”نساء الانتفاضة”.. ربيحة ذياب ”أخت الرجال” التي قادت ”الحجارة”
الأكثر مشاهدة

"أكثر من ألف شهيد، و90 ألف جريح، و15 ألف معتقل، تدمير ونسف ما يقرب من 1228 منزلا، واقتلاع 140 ألف شجرة" حصيلة الشعلة التي انطلقت من "جباليا" بغزة لتزحف نحو أرجاء قرى ومدن فلسطين المحتلة، معلنة عن "انتفاضة الحجارة"، الانتفاضة الفلسطينية الأولى، التي بدأت في ديسمبر 1987، واستمرت توابعها حتى توقيع اتفاقية أوسلو بين الجانب الإسرائيلي ومنظمة التحرير الفلسطينية عام 1993.
شهدت الانتفاضة بسالة الشعب الفلسطيني بداية من أطفاله وحتى شيوخه، متسلحين جميعا بالحجارة في مواجهة الرصاص والدبابات، كما تجلى دور المرأة الفلسطينية "أخت الرجال" التي دعمت وناضلت وضحت بسنوات عمرها في المعتقلات والسجون دفاعا عن الحق في الحرية والكرامة، ورفض الإهانة، وفي هذه السلسلة نستعرض مسيرة أبرز نساء الانتفاضة الأولى تكريما لهن، وإجلالا لدورهن.
ربيحة ذياب
"أخت الرجال التي كانت تحمل الرسائل لتوصيلها إلى القيادة رغم كل الصعوبات والتحديات" كلمات نعى بها أمين عام الرئاسة الفلسطينية الطيب عبد الرحيم، ربيحة ذياب في مراسم تشييع جثمانها، التي انطلقت من ضريح ياسر عرفات وحتى مدفنها في بلدة "دورا القرع" برام الله، وصاحبتها المراسم العسكرية.
ولدت ذياب عام 1955 بنفس البلدة التي شهدت مثواها الأخير، بعد حياة طويلة من النضال تمنت أن تكملها بتحقق الحلم في رؤية وطنها "فلسطين" محرر ومستقل.
في البداية، كانت الناشطة الفلسطينية تمكث وقتا طويلا بصحبة والدتها وحدهما، بسبب ظروف دراسة أخوتها بالجامعة، ونشاط والدها السياسي وتعرضه للملاحقة دوما، وقتها كانت تحلم الفتاة، التي لم تتخط 10 أعوام، أن تصبح طبيبة، ولكن أشعلت نكسة 1967 الثورة في نفسها، فقررت أن تكرّس حياتها لـ "فلسطين"، وتكون "فدائية".
في عامها الـ 12، خاضت ذياب لأول مرة تجربة التعرض للاعتقال، وتم احتجازها عام 1968 إثر مشاركتها في مظاهرات احتجاجية، ومن بعدها بدأت رحلة الكر والفر مع سلطات الإحتلال، ففي عام 1976 حُكم عليها بالسجن لـ 3 سنوات، ثم قضت 4 سنوات أخرى معتقلة بدأتها عام 1981.
تزوجت ذياب عام 1986 من اللواء فائق حمدان، وكانت حياتهما مكرّسة للنضال، وتعرضا للاعتقال عديد من المرات، وكانت السلطات تتعمد أن يفرقهما، فكان يفرجون عن أحدهما ويعتقلون الآخر، ومع زواجهما جاءت الانتفاضة الفلسطينية الأولى 1987، التي اشتركا بها، وبرز دور ذياب خلالها وأظهرت قدرة على تحمل المسئولية.
مع ترحيل الرجال، وقت الانتفاضة، تسلمت ذياب سلطة اتخاذ القرار للانتفاضة بكاملها، مما جعلها تحظى باحترام وتقدير كبيرين لدى جموع الفلسطينين، وعرضها أيضا للاعتقال 4 مرات خلال سنوات "انتفاضة الحجارة"، فكانوا يحاولون الإيقاع بالقادة الفلسطينين من خلالها، خاصة، وأنها كانت حلقة الوصبل بينهم وبين الشارع الفلسطيني، وكانت مسئولة عن نقل العتاد والمال، وتحملت ذلك بقوة في أجواء صعبة.
اختبرت ذياب تجارب مؤلمة في أثناء اعتقالها، وما أعقب ذلك من الخضوع للإقامة الجبرية مرتين وصلت مدة كل منهما إلى 6 أشهر، فهي أم لـ 4 أبناء، كانت ترضع واحدة منهم خلال الاعتقال، حيث سُجنت مرتين خلال فترة رضاعتها، كما جاءها المخاض على سلالم قسم الشرطة في أثناء خضوعها للإقامة الجبرية، فمعاناة ذياب لم تكن تنالها وحدها، وإنما أثرت على أطفالها أيضا.
كان للاعتقال الذي تجرعته 7 مرات والعمل السياسي، الذي منعها من السفر خارج فلسطين بأمر من سلطات الاحتلال لما يقرب الـ 19 عام، تأثيره على حياة ذياب العلمية أيضا، فبدأت الدراسة الجامعية عام 1974، ولم تحصل على شهادتها سوى عام 1999، أي بعد ما يقرب من 25 عاما، حين حصلت على شهادة البكالوريوس في علم الاجتماع من جامعة بيرزيت.
نشطت ذياب بعد انقضاء سنوات الانتفاضة في مجال حقوق المرأة، وانخرطت في العمل السياسي، فكانت عضوة في حركة فتح، كما تولت منصب نائبة في المجلس التشريعي الفلسطيني عام 2006 وحتى وفاتها، وعضوة في في قطاع الشئون الاجتماعية بإدارة المرأة في جامعة الدول العربية، وتولت رئاسة مؤتمر إقليم فتح في رام الله.
تولت وزارة شئون المرأة عام 2009 واستمرت بمنصبها حتى 2013، وكان المنصب ملائم لاهتماماتها، واستطاعت من خلاله العمل على تمكين المرأة الفلسطينية، والعمل على إبراز دورها في تحقيق الحلم الفلسطيني بالاستقلال، والعمل على النهوض بأوضاعها الاقتصادية والاجتماعية.
آخر تكريم نالته كان عامك 2015، حين منحتها مؤسسة World Women Leadership جائزة افضل شخصية قيادية نسوية في المجال السياسي والاجتماعي، كما حصلت على درع مؤسسة المقدسي لتنمية المجتمع، ودرع منتدى المنظمات الأهلية لمناهضة العنف، ودرع مركز المرأة للإرشاد القانوني والاجتماعي.
ورحلت ذياب في جنازة عسكرية وشعبية في 22 أبريل 2016 عن عمر ناهز الـ 62 عاما.
الكاتب
هدير حسن
الخميس ٠٨ ديسمبر ٢٠١٦
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا