إليزابيث إيكفورد.. الطالبة الأمريكية التي واجهت التفرقة العنصرية
الأكثر مشاهدة
صباح يوم 4 سبتمبر 1957، استيقظت الطالبة الأمريكية إليزابيث إيكفورد متحمسة لأول يوم دراسي لها في المدرسة الثانوية المركزية، ارتدت فستانها الأبيض ونظارتها الشمسية السوداء وعلقت كتابها بيديها، واستجمعت شجاعتها متجهة نحو مدرستها الجديدة، لتجد حشود رافضة، وعدسة كاميرا جعلت منها الطالبة الأمريكية الأشهر على مر التاريخ.
ولدت إيكفورد في 4 أكتوبر 1941 في ليتل روك بولاية أركنساس الأمريكية، لوالدها أوسكار إيكفورد الذي كان يعمل في مجال الصيانة بالسكك الحديدة، ووالدتها بيردي أوسكار، حين كان أصحاب البشرة السوداء والأمريكيون من أصل إفريقي يعانون الاضطهاد والتفرقة وسوء المعاملة.
وضمن نضال واسع للحركات المدنية من أجل المساواة واحترام الآخر ونيل حقوقهم، جاء حكم المحكمة في 1954 بقرار تم وصفه بـ "التاريخي"، حين أوقف القضاء التمييز والفصل العنصري في المدارس، حيث كان للطلاب الأفارقة والقوقازيين وغيرهم ممن كانوا يوصفوا بـ "الملونين" مدارس منفصلة، وفي القضية التي عُرفت بـ "براون ضد مجلس التعليم" تم منع الفصل.
بعد هذا القرار بثلاث سنوات، قرر تسعة طلاب من منطقة ليتل روك بولاية أركنساس أن يكونوا أول من يلتحق للدراسة في المدرسة الثانوية المركزية، واتفقوا هم وعائلاتهم على أن يكون ذلك يوم السبت 4 سبتمبر 1957، وكان المتفق عليه أن يتقابل الطلاب التسعة الذين عرفوا بـ the Little Rock Nine، في مكان ما يتجهون بعده للمدرسة، ويدخلون من بابها الخلفي.
لظرف ما، أو يبدو أنها ترتيبات القدر، لم يحضُر والدا الطالبة إليزابيث إيكفورد الاجتماع النهائي للّيلة السابقة للذهاب إلى المدرسة، ولم يردوا على هاتف منزلهم ليتم إبلاغهم بالتغير الحادث في التوقيت والمكان الذي سيجتمع به الطلاب، فاستيقظت إيكفورد وتهيأت للذهاب إلى مدرستها وحيدة، وحاولت الدخول عبر البوابة الأمامية.
الواقعة التي غيرت التاريخ
لم يكن عمرها تخطى الـ 15 عاما بعد، وكانت تسير مرتدية نظارتها السوداء يملؤ قلبها الخوف والترقب والقلق، بينما يبدأ حشد من الغاضبين والرافضين لقرار دمج الطلاب في المدارس الأمريكية في التواجد حولها، حتى وصل الحشد إلى 400 شخص يهتفون "2، 4، 6، 8، نحن لن نندمج".
في موقف كهذا، وبينما كانت الطالبة ذات البشرة السوداء الوحيدة، حاولت إليزابيث أن تتمالك نفسها وتداري خوفها، فاتجهت إلى الحرس القابع أمام المدرسة ليسمح لها بالمرور بعد أن فعل مع الطلاب أصحاب البشرة البيضاء، ولكنه لم يتحرك عندما رأها تتقدم نحوه.
تحكي إليزابيث هذه الواقعة، وتقول "وقفت أمام المدرسة، وكانت كبيرة جدا، ترك الحراس بعض الطلاب البيض يمرون، وبدأ الجميع ينظرون في هدوء وينتظرون رؤية ما سيحدث، وعندما تمكنت من استجماع قواي، تحركت نحو الحارس، الذي لم يتحرك عندما حاولت العبور منه، ولكنه رفع سلاحه نحوي وبدأ حراس آخرون يفعلون مثله، وبدأوا ينظرون نحوي في تحدي وبطريقة متنمرة. لم أعرف ماذا يجب على أن أفعل، شعرت بالخوف، وبدأ الجميع يتجهون نحوي وصاح أحدهم (اسحبها فوق الشجرة، علينا التعامل مع هذه الزنجية)"
حاولت إليزابيث الهرب، وركضت نحو محطة الحافلات لتذهب إلى منزلها، بعد أن هددها المحتشدون بالقتل، واستطاعت سيدة أخرى أن تحميها حتى وصلت إلى منزلها، وتنتشر بعدها صورها حول العالم وهي تحاول الدخول لتمارس حقها في التعليم، بعد أن تمكن المصور ويل كاوتس من التقاطها، لتصبح واحدة من أشهر الصور التي تغير مجرى التاريخ، وينال عنها المصور جائزة بوليتزر للصحافة لعام 1958.
في اليوم التالي، بدأت التحركات للتصدي للغضب والاحتجاجات وتنفيذ قرارات الدمج، فقرر الرئيس الأمريكي حينها دوايت آيزنهاور أن يستدعي حاكم ولاية أركنساس أورفال فوبوس، ليسحب جميع القوات والحرس من المدرسة وما حاولها، ومكثت إيكفورد وزملاؤها الثمانية أسبوعين في منازلهم.
وفي صباح 23 سبتمبر 1957، توجه الطلاب التسعة نحو المدرسة الثانوية برفقة الشرطة، ودخلوها من باب جانبي، وسط حشود قُدرت بالألف شخص حاولت أن تبدي غضبها وتعبر عن رفضها، وتسلل معارضون إلى داخل المدرسة، فاضطرت الشرطة إلى نقل الطلاب التسعة إلى مكتب المدير تحت تهديدات الحشود بقتلهم.
كان الوضع بهذا الشكل يزداد سوءا، فطالب الرئيس الأمريكي آيزنهاور من حاكم الولاية السيطرة على الحرس الوطني، وتم إرسال الجنود ونشرهم في المدرسة طوال العام الدراسي بأكمله، ورغم ذلك لم يستطيعوا منع حوادث العنف ضد الطلاب داخل المدرسة وخارجها، فإليزابيث وزملاؤها كثيرا ما تعرضوا للمضايقات، منها محاولة دفعها في أثناء نزولها على سلالم المدرسة.
في العام التالي، تم إغلاق جميع المدارس، وحصلت إليزابيث على دبلوم الثانوية العامة من المنزل بعد الدراسة عبر المراسلة وحضور التدريبات الليلية، ولم تنل شهادة من مدرسة ليتل روك الثانوية المركزية، ولكنها التحقت بكلية نوكس بجامعة إلينوي، والتحقت بجامعة سنترال ستيت في ولاية أوهايو، وحصلت منها على درجة البكالوريوس في التاريخ.
وفي عام 1958، نالت هي وزملاؤها الثمانية ميدالية Spingarn من الجمعية الوطنية لتقدم الأشخاص الملونين، بينما بدأ كل منهم يسلك طريقه، فخدمت إليزابيث في جيش الولايات المتحدة لخمس سنوات، وعملت ككاتب مدفوعات، وخبير إعلامي وكتبت لصحف في ألاباما والهند، كما عملت كنادلة ومدرسة تاريخ ومسئولة عن العمالة ومراسلة عسكرية، وضابط مراقبة في محكمة ليتل روك.
قدم لها الرئيس الأمريكي بيل كلينتون عام 1999، هي ومجموعة ليتل روك الميدالية الذهبية للكونجرس، وعام 1993 في فيلم The Ernest Green Story، قامت الممثلة ليزا ماري بتجسيد شخصيتها. وتخللت حياتها أحداثا مأساوية أخرى حين فقدت ابنها إيرين إيكفورد البالغ من العمر 26 عاما، في الأول من يناير عام 2003، بعد أن تم قتله على يد الشرطة بسبب توجيهه عدة طلقات نحوهم نتيجة إصابته بمرض عقلي وعدم إدراكه لما يفعل.
ما زالت إليزابيث على قيد الحياة، لتشهد الاحتفاء بالطلاب التسعة، فخلدت المدرسة الثانوية أسماءهم على مقاعد الطلبة في ساحتها الخارجية، وعلى أرض مدخل عاصمة ولاية أركنساس خُصصت مساحة حملت تماثيل تسعة لهم وهم طلاب حاملين كتبهم والخوف يملأ عيونهم.
الكاتب
هدير حسن
الخميس ٠٥ أبريل ٢٠١٨
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا