زنوبيا ملكة تدمر التي غزت مصر ورحلت في ظروف غامضة
الأكثر مشاهدة
زنوبيا واحدة من ملكات الشرق القديم التي احتار علماء التاريخ في وصفها، فهي ملكة تدمر التي استطاعت أن تنقلب على واحدة من أعظم الإمبراطوريات، وهي الإمبراطورية الرومانية، وتخوض حربا وتغزو أراض تابعة لها، وتخضعها تحت سلطتها، وتعلن إمبارطوريتها في قوة وعلياء.
تعرفي على: نازك الملائكة رائدة الشعر الحر الذي تخلت عنه
مملكة تدمر
القصة تحدث خلال القرن الثالث الميلادي، والبداية مع الأصل الذي ترجع له زنوبيا، فاختلف المؤرخون حو السلالسة التي تنحدر منها، منهم من رأي أن لها أصولا عربية، فاعتبرها المؤرخ الطري من "عماليق العرب"، بينما اعتقد آخرون أنها تنتمي للبطالمة، وكان الحديث عن قرابة ونسب تجمع والدتها بكليوباترا، وأنها ولدت في الإسكندرية وتلقت علوم اللغة وتاريخ الإغريق بها، في حين اكد مؤرخون أنها من أصول عائلة مرموقة قطنت مدينة تدمر السورية.
اسم زنوبيا اللغة الآرامية هو بات زباي، وكان يعني في جزئه الأول عند الرومان قوة المشترى، وفي اليونانية عرفت باسم سبتيما زنوبيا، عاشت سنواتها في مدينة تدمر الأثرية، الواقعة الآن بمحافظة حمص في سوريا، ولها اسم آخر باللاتينية هو بالميرا Palmyra، وعليها أقامت زنوبيا مملكتها، ثارت ضد الحكم الروماني، وللك تحمل هذه المدينة واحدة من اهم معالم التاريخ، وتكتسب أهمية كبيرة.
كان لمدينة تدمر موقع تجاري مميز ففي العالم القديم، وكانت مطمع لكثيرين، فوقعت تحت حكم الرومان في القرن الأول بعد الميلاد، وكانت مركز تجاريا مهما لهم، ومدينة لهم موقع استراتيجي بين بقية ممتلكت الإمبراطورية الرومانية، وظلت على هذه الحال، حتى عصر الملك أذينة، الذي تمكن من صد هجمات الإمبراطور الساساني سابور الأول، عام 260 ميلاديا، حتى خلفته زنوبيا في الحكم، وكان لها مخططا مغايرا لهذه المدينة.
الملكة زنوبيا
(يقال إنه تمثال زنوبيا)
كانت زنوبيا لها رؤية، وصاحبة حضور قوي، وشخصية طاغية لها سلطانها، وصها أحد المؤرخين في كتاب الحدود الشرقية الرومانية والحروب الفارسية بأن "لوجهها لون داكن، وكانت عيناها سوداء وقوية بما يفوق العتاد، وله روح وحضور عظيم يشبه الآلهة، وكان جمالها لا يصدق، وأسنانها شديدة البياض لدرجة أن كثيرين اعتقدوا أنهم لآليء.. وكان صوتها واضحا قويا كالرجال، وعندما تدعي الضرورة تتصرف كطاغية، وفي وقت الرأفة يحرك إحساسها بالحق".
كان والد زنوبيا هو زباي قائد ورئيس الفرسان، وتعلق بها سبتيموس أذينة، الذي كان لها شخصية فارس قوي، وعرف عنه شجاعته، بينما زنوبيا تحمل الكثير من رجاحة العقل وشدة الجمال، وبالفعل تزوجها، ثم مرت مملكة تدمر بكثير من الوقائع السياسية، والحروب، التي مكنته في النهاية من أن يتولى حكمها، ويدافع عن مملكته ببسالة أما جيوش الفرس، مما جعل الإمبراطورية الرومانية تعترف به شريكا في الحكم.
لم يتم التأكد من العام الذي أصبح فيه أذينة حاكما على تدمر، ويقال ما بين 260 و263 ميلاديا، وكان زواجه من زنوبيا، التي لم تخف يوما رغبتها في أن تكون ملكة على الإمبراطورية، قد أسفر عن 3 أبناء هم وهب اللات وتيم الله وحيران، وكانت تستهدف أن تقود يوما الإمبراطورية الرومانية.
وفي أحد الأيام، وفي أثناء توسعات أذينة داخل حمص، قام عليه متمردون أنهوا حياته، وتولى ابن أخيه "معنى" الحكم، لكنه لم لق القبول وتم الانقلاب عليه، وأصبح الابن وهب اللات هو الملك القاصر، الذي تتولى وصايته والدته زنوبيا، فكانت هي الحاكم الفعلي مع حلول عام 267 ميلاديا.
بدا أن الحلم الذي سعت له زنوبيا يتحقق لها الآن، وبدات مع توليها للعرش تتخذ القرارات والإجراءات التي تحقق لها ما تمنته، فبدأت في إحكام السيطرة على المقاطاعت المحيطة بها من الأناضول وباقي مناطق سوريا، ثم توجهت نحو آسا الصغرى ومنها إلى مصر، حيث فرضت سيطرتها على مدينة الإسكندرية في عام 270، وحينها أدركت روما، التي كانت تمر بظروف سياسية واقتصادية أضعفت من قوتها، خطورة ما تقوم به زنوبيا.
كانت مصر بالنسبة للإمبراطورية الرومانية مصدرا للأمن الغذائي، وهو ما جعلها أن زوال سيطرتها عليها يعني وقوعها في مجاعة وفقدان لواحد من أهم الأراضي الاستراتيجية، بعد أن قادت زنوبيا جيوشها نحوها، بدعوى إعادتها لحكم روما، ولكنها تركت ابنها حاكما للإسكندرية، وتوسعت في حكمها، بعد أن قتلت هيراكليون قائد القصر في بيزنطة.
كانت تحمل كثير من صفات القوة والجلد، والبأس الشديد، وتعرف الإصرار كأنها جاءت لتجسده، فيقال إنها تولت الحكم بعمر 14عاما، واستطاعت أن تترك آثارا ومعمار له روح رومانية، ولكنها يشهد على عصرها وفترة حكمها، وتم منحها ألقاب "الملكة المحاربة"، و"ملكة ملوك الشرق"، فقد كانت تقود الجيوش بنفسها مرتدية خوذة أبوللو، وتستقبل الوفود وعلى رأسها العمامة الكسروية، فكان لحضورها مهابة وإجلال.
وفي محاولاتها لتثبيت حكمها، وإظهار جانب من الولاء للغمبارطورية الرومانية اتقاء للصراعات، أصجرت زنوبيا عملة معدنبة تحمل صورة ابنها وهب اللات على وجه، وعلى الوجه الآخر صورة الإمبراطور أوليانوس، حتى تكون أيضا هذه العملة طريقة لتمييز مملكة تدمر.
اقرئي أيضا: الأميرة فاطمة إسماعيل صاحبة الفضل المؤمنة بالتعليم
نهاية زنوبيا
(لوحة توضح الحال بعد وقوع زنوبيا في الأسر)
مع بدء الإمبراطورية الرومانية في الخوف من توسع نفوذ زنوبيا، جاء الوقت كي تتصدى لها، فتم إرسال جيش قوي بقيادة الإمبراطور أورليانوس نفسه، وتدور معركة بينه وجيش مملكة تدمر، حتى وصل إلى انطاكية، حيث هزمها، فاضطرت للتقهقر والرجوع إلى حيث تدمر، وهناك تم حصارها، بينما ظلت هي تدافع عن المدينة، حتى وقعت في الأسر، وأصبحت بقبضة أورليانوس.
اصطحبها أورليانوس إلى روما،ودخلتها أسيرة، ولكن تم معاملتها بكثير من التقدير، ويقال إنها أمضت بها قليل من الوقت حتى رحلت عام 273 في ظروف غامضة، وما بين قائل بانتحارها، ومعتقد بإعدامها، أو مصدق لزواجها بسيناتور ألماني واختفائها عن الأنظار، تظل تلك حقيقة غافلة عن الجميع، ولكن الثابت أنها امرأة قوية استطاعت أن تواجه الجيوش والأعداء وأن تصنع مجدها بذكائها، وهو ما زالت نقوش المعايد والآثار في حمص بسوريا تشهد به وتحكي عنه.
صورة الموضوع هي شكل تخيلي للملكة زنوبيا في اثناء توليها لعرش مملكة تدمر.
اقرئي أيضا:
عائشة عبد الرحمن "بنت الشاطيء" أول من حاضرت في الأزهر
الكاتب
هدير حسن
الإثنين ١١ مايو ٢٠٢٠
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا