عزيزة جلال مطربة المغرب بحضور خاص ونجومية مختلفة
الأكثر مشاهدة
منذ ظهورها الأول، كان حضور عزيزة جلال مختلف، تقف على المسرح مرتدية نظارتها الطبية وتصدح بكلمات وألحان كبار الشعراء ومؤلفي الموسيقى في الوطن العربي، وتترك في عشر سنوات رصيد فني حافل تعلّق به الجمهور وظل يردده رغم اعتزالها منذ أكثر من 30 عاما.
تعرفي على: ريا أبي راشد مذيعة نجوم هوليوود عاشقة السينما
المطربة عزيزة جلال
في مدينتها مكناس المغربية، التي ألهمتها طبيعتها وتراثها الخاص، ولدت عزيزة محمد جلال في عام 1958، في منزل كبير يضم الأخوة والأخوات، وبعد ولادتها بشهرين أُصيبت بحمى كانت لتودي بحياتها، ولكنها تركتها بحول العينين، ، وكانت النظارة دوما رفيقتها، "وروحي أنتي يا حولة" كانت دوما الجملة التي يحاول زملاؤها أن يستفزونها بها في صغرها، وحتى مع خضوعها للكثير من العمليات قررت ألا تتخلى عن نظارتها.
وبعد أن أتمت العام انتقلت لتعيش مع جدها وجدتها، حيث اكتسب منهما بساطة العيش وتعلمت على يديهما خبرات الحياة، فكانت هي الحفيدة المفضلة لجدها، والذي منحها اسمها "عزيزة" كونها الأعز والقرب إلى قلبه، ومكثت في منزلهما قرابة الـ 12 عاما.
التحقت عزيزة جلال بمدارس مدينتها، ولكنها كانت تهوى دوما الغناء والدندنة، متمنية أن يمنحها الله صوتا جميلا كوالدتها "والدتي كانت عاشقة لفريد الأطرش، وتغني له بصوت جميل، كنت أقول دايما لو صوتي مثل صوتك يا أمي"، وبدأت بعدها تغني في مل موقف، فتلحن دروسها وتنغمها لتحفظها، وتُطرب أصدقاءها بصوتها المميز، ويدعوها الجميع للغناء في أي تجمع عائلي.
دندنة لعبد الحليم، وجملة موسيقية من أسمهان، وغنوة لفريد هكذا كانت تقضي عزيزة جلال أيامها، وداخل حافلات كانت تتكدس في فناء منزل والدها، الذي كان يعمل مدير لشركة نقل جماعي بالمغرب، كانت تتخيل عزيزة أنها تغني لجمهور يجلس على كراسي هذه الحافلات في حفل تخيلت أجواءه وتمنت أن يحدث في الحقيقة.
وهي بعمر الخامسة عشر عاما تقريبا، جاءتها الفرصة لزيارة الإذاعة والتلفزيون في المغرب، عن طريق إحدى قريباتها التي تعمل بها، فذهبت معها متمنية أن ترى أجواء العمل في التلفزيون الذي تشاهده ويدفعها الفضول لفهم طريقة العمل به، لتقودها الصدفة نحو واحدة من أهم الفرص التي فتحت لها أبواب الفن والغناء.
وهي تجلس في زاوية داخل مبنى التلفزيون عام 1972، جذب انتباهها أحد الاستديوهات فدخلته لتجد أنها داخل استدسو برنامج "مواهب" التلفزيوني الذي كان يعد أول برنامج في المغرب يعمل على اكنشاف الأصوات الغنائية المميزة واحتضانها، فتسعدها الصدفة، وتستمر بالتواجد منبهرة بالأجواء، حتى وجدت أحد أهم أعمدة الموسيقى المغربية "عبد النبي الجراري" يسألها عن سبب مجيئها، فتخبره بعشقها للغناء، وترديدها الدائم لأغنيات أسمهان وفريد الأطرش وأم كلثوم، وبعد أن يستمع لها، تجد أنه يعاملها كمن اكتشف كنزا، وبدأ ظهورها في البرنامج يثير الانتباه لخامة صوتها الفريدة.
وبعدها، بدأ مشوار عزيزة جلال في احتراف الغناء، فدرست المقامات الموسيقية وقواعد الصولفيج، وباتت تشترك في الحفلات الغنائية وتؤدي الأغاني الوطنية في المناسبات القومية، وكان عبد النبي الجراري مؤمن بموهبتها، وفي مناسبة المسيرة الخضراء عام 1975، لحن لها أغنية "نقلت عيوني هنا وهناك".
اقرئي أيضا: نجوى قاسم إعلامية غطت الحروب واحترم الجمهور مهنيتها
أغنيات عزيزة جلال
وفي أثناء احتفال الإمارات العربية المتحدة بعيد الاتحاد عام 1975، كانت عزيزة جلال ضمن الوفد الذي يمثل المغرب للمشاركة في الاحتفال، كان حضورها ملفت للانتباه، فالتقط موهبتها المطرب جابر جاسم، الذي يشار له كأشهر مطربي الإمارات، فتعاونا معا على إنتاج 3 أغنيات خليجية (غزيل فله في دبي جاني، سيدي يا سيد ساداتي، يا شوق)، اشتهرت داخل كل منزل في الجزيرة العربية.
"حسيت أني ابنة الخليج، وكأني دخلت بيوت أهل الإمارات وأحبني الناس جدا" فرغم صعوبة إتقانها للهجة الخليجية حرصت عزيزة جلال على أن تتعلمها بدقة، وتركز على مخارج الحروف صحيحة، فتصغي لجابر جاسم وتتعلم منه، حتى تمكنت منها، واستطاعت أن تحقق شهرة عالية وصلت إلى مصر قبل أن تستقبلها أم الدنيا، وتبرز موهبتها على نطاق أكبر.
قدمت موهبة عزيزة جلال وصوتها المميز، الذي شبهه كثيرون بـ "أسمهان"، إلى مصر قبل أن ترتحل هي إليها، فتهافتت شركات الإنتاج نحوها وسعت إلى العمل معها، فتمت دعوتها إلى القاهرة، حيث كانت أول زيارة لها بأرض الفن المصري والعربي، ومهبط كل ساعِ إلى محبة جمهور يعشق الغناء والموسيقى وله مزاج خاص وذائقة لا مثيل لها.
"مصر فتحت لي ذراعيها واحتضنتني" مجيء عزيزة جلال للقاهرة، كان بمثابة استعادة لروح فنية جديدة تعطّش لها كثير من الملحنين والشعراء بعد فترة ركود شهدتها عقب وفاة عبد الحليم حافظ وأم كلثوم، وكانت أولى تعاملاتها الفنية في مصر مع الفنان سيد مكاوي في أغنية "يلا بنا نتقابل سوا"، التي رغم النجاح الذي حققته حينها، لم تكن تشعر عزيزة جلال أنها العمل الذي تريد أن تطل به على الجمهور المصري "كنت أبغى حاجة طربية أكتر"، ولكن فور إذاعتها، بدأ المستمعون يتساءلون عن صاحبة هذا الصوت.
وتبدأ بعدها محطة جديدة مع الملحن محمد الموجي، والشاعر مأمون الشناوي بأغنية "إلا أول ما اتقابلنا" عادت بعدها إلى المغرب لتفاجىء بنجاح أغنيتها، وشهرتها الواسعة بين الناس وعلى إذاعات الراديو، لتعود وتكمل أعمالها مع الموجي والشاعر عبد الوهاب محمد، الذي كانت تعتبره مثل الأب "هذا الرجل كنت يوميا أزور بيته، وأجلس مع أهله، وفتح لي مكتبته"، وكان يخبرها أنه كتب كثير من الأغاني التي كان ينتظر الصوت المناسب ليؤديها، ورأى أنه وجده فيها.
وتوالت أغنيات عزيزة جلال وتعاوناتها مع الشعراء والملحنين المصريين وكانت تعتبر أن كل ملحن منحها فرصة للتطور من مرحلة إلى أخرى، فقدمت مع الموجي، الذي تعتبر أنه استطاع أن يمنحها الفرصة لتستغل موهبتها "ساعدني أخرج جزء كبير من صوتي، أنا نفسي ما كنت أعرف أنه موجود"، وقدمت معه أغنيتها الثانية "بتخاصمني حبة..وتصالحني حبة"، لتكتسح في كل مكان في مصر من المواصلات العامة، وحتى داخل مطار القاهرة الجوي.
ومع كل أغنية، كانت تستحوذ على اهتمام إعلامي وجماهيري أكبر، وتنال محبة في قلوب "سميعة" الوطن العربي، ثم التقت برياض السنباطي "السنباطي يعني أم كلثوم، ومعاه كان صوتي ملوش حدود وأضاف لي إضافة كبيرة"، وقدمت معها أغنيات "والتقينا"، و"زي ما أنت"، و"من أنا"، ثم التعاون مع كمال الطويل في أغنية "من حقك تعاتبني".
جاء بعد ذلك التعاون الأكثر تأثيرا في مشوارها الفني، والذي اختتمت بعده مسيرتها الفنية التي لم تستمر أكثر من عشر سنوات، فكان لقاؤها بالملحن بليغ حمدي صاحب الموسيقى المتفردة والألحان العابرة للأجيال، بمثابة وداع يليق بصوت شجي وقوي كصوتها، وقدمت عزيزة جلال مع بليغ حمدي أشهر أغنياتها وهي "مستنياك"، التي ما زال كثيرون يرددونها ويظهرون مهاراتهم وقدراتهم الصوتية بأدائها.
وبعد حفل لها قدمت خلاله الأغنية الشهيرة في نادي الزمالك، جاءها صوت موسيقار الأجيال عبر التليفون "يا هانم.. سلطنتيني أنا مبسوط من"، ليكون مدحه لصوتها كشهادة تقدير ما زالت تفخر بها إلى الآن، ويتفقا على تعاون يجمعهما لم يتحقق لاعتزالها، وتكون آخر أغنياتها "حرمت الحب عليا" مع بليغ حمدي مودعة بها محبيها.
في السنوات الأخيرة لمشوارها الفني القصير، كانت تشعر عزيزة جلال بتردد وترغب في اتخاذ قراراها إما بالمضي قدما في الفن، أو الاعتزال والاكتفاء بما قدمته، ليكون لقاؤها بزوجها هو الحاسم لهذا القرار، كونها التقت به في منتصف الثمانينيات، في أثناء رحلة مع عائلتها إلى إسبانيا، واستمرت علاقتهما حتى قررا الزواج، وقررت هي أن تترك نجوميتها في أوج تألقها وشهرتها.
ابتعدت عزيزة جلال بعد زواجها من رجل الأعمال السعودي علي بطي الغامدي، وعاشت معه سنوات اعتبرتها الأحلى في حياتها، بعد أن اختارات تكوين أسرة وإنجاب أطفال، ورافقته سنوات طويلة طيبة لم تشعر خلالها بالغربة، قبل أن يتوفى منذ سنوات، وما زالت تتذكر بحزن السنوات الأربع الأخيرة التي رافقته خلالها بالمستشفيات في أثناء مرضه، ولم تتركه لثوان، للدرجة التي جعلته في أحد الأيام يخبرها "يومين وبترتاحي"، فأزعجها حديثه، لتتحقق مقولته ويرحل بعدها بعدة أيام.
وكانت عودتها مرة أخرى واحدة من أجمل الأحداث التي عاشها جمهورها، فبعد غياب ما يقرب من 35 عاما، أطلت عزيزة جلال بهئيتها التي اعتادها الجمهور مرتدية نظارتها الطبية ومؤدية أغنياتها على مسرح العلا بالمملكة العربية السعودية، في حفل موسم "شتاء الطنطورة"، في 26 ديسمبر 2019، لتبدو رغم مرور السنوات، وتبدل قدرتها على الغناء بنفس الجودة التي عهدها منها الجمهور، قادرة على خطف قلوب محبيها.
اقرئي أيضا:
ماجدة الرومي صوت ذهبي لبناني آمن الوطن العربي
الكاتب
احكي
الأحد ٠١ مارس ٢٠٢٠
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا