عبير تحكي: الطلاق حرية من القهر وابنتي شجعتني
الأكثر مشاهدة
تغمر الابتسامة وجناتها وتستتر بالرقص في مغالبة أوجاعها.. بجسد ممتلئ وبشرة سمراء اقترنت فيها ملامح الطيبة والمرح تنفث "إكسير" السعادة بين المجالسين لها.
أربعينية لا تنفك عن تقديم الخدمات للآخرين طالما استطاعت، يفترض من يراها للوهلة الأولى رغدة عيشتها واستمتاعها بكافة تفاصيل الحياة دونما منغصات. أتابعها دومًا في التجمعات الأسرية تتصرف بتلقائيتها المعهودة، بينما يلمذ ويسخر آخرون منها وقتما تغيب.همسات أسمع فيها أحرف اسمها بوضوح، دعوات بهدايتها، وأن تعود لصوابها.. أتساءل عن السبب، يأتيني الرد "أنها مطلقة"، طب وفيها إيه؟، ترمقني النظرات المستنكرة، والردود الصادمة التي تعيب عليها اتخاذها للقرار.
أعود لتأملي إياها، وتشدني ضحكتها التي تخفي ورائها أشياءًا لا تريد صُحبتها أن تكشفه، "كيف لامرأة قررت أن تضحك وترقص؟ كيف لامرأة في مجتمعنا لا تهاب كلام الناس، وتأخذ قرارت نهانا عنها المجتمع حتى صارت محرمات؟"، فالطلاق حق حرَمه المجتمع، وجميعنا وافقنا ضمنيًا.
لكل من اسمه نصيب.. يتضح هذا في اقتران "عبير" الابتسامة بـ"عبير" الاسم، اختارت اختراق محرمات المجتمع، ليس فقط بالطلاق، ولكن الطلاق بعد الأربعين -وهي أم لبنت وولد- يحتاج لمواجهة شديدة لهجمة أشد ضراوة، كيف تفعلها؟ ولماذا تختار هذا الطريق؟، كلما تساءلت زادت حيرتي، فتدفعني للتقرب منها، أتشجع وأطلب أن أزورها في يوم، لعل تنته حيرتي، تُرحب بي، ولا تتساءل عن السبب.
علاقته تحسنت بي كثيرا بعد انفراجة مادية مؤقتة من خلال مشروعي الخاص، ولكنه سريعا عاد لخيانتي ومعاملتي السيئة بعد انهيار مشروعي واختفاء المال”
ي شقتها -وهي شقة الحياة الزوجية التي استمرت ما يقرب من السبعة عشر عامًا- تستقبلني عبير، الموظفة الحكومية، اتردد عن سؤالها، ولا تتردد هي أن تحكي لي عن العلاقة التي بدأتها مع طليقها منذ ما يقارب ال20 عامًا، والتي تعرفت عليه وهي طالبة، فتقول: "كان اختياري، وتعرفت عليه عن طريق قريب لي، وظل يحاول لفت نظري حتى أحببته، وتقدم لخطبتي، وكانت ظروفه المادية عادية، فساعدته حتى في جمع ثمن الشبكة، حتى أنني كذبت على أهلي في ثمن الشبكة كي لا أحرجه، وبعد انقضاء فترة التحاقه بالجيش سافر عامين للسعودية جمع خلالها مقدم الشقة التي أقطنها الآن مع أولادي، وساعدته في تجهيز الشقة، ولكن بدأت المشاكل بعد كتب الكتاب، أردت أن أتركه أكثر من مرة ولم يحدث بسبب تدخل الأهل وتحايله عليّ، وكلام الناس خوفني، فصديقتي قالت لي: "بعد 6 سنين علاقة ستتركيه؟ طالع داخل عليكم؟ اعقلي كده"، خفت من طريقة حديثها معي، فقلت لنفسي إذا صديقتي تجرحني هكذا، فماذا سيفعل بي البقية، وتستطرد عبير قائلة: "بعد الجواز لم تتحسن الظروف المادية، وجاء أول حمل ولم نكن سددنا الديون، وزادت الأعباء واضطريت أمام سلبية الطرف الآخر، أن أعمل في عمل آخر وأنا في الشهور الأخيرة من حملي الأول، كنت أعود للمنزل أجده لم يفعل شيء وحتى لم يحضر لنفسه الغداء، ينتظرني كي أحضر له الطعام، حتى حملي لم يحرك فيه أي إحساس بالمسئولية تجاهي أو تجاه جنيني النامي، وعندما اشتد التعب عليّ -وهو لا يحرك ساكنًا- بدأت المشاكل تزيد، وتطورت لخناق بدأه هو، فضعيف الحجة صوته عالي، واستمرت الأوضاع حتى بعد ولادة طفلي الثاني، وأصبحتُ حتى لا أقوى على احترامه أمام أولادي، فقد اهتزت صورته أمامي منذ فترة، وكل يوم تزداد تشوشًا، وفجأة تغيرت الأمور بعد أن وجدتُ عمل بمرتب جيد جدًا، وقدمت إجازة بدون مرتب؛ لأن العمل الجديد احتاج كل وقتي، تغير معي في ذلك الوقت وبدأ يتعامل معي بكثير من اللطف، لاحظت أن اهتمامه ذلك بسبب مالي ولكني لم أهتم، فكان المهم في ذلك الوقت المحافظة على بيتي وحياتي معه، من أجل أولادي، ولكني ندمت على هذا القرار، ففرصتي وأولادي كانت ستكون أفضل وأحسن بدونه، فحتى دور الأب فشل في القيام به، فلم أجد منه دور السند أبدًا، وحتى بعد أن تحملت الأعباء المادية وحدي، وأصبح هو نفسه مسئولًا ماديًا مني رغم وظيفته كمدرس، إلا أن ظلت أعباء البيت خارجًا وداخلًا عليّ وحدي، فكنت الزوجة العاملة والأم المسئولة والعاشقة الملهوفة، فحتى بعد خيانته لي أول مرة، والتي اكتشفتها ابنتي، كان اللوم من نصيبي، فقررت أن أتفادى تلك الواقعة وأدخل تغييرًا على حياتنا الشخصية، كنت أسد جميع ثغراتي، ربما كنت أعد نفسي لقراري، فأردت ألا أترك تفصيلة أُلام عليها بعد ذلك، رغم ذلك أراد كسري، فكنت عندما أعود من عملي مرهقة أحيانًا أحضر الطعام معي من الخارج فلا يأكل منه، ويطالبني بعمل غداء منزلي له.
وتستطرد عبير حديثها ضاحكة كأن لا هم ولا غم مروا عليها، ولكن تفضحها دموعها، أو ربما حكايتها تهيئ لي تلك الدموع، فقد تعودنا الطلاق انكسار للمرأة، لكن ليس لعبير، فعند سؤالها عن تركها له بعد أن تحملت كل ذلك، تقول: "بعد أن تركت عملي المُربح، وفشلت في مشروعي الخاص، عُدت لعملي الحكومي، فقل دخلي، ومعه قل لطفه الذي أظهره من قبل وعادت المشاكل من جديد، فذهبت رحلاتي وخروجاتي والملابس الماركات التي أغرقته بها فكنت مديونة في ذلك الوقت ومهددة بالسجن، ولم يحرك ذلك فيه ساكنًا، ولم يستطع حتى مواساتي بحضن، وعاد للخيانة مرة أخرى مع نفس المرأة، وكانت الحياة أصبحت محالة سويًا، فعاد القرار -الذي لم يفارق علاقتنا -بالانفصال، وعادت معه لائحة التحريم المجتمعية، لكن هذه المرة كانت ابنتي من ساندتني وطالبتني بالطلاق منه، ورغم ذلك لم أر منه أي تمسك بنا، بل تمسك بالشقة رغم أني الحاضنة حسب القانون، فهل تصدقي أني تمنيت أن يتمسك بي، فقد صعبت عليّ حياتي وتضحياتي الماضية.
بتنهيدة وزفير تكمل حديثها: وقف الجميع ضدي، عائلتي وأهلي، الكل ضدي ومعه، إلا ابنتي التي دعمتني بالرغم من صغر سنها، وفي لحظة الطلاق وأمام المأذون قالت أمي كلمة لن أنساها -رغم مرور 4 سنوات على الطلاق-: "احنا محترمين والله مفيش حد عندنا غيرها عمل كده" ، كانت تبرر للمأذون الطلاق. موقف أمي أشعرني بمرارة مؤلمة!. تمسك هو بنذالاته لآخر لحظة ورفض دفع أجرة المأذون، أمي وأختى شبه تبرأوا مني، وجدت المساندة من المعارف والأصدقاء، وليس الأهل والعائلة، إلى الآن موقف العائلة غريب ويضايق، فبعد أن تعودوا على القرار، أصبحوا يتعاملوا معي بأسلوب "صعبانيات"، وقدموا النصائح لي من نوعية إن أراد الرجوع إرجعي، كلام معتاد ومكرر دون تفهم للوضع الحقيقي.
وأضافت عبير: مشكلتي مع أمي استمرت لفترة، فرغم أني إنسانة كبيرة وناضجة، واختبرت الحياة واختبرتني، إلا أنها كانت تريد فرض رقابة عليّ، فتريد إرسال أبي ليرى ماذا أفعل، تتصل بي لتسألني أين أنا وماذا أفعل ومن يزورني، تدخلات غير منطقية فأنا أم مسئولة عن أولاد، لا أحتاج لمن يراقبني، فاضطررت لتعنيفهم لمنعهم من التدخل في حياتي مهما فعلت أو قررت، أمي الآن اعترفت أني كنت على حق، ولكن بعد حدوث شرخ في علاقتنا.
ازدت تعلقًا بحكايتها كلما استطردت بها،انتظرت وتوقعت جزء من حكايتها عن الرجال الآخرين وكيف يرونها، لكنها فاجآتني بمواقف أخرى من نساء مقربات منها، فتقول: "موقف أعز صديقة لي فاجآني ،ليس الموقف بحد ذاته ولكن أن يكون شخص يعرفك جيدًا ويفكر بك بهذه الطريقة، فعندما استفسرت من زوجها على شيء ما تليفونيًا، تضايقت وطلبت مني ألا اتعداها، وأن عليّ الاتصال بها لسؤالها لتسأله، وأختي التي لم تساندني من البداية، لكني فوجئت بها ذات مرة، تتهمني أنني أحسدها هى وزوجها على حياتهم، ذلك خوفني من الدخول في مجتمع الزوجات والأزواج، فقررت الابتعاد عن هذه الدائرة حتى لا تأتيني المشاكل منها، ولو دخلتها اضطرار لا أوجه كلام لأي زوج حتى لا يطالني الكلام، فقد فهمت نظرتهم وتفكيرهم.
"تلقيت عروض زواج عرفي من رجال-توقعتهم رجال-متخيلين أنهم يخدمونني بعرضهم!"
حتى معارفي من الرجال الذين طالما تعاملوا معي باحترام تغيرت مواقف البعض منهم، فالنظرة للمطلقة على أنها منبوذة، وقد تكون مطمع، ولديها نقص مشاعر وجنس، وأنا ست فرفوشة ومنفتحة أحب الهزار والضحك، النكد مبيحلش مشاكل، فتأتي عروض بعلاقة بجواز عرفي، ويرون أنهم يسدون خدمة إلي بالطبع".
"الزواج ليس أمان البنت كما يقولون، أمانها الحقيقي استقلالها المادي، حتى لا تحتاج أحد، لم يكن لي يومًا في حياتي رجلًا اعتمدت عليه، ليس الأب أو الأخ أو الزوج، الرجال المصريون لهم طبع واحد لا يتفهمون الحنان وليس عندهم عطاء، فبعد سنة أو أقل من الزواج يكون قد تعود عليها، ومفهومهم عن العطاء هو العلاقة الجنسية وفقط، مما يزيد من المشكلات بين الأزواج، وذلك يخيفني من الزواج مرة أخرى، وعدت ابنتي لو تزوجت ولم يحترمها زوجها “سأضربه بالجزمة”!، “اكتفيت الله يخربيتهم"
وبهذه الكلمات أنهت عبير حديثها عن تجربتها المرهقة عاطفيا ومجتمعيا لمجرد قراارها الطلاق من “ضل الحيطة”!
الكاتب
نيرة حشمت
الخميس ٢١ يناير ٢٠١٦
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا