بشيرة بن مراد رائدة الحركة النسائية التونسية
الأكثر مشاهدة
في ثورة الياسمين، وقفت المرأة التونسية بجانب الرجل تهتف "الشعب يريد إسقاط النظام"، حتى رحل بن علي، وتبدأ تونس الخضراء فصلا جديدا في تاريخها نحو الحرية، وتستكمل التونسيات نضالهن من أجل المساواة والعدل، الذي لم يكن وليد اللحظة الثورية، ولكنه تتويج لسعي كثير من المناضلات، وعلى رأسهن بشيرة بن مراد رائدة الحركة النسائية.
تعرفي على: سعاد ماسي صوت جزائري سكن قلوب الشباب العربي
من هي بشيرة بن مراد
ولدت يوم 11 أغسطس عام 1913، وفي وسط أسرة ومن نسل عائلة لها مكانتها في تونس العاصمة، نشأت بشيرة ابنة الشيح محمد الصالح ابن الشيخ أحمد بن مراد، فالجد مفتي، والأب هو أحد شيوخ المذهب الحنفي، ولذلك كان الحرص على أن تتلقى بشيرة بن مراد تعليمها في جامع الزيتونة، الذي كان يعتبر جامعة علمية دينية.
عن جدها الشيخ أحمد بن مراد، وشيوخ جامع الزيتونة، أمثال محمد مناشو وفرج عباس، تلقت بشيرة بن مراد علوم الدين من الفقه والتفسير، وتمكنت من اللغة العربية وأتقنت قواعدها، وحفظت كثير من قصائد الشعر العربي، فظهر لديها ميل للكتابة والتعبير عن أفكارها، وكان والدها الشيخ محمد الصالح بن مراد يشجعها وينمي رغبتها.
واتباعا لعادات وتقاليد الزواج في هذا العصر، تزوجت بشيرة بن مراد وهي في السادسة عشر من عمرها، أي عام 1929، وكان زوجها الشيخ صالح الزهار، الذي كان يعمل في سلك العدول (القضاء)، يدعم اهتمامها بالأوضاع السياسية والمشاركة في المجال العام.
بدأت بشيرة بن مراد في الكتابة ونشر المقالات، التي كانت تأتي بأسماء مستعارة في بعض الأحيان، وكانت تركز من خلالها على ضرورة تحرير المرأة التونسية، ومنحها حقوقها كاملة، والسعي نحو إشراكها في المجال العام ومساواتها بالرجل، ولكن دون أن يتجاوز ذلك، كما رأت، الحدود والضوابط التي وضعها الإسلام، وفي إطار القواعد التي وضعها الدين الإسلامي، مبرزة أنه جاء ليحرر المرأة ويساوي بينها والرجل في الحقوق والواجبات، ويُعلي من شأنها.
في عام 1936، أطلقت بشيرة بن مراد شرارة الحركة النسائية التونسية، بعد تأسيسها للاتحاد النسائي الإسلامي التونسي، كأول منظمة تُعنى بحقوق المرأة في تونس، لتصبح بذلك بشيرة رائدة النسويات التونسيات، وواحدة من السيدات الرائدات العرب، اللاتي خلد التاريخ مواقفهن، وحُفرت أسماؤهن في ذاكرة العمل النضالي.
اقرئي أيضا: سعاد عبد الرحيم أول رئيسة بلدية للعاصمة تونس
المناضلة بشيرة بن مراد
عملت بشيرة بن مراد، من خلال الاتحاد، على أن تخدم قضايا النساء التونسيات، فحرصت على أن يجمع الاتحاد أبرر الرموز النسائية التونسية، فكانت تتولى رئاسته، وضمت لعضويته حبيبة حجوج وجليلة مزالي ونبيهة بن ميلاد ونجيبة القروي وحميدة بن مراد ونعيمة بن صالح وتوحيدة بن الشيخ، وجميعهن نماذج أثرت في المجتمع التونسي حينها.
فور إنشاء الاتحاد، قامت بشيرة بن مراد بتنظيم مسيرة نسائية سارت في مقدمتها تحمل علم تونس، وجابت شوارع العاصمة، لتعلن عن فروع أخرى له في مختلف أنحاء تونس، كما سعت أن ينظم الاتحاد الحفلات الخيرية، ويقدم المساعدات التي تُعين الطلاب من أبناء المغرب العربي على الدراسة بالخارج، وكانت أحد حفلات التبرع الخيرية على شرف حصول توحيدة بن الشيخ على شهادة الدكتوراة في الطب من فرنسا.
سعت بشيرة بن مراد إلى حصول الاتحاد على ترخيص أو تأشيرة للعمل بشكل رسمي في عام 1938، ورغم عدم حصوله على هذا الترخيص سوى عام 1951، ظل نشاطه مستمر من أجل توفير المنح الدراسية للطلاب والعمل على الاهتمام بتعليم البنات ومنحهن الفرص المناسبة لهن.
في مارس 1937، أسس والدها الشيخ محمد الصالح بن مراد مجلة "شمس الأسلام"، وكانت تساهم بشيرة بن مراد بكتاباتها فيها منذ صدور العدد الأول لها، وكانت تحرص على أن تركز المقالات التي تنشر لها على الأفكار التي تهدف إلى إعلاء شان المرأة التونسية، بداية من إشراكها في المجتمع وتعاونها مع الرجل، وحتى حصولها على تعليم جيد.
ونشرت لها مقالات في مجلة المسرح أيضا، وكانت ضمن مؤسسي مجلة "تونس الفتاة"، ومن ما ذكرته في كتاباتها مدافعة عن حقوق المرأة "وليست الحرية والمساهمة في الحياة الاجتماعية بابا تلجه المرأة إلى عالم الانحراف، بل عليها أن تتمتع بحريتها مع حفظ كرامتها وصون عفافها"، كما ذكرت أن "المرأة التونسية تطورت وسمت أفكارها وصارت تراقب سير الأمور وهي تستحسن وتستهجن وتمدح وتذم وتفهم حالة البلاد من كل نواحيها، وتشارك في المجتمعات الخيرية والاجتماعية العلمية.. وإني أدعو قومنا للعمل بجد وكد في سبيل العلم والمعرفة وتأسيس المدارس نشر التعليم وإزالة العقبات عن وجه الفتاة التونسية".
تعرفي على: مباركة براهمي نائبة سيدي بوزيد وجيش زوجها الشهيد
في ظل نضال التونسيين نحو الاستقلال عن فرنسا، الذي نالته تونس في عام 1956، كانت بشيرة بن مراد واحدة من الرموز التي ظهرت واهتمت بقضايا وطنها، مما جعل الرئيس التونسي الأسبق الحبيب بورقيبة يتقرب منها، ويستفيد من شعبيتها لدى عامة الناس ومحبتهم لها، ومنحجها وقتها لقب "أم تونس"، ولكن فور أن شعر بقوتها وإمكانية أن تسحب عنه البساط وتقلل من شعبيته، انقلب عليها وأبعدها عن العمل العام.
ويرجح كثيرون أن خطابها بمعهد كارنو عام 1955، الذي نادت فيه بالمساواة بين الرجل والمرأة على كافة الأصعدة، هو السبب في إبعادها عن الساحة السباسية التونسية، للدرجة التي جعلت بورقيبة يقوم بإنشاء اتحاد نسائي جديد، ليمحي الاتحاد النسائي الإسلامي الذي أسسته، ويعمل على إخضاع بشيرة بن مراد لما يشبه الإقامة الجبرية في منزلها بمنطقة حمام الأنف، شرق العاصمة تونس، لما يقرب الـ 31 عاما، حتى وفاتها في 4 مايو 1993.
ورغم محاولات الإقصاء، ظلت بشيرة حاضرة داخل وجدان التونسيين، يقدرون ما فعلته، ويحتفون بما قدمته للمرأة، وفي 15 ديسمبر عام 2016، أصدر البريد التونسي طوابع بريد تحمل صورتها، تكريما لمشوارها النضالي.
اقرئي أيضا:
فاطمة بن علي قربوج أول طالبة تونسية بجامع الزيتونة
الكاتب
هدير حسن
الثلاثاء ١٤ مايو ٢٠١٩
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا