اّية تحكي عن بطانة الرحم والعيب الذي يخفيها !
الأكثر مشاهدة
كان يوم عيد ميلادها، بعد أن تخطت الحادية عشر، وبخطوات هادئة تخطو نحو مرحلة المراهقة، مبتسمة وسعيدة، يأتيها يقين أن اليوم يحمل مفاجأة لها في الطريق، تصلها في هيئة نقطة أو نقطتين من سائل قانِ، تعلم أنها "الدورة" الشهرية، وها قد أتت كما أخبرتها والدتها من قبل، لم تجزع اّية، بل ضحكت كما تتذكر، على صدفة القدر.
كان توقيت الدورة أول مرة مظبوطًا، في سابقة لن تتكرر مرة أخرى طوال عامها الأول من حلولها ضيفة شهرية على حياة اّية، فستأتيها بإنقطاع طوال العام الأول، لكن الوضع لم يستمر فقد أصبح الألم شديد، ونزيف حاد، واستمر الألم حتى بعد انتهاء الدورة الشهرية، دواء القولون لم ينفع، فلم يكن ما بها قولون عصبيًا مضطربًا، ولم يكن هناك تفسيرًا آخر، وسؤال الطبيبة النسائية لم يكن إجابته سوى بأنها هورمونات.
شبح اجتماعي، هكذا صارت وجهًا يتذكره البعض، ويسقط من ذاكرة البعض الآخر، اسمًا مقرونًا بفتاة تشوشت ملامحها بالنسبة لهم، بعد أن اضطرها النزيف الشديد للتغييب الدائم، والتواجد في المنزل أكثر وقت ممكن، خوفًا من الإغماء، أو زيادة النزيف، وتبقت صديقة لها تسأل بانتظام عنها، لم يكن ممكنًا أن يستمر الوضع كذلك، فالألم لم يعد محصورًا بفترة "الدورة" لكنه تعداها.
استجمعت اّية شجعاتها، وقررت الذهاب لعمل "سونار" ومعرفة أسباب آلامها، فجاءتها الإجابة غامضة "بطانة الرحم المهاجرة"، ما هذا؟ لم تدرك اّية معناها، لكنها خلال رحلة علاج قادمة، وبحث دائم بثلاث لغات عنها، ستعرف أن أنسجة الرحم الداخلية تكونت خارج الرحم في أماكن من المفترض الا تتكون داخلها، كالحوض والمبيضين، وغيرهما، فتسبب ذلك في نزول دماء الحيض ليس من الرحم فقط، ولكن من الأماكن الأخرى التى تواجدت الأنسجة بها، فيكون الألم مضاعفًا.
بدأت اّية رحلة علاج لم تنتهي، فأولًا لجأت إلى عملية "كي الأكياس وشفطها"، التي كونتها البطانة المهاجرة، لكنها عادت مرة أخري، تضاربت مشاعرها، وتخبطت بين بكاء وأسئلة تدور في داخلها، وتقبل للواقع، وربح التوقع، بعد أن أيقنت أنها في صحبة طويلة مع البطانة المهاجرة، فقررت " مصاحبة المرض خاصة أننا سنعيش سويًا عمر بحاله، وكل ما أتمناه أن أكون أمًا في يوم من الأيام وألا تحرمني البطانة من هذه الأمنية".
لم تجعلها تجربة المرض تخشي جسدها ، ولم تخجل منه بالطبع، فلسفتها بسيطة الإنسان قد لا يرضى عن جسده، فيحاول تغييره لما يرضاه، لكنها لا تفهم كيف يخجل الإنسان من جسده، وذلك ما دفعها للإعلان عن حالتها، لعلها تساعد فتاة أخرى تعاني آلامها وحيرتها، ولا تعرف شيئًا عن البطانة المهاجرة، كحالتها منذ سنوات.
"ده موضوع حساس وعيب تتكلمي عنه" كل ما يخص الرحم ممنوع الكلام عنه، قد يكون الشكوى منه لدى البعض محرمة، فكيف لفتاة تقارب العشرين وقتها، أن تعلن أنها تعاني من مشكلة في الرحم، وتواجه الجميع، ليس دائرتها المقربة فقط، بل دائرة أكبر وأشمل، فأسست مبادرة لتوعية البنات بـ "بطانة الرحم المهاجرة، وأعلنت عنها على موقع التواصل الإجتماعي "فيسبوك"، تباينت مواقف الجميع من حملتها التوعوية، فمنهم من ساندها، من عارضها، ومن خوفها بأنها بذلك تعلن عن ضعفها أمام الجميع، ومنهم من اتهمها بأنها تريد تسليط الأضواء عليها، لكن اّية صامدة..عنيدة..قوية، أكملت خطواتها، ولم تتزعزع.
تخرجت اّية وعُينت كمعيدة، لكنها في إجازة لمدة عام، تعمل مُدرسة في الهند، وكان للسفر فائدة عليها، فقد تحسن الوضع الآن، واكتشفت أن الأكل والحالة النفسية من أكبر المؤثرات النفسية في المرض، فأصبح الألم الآن محتمل، ونادرًا ما تلجأ لمسكنات، والنزيف قل، "كل ما أتمناه أن يستمر هذا الوضع أو يتحسن، والا يسوء، عندي أمل في ربنا".
الكاتب
نيرة حشمت
الثلاثاء ٠٢ فبراير ٢٠١٦
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا