم سعيد باشا عام 1275 هج / 1859 م . ولكن البناء الحالي بني في عهد الخديوي توفيق وانتهي عام 1888م.
ليالي المولد
يتزين مسجد السيدة زينب الآن بعناقيد من نور بمختلف الألوان تتراقص فرحًا مع وفود المصريين الذين يأتون من مختلف البلاد والمحافظات للاحتفال بمولد السيدة زينب، وإقامة ليالي المولد بالمدح وإطعام الطعام وحلقات الذكر، ويُحي الليلة الختامية للمولد كبار المنشدين الصوفيين كما توجد ساحات مختلفة تقيم مجالس العلم والمدح وتوزع الصدقات، فبرغم ما قد ينتج عن بعض المحبين من سلوكيات خاطئة والناتجة عن الجهل التام بالآداب العامة للزيارة إلا أن أبواب السيدة زينب من المستحيل أن تحجب عن محبيها بل توصلها لساحات الوصل والصدق وحسن الإتباع.
وبعد ما إنتهت السيدة التي ملئت المقام بأفراح إنشادها خرجت من الباب، وجهها للمقام وظهرها للباب الخاص بالدخول بعض خطوات حتى تخرج منه، أدبًا ومحبةً ثم تنهي زيارتها وهي تقول :"السلام عليكم يا سيدة زينب يا أم هاشم."
الكاتب
نجلاء اشرف
الأربعاء ٢٦ أبريل ٢٠١٧
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا