البيزنس العائلي.. تعرفوا على المميزات والعيوب
في الأعمال الدرامية، غالبا ما نرى التمرد والرغبة في الخروج عن سيطرة العائلة ورفض العمل في البيزنس والمشروعات التي تمتلكها، هو شكل من أشكال النجاح والقدرة على البحث عن الشغف الحقيقي والهدف الذي خُلق "بطل العمل" لأجله، لكن هل الواقع كما تخبرنا الأفلام؟ هل البيزنس العائلي مخيف ويشعرك بالتعاسة؟
في الحقيقة، لا يوجد جوانب سيئة فقط لأي اختيار، فكثيرون كان البيزنس العائلي هو طوق النجاة لهم من التشتت والبحث عن فرص أخرى قد لا تكون مناسبة، التمرد ورفع شعار "لن أعيش في جلباب أبي" ليس دوما الخيار المثالي لحياتك، فالأمر يحمل في طياته كثير من المميزات والعيوب.
وإذا كنتم أمام فرصة العمل في شركات أو مؤسسات تمتلكها عائلاتكم، من الممكن أن ترونها ميزة كبيرة لعمل مضمون، وقد تتسرعون في اتخاذ القرار بالرفض، وتعتبرون أنها محاولة من العائلة لتقييدكم أو الحد من طموحاتكم، أو تعتقدون أن الاختلاف عن الجميع دون وجود هدف واضح قادر دوما على أن يصنع النجاح، فالفكرة ليست في اختيار طريق مخالف لما يعتقده المحيطون، ولكن في التعرف على ما يناسبكم بالفعل.
اسعوا وراء أحلامكم وحددوا أهدافكم بالشكل الذي يناسبكم، ولا ترفضوا العمل في مؤسسة العائلة، ولكن تعرفوا على مميزات وعيوب الأمر، وبناء عليه اتخذوا القرار الأفضل لكم.
البيزنس العائلي- فاميلي بيزنس
في مصر والدول العربية، نعرف المؤسسات والشركات العائلية، مثل عائلة ساويرس، ومجموعة منصور، ومجموعة العربي، ومجموعة الشايع الكويتية، ومجموعة الفطيم الإماراتية. وعلى مستوى العالم، تأتي مجموعة تاتا في الهند، وول مارت في الولايات المتحدة ،وفولكس فاجن في ألمانيا، وسامسونج في كوريا الجنوبية كمثال لشركات عائلية عالمية ناجحة.
تُصنف الأعمال العائلية Family Business على أنها من أقدم نماذج التنظيم الاقتصادي، سواء في شكل محلات ومتاجر صغيرة أو سلاسل من الفروع، وحتى الشركات الكبرى العالمية المدرجة في البورصة، ما يجعل خبراء كثيرون يعتبرون البيزنس العائلي من بين أنجح الأعمال التجارية، رغم مشكلاته، كونه قادر على الاستمرار ويساهم بصورة كبيرة في الاقتصاد المحلي، وهناك اتجاه ريادي للأعمال العائلية باعتبارها أكثر استقرار.
ويمكن فهم الـ Family Business على أنه الأعمال التجارية أو الشركات التي يملكها فردان أو أكثر من نفس العائلة، ولهما سيطرة كبيرة على إدارتها وعملية اتخاذ القرار، أو أن يكون البيزنس مملوك لأكثر من عائلة، أو يديرها ويملكها فرد واحد من العائلة، وفي جميع الحالات، هناك حرص على استدامتها عبر الأجيال الذين تربط بينهم صلة الدم أو الزواج و التبني، ولديها رؤية تسعى إلى تحقيقها، وهناك أمور متعددة تحدد العمل التجاري العائلي، وهي:
- أن يكون حق اتخاذ القرار بيد الشخص أو محموعة الأشخاص الذين قاموا بإنشاء الشركة، أو مَنْ يملكون رأي المال، أو من حق أزواجهم وأبنائهم والورثة المباشرين.
- عندما يشارك فرد أو أكثر من العائلة في حوكمة الشركة، بما يعني الإدارة والأهداف والمعاملات والعلاقات بين جميع الأطراف.
- في حال كانت العائلة (في صورة من يمثلها)، تمتلك 25% من حقوق اتخاذ القرار.
مميزات البيزنس العائلي
تشسر الأرقام إلى أن 90% من الشركات الأمريكية مملوكة لعائلات أو تحت سيطرتها، كما أن مجلة فوربس في قائمتها عن أغنى 400 أمريكي، تبينت أن 445 منهم حصلوا على ثرواتهم من مشاركتهم في بيزنس عائلي أو العمل في شركة العائلة.
وهنا، يمكننا أن نبدأ بما يمكن اعتباره إيجابيات، في حال قمتم باختيار العمل في شركة العائلة أو البيزنس الخاص بها في أي مجال، وهي:
الاستقرار
من أهم مميزات العمل العائلي هو الاستقرار الذي يحظى به، بسبب وجود قيادة واضحة يمكن أن تطول مدة بقائها لسنوات طويلة، وهو ما يقلل احتمالية التغيير المستمر، وكذلك وجود استراتيجية ورؤية يتم العمل على تحقيقها، بالاعتماد على سياسات راسخة لدى كل فرد فيها دور يحرص على تأديته.
الالتزام والدافع
بخلاف أن تكون في شركة أو عمل لا تنتمي له بقرابة الدم والاسم، يعتبر العمل في البيزنس العائلي وكأنك تبني في مجدك الخاص، ولذلك يحرص كل فرد على أن يؤدي دوره بأفضل طريقة ممكنة، ويشعر بالالتزام تجاه العمل، ودافع أكبر من مجرد الحصول على أجر جيد، ولكنه ضمانة حقيقية أنك ستجني ما تحاول أن تعمل على تطويره، وأن أولادك يمكنهم أن يستفيدوا به ويشاركون فيه، غير أن حملك لاسم العائلة يحعلك مدفوعا بالتزام قوي أن تكون دوما ناجحة ومستمرة، وهو ما يصب في مصلحة استدامتها للأجال القادمة.
المرونة
تبدو تلك ميزة يستفيد بها الطرفان أفراد العائلة أنفسهم ونجاح الشركة ،فعملك في شركة تملكها العائلة يعني مرونة أن تطرح كل الأفكار الممكنة والمستحيلة أيضا كي تساعد الشركة على النهوض أو أن يحقق البيزنس مبيعات وأرباح، وهو ما يساهم في نمو العمل العائلي، وعلى الجانب الآخر، مرونة التجربة والخطأ والقيام بمهام خارج اختصاصك وتولي عدة أدوار ومهام والتعلم في أكثر من مجال.
رؤية طويلة المدى
يمكن للشركات العائلية أن تمتلك رؤية وتوقعات بعيدة المدى قد تصل لسنوات، اعتمادا على الاستقرار الذي تبني عليه استراتيجيتها، والإمكانية التي تملكها وكونها تعمل دون توقف لأجل أجيال أخرى قادمة، وتحاول أن تبني مستقبلا أفضل وأكثر قدرة على مواكبة التطورات وفتح الفرص للأفكار الإبداعية، في حين لا تتمكن شركات أخرى من المغامرة بوضع توقعات واسترتيجيات لأكثر من ربع سنة.
سرعة التعلم
تخيّل أن تنشأ في عائلة تعمل في مجال إنتاج الملابس، مع سنوات وعيك الأولى سيكون لديك القدرة على فهم طبيعة عمل الشركة والتفاصيل المتعلقة بالإنتاج من أنواع الأقمشة لآخر صيحات الموضة، وذلك دون أن تكون منغمس في العمل بالفعل، وهو ما يعني أنك ستمتلك قدرة على التعلم بصورة أسرع مع بدء العمل في الشركة، نتيجة فهمك التلقائي للتفاصيل الخاصة بعمل عائلتك، وهو ما لن يتوفر لأي موظف آخر في شركة غير عائلية، فدوما ما سيحتاج إلى وقت حتى يلم بالتفاصيل كافة، ولذلك توفر الشركات العائلية والوقت والمال.
تخطي الأزمات
واحدة من أكثر التحديات التي تواجه الشركات الأعمال التجارية، هي فترات الركود والانكماش الاقتصاديوقد تتسبب في إفلاس الشركة وإغلاقها، ولكن تمتلك الشركات العائلية ميزة التضامن والولاء الذي يجمع أفراد العائلة الواحدة، ولذلك عند مواجهة فترة تقشف أو أزمات كبرى يمكن ان يساهم أفراد العائلة ماديا، أو تأجيل توزيع الأرباح، مما يمنح الشركة فرص أكبر في النجاة والقدلاة على تخطي الأزمات.
مشاركة نفس القيم
الأفراد من عائلة واحدة غالبا ما يمتلكون نفس القيم والمعتقدات العامة، وداخل العمل لديهم الأهداف نفسها من أجل التوسع والبناء والمشاركة في وضع الخطط والاستراتيجيات التي تعمل على إنجاح الشركة وتحقيق النمو، وهو ما يسهل التناغم في بيئة العمل، وقدرة كل شخص على استبيان ما يريده الآخر دون مزيد من الجهد، غير أن ذلك يرسخ شعورا أكبر بالفخر.
عيوب البيزنس العائلي
الصورة ليست وردية، والعمل في بيزنس عائلي كما يحمل إيجابيات، قد تفسده العيوب وتؤدي إلى تدميره، ولذلك يجب الحرص من التعامل مع:
الصراع بين أفراد العائلة
من الطبيعي أن يكون خلافا واختلافا في الآراء والقرارات الخاصة بأي عمل، ولكن عندما تختلف- في العمل- مع أفراد من عائلتك، يصبح الامر أكثر حساسية ويؤثر بدرجة كبيرة على استقرار الشركة، لأنه يتحول إلى خلاف شخصي، وتتعرض علاقات الأسرة لخطر كبير، وقد تتضرر مصلحة الشركة أيضا.
مشكلات العمل في المنزل
من الممكن تخيّل شكل وطبيعة الحياة اليومية بين أفراد عائلة واحدة تملك عملها الخاص، فرغم ألفة الفكرة، من السهل أن تعيش مشكلات العمل في البيوت، فكل فرد يجلب غضبه من قرار أو من مواقف سيئة إلى منزله، وإذا حدث خلاف في العمل حول أي شيء بين رجل وزوجته، أو أخ وأخيه، أو أب وابنه، يمكن أن تتحول موائد الطعام إلى حلبة صراع، والتواجد في الجلسات العائلية يشبه السير على الأشواك، مما يجعل العائلة تعيش اضطرابا مستمرا ومصيرها متعلق بالبيزنس، تنعم إذا كان العمل يسير بشكل متناغم، وتنقلب الحياة رأسا على عقب إذا نشب أي خلاف.
فقدان الحماس أو المصلحة
إذا ضمت الشركة أحد أفراد العائلة غير المتحمسين للعمل بها، خاصة من الأجيال الجديدة وضغطت عليه رغم عدم رغبته، فهذا يعني أنها تهدر منصب مهم على شخص غير مهتم بما تقوم به الشركة، ويؤدي إلى إدارة سيئة تفسد عمل الشركة وعلامتها التجارية في السوق.
المحسوبية
يتحول منح المناصب للأشخاص من الكفاءة إلى المحسوبية، ورغبة كل طرف في أن يرقي من يُفضل على المستوى الشخصي، دون أن يحمل هذا الشخص ما يكفي من التعليم والخبرة التي يمكنها أن تفيد الشركة وتساهم في نموها، مما قد يؤثر على نجاح الشركة وفقدان القدرة على جذب أصحاب المواهب، ويجعلهم يفقدون الأمل في الحصول على فرصة حقيقية.
كسر القواعد
استغلال الأشخاص أنهم أفرادا من العائلة، من الممكن أن يشجعهم على كسر القواعد ومخالفة قوانين الشركة بسهولة ودون خوف من العواقب، سواء في القرارات المتعلقة بالتعيينات أو توجيهات النفقات وتوزيع الأرباح، مما يسمح بالفساد أن يتغلل في الشركة وتخسر مستقبلها سريعا.
صعوبة التطوير وعدم الانفتاح
من الممكن أن تكون الرغبة في الحفاظ على استقرار العمل التجاري العائلي عائقا أمام الانفتاح على أفكار أخرى جديدة، أو تقبل العمل مع أشخاص من خارج العائلة، رغم القيمة التي يمكنهم أن يعملوا على إضافتها، وهو ما قد يجعل الشركة تتراجع عن السوق والعملاء الستهدفين.
خطط التوريث
تظل المناصب الإدارية والقيادية العليا في الشركات والأعمال التجارية العائلية حكرا على أشخاص بعينهم لفترات زمنية طويلة، دون وجود مخططات واضحة عن الهيكل التنظيمي للشركة والحصول على الترقيات وفق نظام محدد، مما يعني أن انسحاب هؤلاء الأشخاص من مناصبهم- لأي سبب- يجعل من الصعب اختيار بديل في حال تشبه الدولة الملكية التي تتقطع بها السبل وتتشتت بعد وفاة الملك.
البيزنس العائلي قادر على تحقيق الاستقرار والاستمرار، ولكن يجب امتلاك آلية عملية لتلافي عيوبه.
الكاتب
احكي
الخميس ٠١ يونيو ٢٠٢٣
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا