”علا” و”هالة” طفلتان تهربان من الجنس
الأكثر مشاهدة
"طوبي للمساكين بالروح لأن لهم ملوك السموات ..طوبي للحزانى لأنهم يتعزون..طوبي للودعاء لأنهم يرثون الأرض "هكذا أخذت تردد عُلا جملتها الإنجلية في سِرها، فتاة في الثانيةعشر من عمرها تتلفت حولها بنظرات مُرتعبة، ها هى هناك تقف وحيدة ..وحدتها التي عانت منها منذ نعومة أظافرها، لكنها عازمة القضاء على وحدتها، فكفاها وحدة، حان وقت الهروب.
تنتظر وتنتظر والوقت يمر عليها والهواجس تخنقها..تقتلها، هل علموا بهروبي؟، ماذا سيفعلن بيّ إذا..؟؟ أسئلة كثيرة لكن دون إجابات.
وصلت بعد عناء لمكانها، نعم فهى تنتظرني، فتاة "الجنس" ذي الإثني عشر عام، قررت الهروب من عِزبتها البعيدة لتنجو بما تبقى من جسدها وإنسانيتها، لتهرب بعيدًا عن اطماع الرجال وذويها.
فكرت لحظة وقلت: آه ..يا غجر
المنيرة عِزبة في الخصوص تابعة لمحافظة القليوبية، اعتاد اهلها على تجارة القمامة والخنازير – هذا ما تعلمه انت فقط من تجارتهم- إذا فدعنا نصف لك حقيقة الخصوص وتجارتها.
انتظرتني "هى" طويلًا لمساعدتها في رحلة هروبها، هكذا كان إتفاقي مع شقيقتها الكُبرى- الهاربة الاولى- وتركتها تنتظر طويلًا لصعوبة وصول ابناء القاهرة لتلك العِزبة، الخصوص مدينة متطرفة على حدود محافظة القليوبية، تلال من
القمامة ترسم حدود المنيرة وداخلها بشر أو عبيد للحاج "متولي" عُمدة العِزبة ومالك مُحتكر لتجارة القمامة "النباشين" ... وتجارة البشر "زواج قاصرات وبيوت دعارة"، تمكن الحاج متولي من صنع مملكته وجعَل من القمامة ساتر للملكة.
مررت وسط تلال القمامة مُتخفية... رأيتها أخيرًا فهى أيضًا مُتخفية، عبرنا بحواري كثيرة ننظر خلفنا وامامنا بنظرات مُترقبة مُرتعبة..خرجنا أخيرًا من منفذ "بيع الفتيات".
وقفت عُلا تنظر حولها..للسما..ابتسمت، البهجة رسمت وجهها،وقالت: "آه..يا غجر" كمّلنا مسيرتنا إلى القطار، ومن خلاله سافرنا للوجه البحري ليجتمع شمل "هاربتان من الجنس".
اترك الهمّ ينساك..وإن افتكرته ضناك
بأحد شوارع الوجه البحري، تقف "هالة" الحزن يكسو ملامحها، رغم مُضي فترة ما، إلّا أنها لم تجد سبيلًا لصرفه عن بالها ولو لثوانٍ. تفكر فى حالها، كيف اضطرتها القرية للعمل معهم، "يا فى الزبالة، يا فى الدعارة"، لم يكن لها حلم سوى إبعاد أختها الصغرى، ذات الإثنى عشر عامًا، عن أيدى أهالى العِزبة.
وفي تلك اللحظة تذكرت هى ماذا فعلت لتنجو بنفسها واختها، "ندا ماتت بكل بساطة..فتاة لم يكتمل عمرها 15 سنة بعد، وماتت بالايدز، تاجروا بيها وبينا..حينما تصل من العمر 10 او 11 سنة تُباع لراغبي "الجنس"، تخطيت عُمر المراهقة ومازلت حيًا فانتِ أهلة إذا للدعارة، ندا لم تنتظر للبدء بالدعارة بل تركتنا وذهبت لمن يرحمها".
تدخل كافيه، وتبتسم، نعم انا جالسة بكافيه ويأتي من يخدمني مثلهن جميعًا، تنظر في الساعة تقول:"نصف ساعة فقط وأراكي يا فتاتي- تسرح عيناها بعيدًا- نعم، هربت.
ندا فوقتّني بموتها، لن ينتهي مصيري ومصير عُلا كما انتهت ندا، وزي ما بيقولوا "احييني انهاردة وموتني بكرة"قررت أعيش اليوم واستمتع بالحياة فلي حق بها مثلكن جميعًا، أنا لست بعاهرة، انا فتاة وجدت اهلها وقريتها هكذا.
ظللت افكر كيف لي الهرب من عِزبة يحكمها الحاج، جاء صحفي وصحفية لعِزبتنا مُتخفين لكشف حقيقة تجارتنا، عرفتهم فورًا ..ساعدتهم ..خرجوا سالمين، مقابل وعد بمساعدة في الهروب، وهكذا ظللنا نتواصل شهور وخططنا وهربت من مستنقع "الجنس وتجارته"، والآن انتظر اختي"
ندخل الكافيه، تراها.. تجري إليها ..تحتضنها..تبكي..تضحك، يجلسن جانب بعض، يحتضن بعض كل بضعة دقائق، لتبدأ هالة الحديث وتقول: " متقلقيش يا علا احنا هنلاقي بيت ونقعد فيه ونبدأ حياتنا من جديد وزي مابيقولوا "اترك الهمّ ينساك".
الكاتب
حسناء محمد
الأربعاء ٢٠ يناير ٢٠١٦
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا