أنتِ أولاً
الأكثر مشاهدة
تبهرني فكرة الأم المضحية التي تقدم كل حياتها ووقتها لخدمة أسرتها وبيتها وتتناسى ذاتها بينما هي تغرق في مسؤليات البيت والمذاكرة ، تركض مع أطفالها حتى تلحق مواعيد الدروس والتمارين والكورسات . تفني كل حياتها لسعادة بيتها ، تهتم بأطفالها وترعاهم وتضع هموم ومسؤليات تنشئة أولادها قبل اي شئ او اي اهتمام أخر . أنحني لها احتراماً وتقديراً ولكن يزعجنني أن اقول لك عزيزتي أنتِ في الدرب الخطأ .
ما أجمل أن تقدمي حياتك لسعادة غيرك وما أسعد أن تكون راحة أبنائك وبيتك هي أولوياتك ، بالتأكيد ليس في ذلك خطأ.
لكن بجانب حياتهم التي تغمر كل كيانك يجب أن يكون لك انتِ حياةُ ، لك أوقاتك الخاصة ، لك واجباتك تجاه نفسك . تخيلي معي أن هناك إناء كبير وبجانبه أواني صغيرة ، فكيف لأناء كبير خالي أن يسكب فيضه علي غيره ؟! أذا لم يكن ممتلئا حتي أخره لن يفيض علي غيره من الأواني الصغيرة ! كذلك انت إن لم تمتلئ حياتك بأشياء تحبي أن تفعليها ، أشياء تخصك وحدك ، كيف لك أن تعطي غيرك وتبذلي ذاتك من أجل سعادة الأخرين!
هناك قاعدة في علم النفس تفيد بأن على الانسان أن يحب نفسه حتى يكون محبوبأ من الاخرين ، وحتى يكون أهلاً للثقة عليه أن يثق بنفسه . أعتقد أنك مرأة فكما تظن في نفسك ، يصدق الاخرين ذلك .
كذلك يجب أن تعطي السعادة لنفسك أولاً عزيزتي حتي تستطيعي ان تسكبيها على غيرك وألا سيأتي عليكي وقت تنضب دواخلك وتشعرين بالفراغ والملل والكأبة ، حين يكون ليس بداخلك ما تقدميه لأنك لم تلتفتي لنفسك أولاً . قد تظنين ما أٌقوله لكِ فيه شيئاً من الأنانية حب الذات الزائد كما أن أهالينا قاموا بتنشئتنا علي ان الأم هي التضحية ، هي منبع العطاء ، هي التي تعطي ولا تأخد ، هي رمز للعطاء الانساني . لكن دعينا نفكر سوياً : ألا تستحق نفسك بعض العطاء أيضاً ! ألست انت أنسانه تستحق العطاء كما تعطي لغيرها ! ان تعطي بدون أن تأخذي هي حقيقة أسطورية ليست لها أصل من الصحة .
خصصي لنفسك أوقاتاً : أخرجي ، أمرحي ، أعملي ، أرسمي ، شاهدي ما تحبينه ، حققي طموحاتك ، أسعدي بوقت لنفسك ، لا تبخلي علي نفسك ببعض السعادة ، ببعض الوقت ، ببعض البهجة . لا تبخسي حق نفسك وتظني أن وقتك كله يجب ان يكون لغيرك . هذا ليس منصفاً ابداً .
لا يمكن أن يقدم جائع الطعام الي جائع مثله بنفس راضية ، يجب أن يشبع أولاً حتى يقدم الطعام بكل فرح بل ويتفنن في إشباع غيره و يجعل الأخرين يسعدون بما أعده لهم . الله وهب لكِ حياتك بكل دقيقة فيها حتي تصبحي سعيدة بما تقدميه لنفسك ولغيرك ، حتي يسعد العالم بما تقديمه ويقدره ، حتي يشعر الأخرين بقيمة ما أخذه منكِ .
أنت أولاً ، حتى لا تصبحي دون فائدة و حياتك فارغة عندما تكبرين وتنتهي مسؤلياتك تجاه غيرك . أنت أولاً حتى لا تندمي وتنتظري رد التضحيات . أنت أولاً حتى لا تشعرين بندم علي كل دقيقة كنتي تريدين أن تسعدي بها وتفعلي فيها شيئاً لنفسك . أنت أولاً حتى لا تكوني هماً يحمله غيرك وتصبح كل حياتك محورها الأخرين وماذا فعلوا في حياتهم! أنت أولاً حتى لا تكوني متفرجة تشاهد غيرها يسعد ويصنع ما يسعده ، حتي لا تكوني حاسدة لكل من حقق ما أراده بينما انت من فوتي تلك الفرصة .
قد تكون رسالتي أليك في هذا المقال صادمة بعض الشئ لكن أرجوكي أفعلي ما بوسعك من أجل أسرتك و أبنائك : أهتمي بهم ، فيضي عليهم من عطائك ، أركضي معهم حتي تلحقي موعد التمرين ، نعم هم أهم ما في الحياة ، لكن لا تنسي نفسك : فأنت أولاً .
الكاتب
مريم أنيس
الأحد ١٠ ديسمبر ٢٠١٧
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا