في ذكرى الثورة..”فيرجينيا وولف وسالي زهران”رواية تنبأت بموت صاحبتها
الأكثر مشاهدة
الأمواج تتلاطم على الشاطئ -أمواج- فيرجينيا وولف.
تقرأ الكلمات الأخيرة من الرواية بصوتٍ مرتفع بعض الشىء مرددة «الأمواج تتلاطم على الشاطىء» تغلقها..تضعها جانبًا، وتنظر من شرفة "بلكونة" غرفتها الجالسة بها، تفتح صفحتها الشخصية على الفيسبوك وتكتب «ذكرى فيرجينيا وولف أم ذكرى ثورة؟» .
تنظر صاحبة العيون الفرعونية حولها متفحصة شرفتها جيدًا، تبتسم، وتسرح بعيناها بعيدا، "ياااه أنا قاعدة في البلكونة اللي قالوا إني انتحرت منها".
أعين الآخرين سجوننا، وأفكارهم زنازيننا.
31يناير 2011، جريدة الشروق تعرض تقرير كاف عن «الورد اللي اتفتح في جناين مصر»
تغادر الفتاة شرفتها وتعود مرة آخرى لغرفتها، تبحث عن الجريدة، نعم؛ "هي" تتذكر التقرير جيدًا ..تجدها، تجلس جانب سريرها.. تبدأ في قراءة تقرير كتبته الشروق عنها «غالبًا ... تبدأ حكاية أي إنسان منذ ولادته و تنتهي عند وفاته، حكاية سالي زهران بدأت منذ موتها، وتستمر الحكاية، لكن من خلال شخوص مختلفة..».
سالي لم تستشهد على يد البلطجية ولم تكن في التحرير من الأساس، وكما تقول والدتها "أنا لما سمعت تضارب الأقوال حول وفاة سالي تدخلت على الفور".
تروي الأم القصة الحقيقية لوفاة سالي "سالي طالبة بكلية الآداب قسم اللغة الإنجليزية جامعه سوهاج كانت تذهب إلى القاهرة للعمل كمترجمة بإحدى المجلات، وكانت تقطن في أحد الشوارع الجانبية القريبة من ميدان التحرير، ولكنها عادت إلى سوهاج يوم 23 للمشاركة في مظاهرات 25 يناير، وبالفعل شاركت فيها في سوهاج وجاء يوم الجمعة 28 يناير ونزلت سالي بعد أن توسلت ليّا بأنها تريد أن تشارك مع أصدقائها وتريد أن تخدم مصر بأي طريقة؛ حيث أنها كانت نشيطة جدًا في الأعمال الخيرية وبالفعل تركتها تنزل".
تصمت.. الدموع تملأ عينيها.. تأخذ نفسًا طويلًا بمذاق "التنهيدة"، وتعود لحديثها "في عصر يوم الجمعة عادت سالي وكان الألم باديًا عليها بشدة، وجهها أصفر وملابسها مبتلة، سألتها –إيه اللي حصل؟ أجابتني، بأن قوات الأمن حاولوا تفريقهم برش المياه عليهم؛ مما أعادها للمنزل كي تبدل ملابسها وتعود مرة آخرى وأثناء تغييرها لملابسها أغلقت باب الشقة بالمفتاح – كنت خايفة عليها". خرجت سالي وظلت تصرخ؛ "افتحي لي الباب أريد أن أشارك لكي تحيا مصر ولأني رفضت، بدأت تهددني إن لم أفتح لها سوف تقفز من البلكونه لتذهب وتشارك.. بالفعل اقتحمت البلكونة وركبت السور، وظلت تصرخ افتحي الباب إلى أن اختل توازنها ووقعت من البلكونة بالدور التاسع، وفقدت الحياة على الفور".
عيناها تدمع "آااه يا ماما" تعود للقراءة مرة آخرى، جمعة الغضب، يناير 2011... يدقّ جرس الهاتف بعد صلاة المغرب بقليل ويأتيني صوت رحاب متهدجًا، "هي سالي مجدي ماتت؟" ..." بيقولوا انتحرت" ... "بس يا بنتي بلاش تخريف، سالي مين اللي تنتحر".
أغلق الهاتف ومعه فكرة موت سالي من الأساس. و أتابع شاشات التليفزيون في إصرار مني لتجاهل ذلك الخبر، و استيعاب ما يجري في القاهرة والإسكندرية والسويس ، والتحايل على قلقي على من أحب ولا توجد أي وسيلة اتصال بهم. ولكن خبر وفاتها بدا منطقيًا وسط كل ما يحدث، و تأكد لي بالفعل أنها سقطت من شرفة منزلها... " .
حتى انتي يا مي.. يا صاحبتي صدقتي انتحاري، تعود بنظرها للجريدة، "على الطرف الأخر في مدينة الضوضاء، كان الرفاق المتمردون منتظرين وصول رفيقتهم لأرض الميدان، لكن الرفيقة لم تتمرد معهم هذه المرة، ومع تكرار السؤال عنها جاءهم الرد من مصدر متوتر وقلق أن الراحلة توفيت وهي في الطريق إليهم - ماتت إزاي؟ - كانت جايلكم بس اعتدى عليها بلطجية الحزب الوطني وجالها نزيف في المخ وماتت في بيتها...
وباندفاع الثوار وشجاعة المتمردين أخرجوا أحدث صورة لها وقاموا بتأبينها مع وعد بأنهم لن يتركوا دمائها تذهب هدرا" .
مشاهد متقطّعة، متصلة جدًا.
كانت فيرجينيا رافضة للكثير من الممارسات القاسية بحق المرآة في عصرها وناقمة على النظرة الدونية لمجتمعها تجاه النساء ومشاركتهن الفاعلة في الحياة الاجتماعية، وكانت سالي زهران ناقمة على مجتمعها الصعيدي المنغلق ونظرته للمرأة، تحاول مجابهته بشتى الطرق لكنها تعود لنقطة الصفر مرة آخرى.
سطرت فيرجينيا حياتها بيدها، كما سطرت "وصفة" موتها، وسجلت سالي وفاتها بالتاريخ، كما سطرت أولى أسطر ثورة كانت حلم لورد اتفتح في الجناين.
ولدت الأديبة الإنجليزية إديلين فرجينيا وولف في 25 يناير 1882، توفت سالي زهران في 28 يناير 2011.
لا يمكن العثور على السلام عن طريق تفادي الحياة.
وقد عمدت وولف لتسمية روايتها بـ"الأمواج"، ربما لحركة الأمواج المتتالية والمتغيرة والمتبدلة، وما ترمز له لصيرورة الحياة.
الكاتب
حسناء محمد
الثلاثاء ٢٦ يناير ٢٠١٦
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا