”آصلان” مُهندسة العصيدة السودانية
الأكثر مشاهدة
تنتهي من عرض مشروع تخرجها، صمت يعّم قاعة العرض، تصفيق حماسي من اصدقائها وبعض الحضور من لجنة المناقشة.
بهجة عارمة في منزل "عم أمين" فابنته الصغرى- المهندسة المدنية - تخرجت بتقدير امتياز، آصلان..فتاة سمراء جميلة ذات عيون واسعة، تنظر إليها فتخطفك لبلادها البعيدة "السودان" بلونها.. رائحتها.. خِفتها .
تخطو مُتعجلًا بأحد شوارع الدقي لّلحاق ببعض أعمالك المؤجلة، تُهاجمك رائحة لذيذة "شهية" غريبة عن انفك، تبطىء من خُطاك، تصدر معدتك بعض الأصوات، ترجوك البحث عن مصدر الرائحة.
تتلفت حولك تبحث..أين المصدر؟..من المُلهم ؟..، يطول بحثك إلى ان تصل للمصدر، مطعم الشرق للطعام السوداني، تّجرك قدمك إليه، تجلس داخله، لتأتيك فتاة سمراء جميلة، تأخذ طلبك لتحضره لك خلال ربع ساعة كما حددت "هى" الوقت .
يراك تجلس وحيدًا..تنتظر طعامك، يجلس معك ..يُحاكيك عن بلده البعيد "السودان" حتى تنتهي ابنته الصُغرى من تجهيز طعامك، ويقول : " بلدنا حلوة اوي بس الظروف هى التي تجعلنا نبتعد عن حبيبتنا السمراء "، تُقدم لك الجميل السمراء العصيدة السودانية والكبدة وبعض أنواع الطعام "الشهية"، وتجلس جوار "عم أمين" تستمع حديثه اللذيذ، لتتناول طعام "شّهي" وسط أجواء عائلية متكاملة.
آصلان، الفتاة السمراء الجميلة، مُهندسة مدنية..طاهية ماهرة، تنظر إليك بعيونها السمراء باسمة وتقول: " تخرجت دُفعة 2014 من كلية هندسة مدني جامعة القاهرة، عملت بعض الوقت بأحد المكاتب الهندسية إلى ان توفت والدتي..تركت العمل بعض الوقت لأكون بجانب بابا، خرجنا من كأبة لحظات الإفتراق، لأعود لعملي مرة آخرى كمُهندسة".
يُقاطعها "عم أمين" ليستكمل حديثها نيابة عن فتاته الجميل ويقول :"انا جئت من السودان عندما مرضت آصلان بشدة ولم يتمكن حُكمائنا من علاجها، فجئت بها للقاهرة راجيًا شفاها على يد أحد المصريين، وهكذا شُفيت، وندرت وقتها ان أعيش مع المصريين "دوول شفوا حلوتي الصغيرة" جئت بباقي أبنائي وأمهم من السودان واستقرينا بالحبيبة مصر" .
تعود الجميل آصلان لحديثها وبنفس "طعامة" طعامها السوداني كان حديثها هكذا " بعد وفاة ماما نزلت للمطعم جانب والدي .. نعم، انا مُهندسة، لكني أعشق ذلك المطعم ..أعشق رائحته التي مازالت تحتفظ برائحة أمي داخله.."أدووب" في الطعام و انا أصنعه ".
تتوقف عن حديثها بعضٍ من الوقت، صمتٍ "شهي" يعّم المكان، لتواصل "ماما وبابا هم من كانوا يصنعون طعامنا وفننا دايمًا لمُحبي السودان، وانا كنت دايمًا اصنعه داخل دراستي وعملي الهندسي، تحبي اقولك المُضحك، وانا بعمل مشروع تخرجي كنت افكر دايمًا بمطعمنا الصغير".
تبتسم وتنظر بعيون مُبهجة وتقول :" جاءت عليّ بعض اللحظات من الاكتئاب واليأس من انتهاء مشروعي، لكن ماما اخذتني لمطعمنا الصغير وجلسنا بالمطبخ سويًا نصنع ما نشاء من الطعام المصري والسوداني والنوبي ..ونلعب خلال صنعه، وانا بعمل العصيدة معها جاءت لي فكرة حل مُعضلة مشروعي، وخلال المشروع كله كنت اشعر دايمًا اني ببني وبرسم وبصنع عصيدة ".
نعم، هى مُهندسة وكما تعشق الهندسة فتعشق هندسة العصيدة والطعام السوداني، لتصنعهم سويًا وترسم عالم من البهجة في هندستها المدنية، والعصيدة .
الكاتب
حسناء محمد
الخميس ٢١ يناير ٢٠١٦
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا