”إنجي أفلاطون” والفرشاه النسوية المتمردة
الأكثر مشاهدة
يفترق الوالدان، تقاوم الأم ..تشد العزم وتبدأ في عملها الخاص لتفتتح دار للأزياء في القاهرة، تتأثر إنجي بشجاعة والدتها وعزمها في العمل كإمرأة مطلقة، لتبدأ أولي خطاها النسوية بجانب والدتها ..
إنجي أفلاطون؛ ولدت عام ١٩٢٤ في أسرة مصرية ارستقراطية ونشأت في بيئة ميسورة الحال للطبقة العليا وكانت تربيتها فاخرة وأوروبية وطبقًا للعادات. وأثناء نشأتها بدأت إنجي الصغيرة تشعر بالاغتراب عن جذورها المصرية وشعرت أنها لا تعرف شيئًا عن بلدها التي ولدت بها وليس هناك ثمة رابطة حقيقية تصلها بالناس وتنامى هذا الشعور بالبعد في المدرسة الكاثوليكية للفتيات من طبقة النخبة التي كانت إنجي أفلاطون تدرس بها، حيث كان للمدرسة بنية شديدة الطبقية وقواعد صارمة للغاية وأشعرت الطالبات بشعور الاغتراب تجاه الثقافة المصرية وبعد قضاء بضعة سنوات في هذه المدرسة لم تعد إنجي أفلاطون قادرة على تحمل هذا الجو الخانق وفي النهاية طُردت من المدرسة بسبب تمردها المتواصل. وشعرت بالملل من الطبقة البرجوازية وهربت للفن..
في بداية الأربعينيات؛ كانت إنجي واحدة من أولى النساء اللواتي إلتحقن بكلية الفنون في جامعة القاهرة. أظهرت خلال فترة تعليمها اهتمامًا متزايدًا في الفن وباشرت منذ عام 1940 تدرّبها على يد الرسام والمخرج السينمائي كامل التلمساني (1917 ـ 1972)، المعروف بأعماله الفنية الاحتجاجية والساخرة من الأعراف الاجتماعية. عرّف التلمساني أفلاطون على مجموعة الفنانين السرياليين "الفن والحرية" التي أسسها في العام 1939 جورج حنين (1914 ـ 1973)، كما تتلمذت بعد ذلك لمدة سنة على يد الفنانة مارجو فيلون المولودة في سويسرا قبل أن تلتحق بمرسم الفنان حامد عبد الله .
وأثناء ذلك أضحت رسالة أعمال أفلاطون سياسية أكثر حيث أظهرت تلك الأعمال شقاء جموع الشعب العاملة كما إنها اتخذت أسلوبًا جديدًا وأكثر واقعية حيث لم تعد ترى السريالية أسلوبًا خاصًا بها، وعبرت عن ذلك بقولها:" كانت أمنيتي الرئيسة في ذلك العصر هي التعبير عن الواقعية وأحلام العامل الذي يكدح تحت ظروف عمل مزعجة من دون قانون يحميه."
كما أنها أصبحت واحدة من رواد الحركة النسائية في مصر بجانب نساء متمردات مثل ثريا أدهم ولطيفة زياد. حيث كان لهؤلاء النساء أيدلوجيات شيوعية بالتوازي مع التوجه النسائي. وهذا الأمر وجد تناغمًا كبيرًا لدى أفلاطون. وكانت ترى أن النسوية والماركسية والاشتراكية وجهان لعملة واحدة لأن القمع الإمبريالي هو الدافع وراء كفاح النساء وكفاح الطبقة العاملة (البروليتارية) والمجموعتان هم"الآخرون" وهو تعبير استخدمته كثيرًا إشارة للفقراء والضعفاء والمهمشين في المجتمع المصري. حيث عانى كل هؤلاء من النظام الاجتماعي والسياسي.
أسست أفلاطون بالتعاون مع سيزا نبرواي لجنة الشابات بهدف إحياء الاتحاد النسائي المصري وواصلت أفلاطون في تطوير أفكارها النسوية ثم كتبت منشورين هامين وسياسين شهيرين هما" ٨٠ مليون امرأة معنا" و"نحن النساء المصريات" وهما تحليلا لقمع النساء والأمة على السواء.
سجنت أفلاطون لمدة أربع سنوات ونصف وكانت تمارس الرسم طوال فترة سجنها. أفرج عن إنجي في تموز/ يوليو من العام 1963. وعقب الإفراج عنها في عام 1963، أصبح أسلوبها أكثر خفة ومرحا، كما استعملت الألوان الحية في رسم الريف وحياة الكادحين المصريين اليومية. تتميّز هذه الأعمال بايقاعات ضربات الفرشاة الممتلئة التي تتلاعب مع فراغات القماش لتعبر عن الضوء. في الفترة الأخيرة من مسيرتها الفنية، في أواخر الثمانينيات، أصبحت ضربات الفرشاة الممتلئة أكثر صفاءًا بحيث تظهر بشكل تدريجي مزيدا من الفراغات على القماش.
وهكذا تحولت الطفلة الارستقراطية إلى شخصية اشتراكية سياسية فلقد تخرجت في مدرسة كاثوليكية وتحولت إلى ناشطة نسوية وتحولت من السريالية الكئيبة المزاجية إلى التعبيرية المُبهجة والمتعددة. فكل ما يتعلق بإنجي أفلاطون وأعمالها متعلق بالتمرد والإبداع الجديد..
الكاتب
حسناء محمد
الأحد ٢٧ مارس ٢٠١٦
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا