غادة تحكي: ابن جارتي الصغير حلق شعره تضامنا معي وقت العلاج الكيميائي
الأكثر مشاهدة
أمام الكعبة أرفع يدي بالدعاء وتغمرني عبراتي، أشكر الله على درسٍ بدأه معي منذ عشر سنوات، ففي نفس اليوم الذي أزور فيه بيته المقدس، هو نفس اليوم الذي عاتبته فيه منذ عشر سنوات، وسألته لماذا أعطاني ثلاث أبناء إذا كان سيأخدني منهم؟
منذ عشر سنوات عرفت بإصابتي بسرطان الثدي، رغم تشخيص الطبيب أولًا لي على أنه غدة لبنية، لكن بعد دخول غرفة العمليات اكتشف الطبيب أن الورم سرطاني، وخرج لأهلي يخبرهم أنه يجب الإسراع بنقلي لاجراء عملية استئصال للثدي، لم أجد وقتًا أستوعب فيها الصدمة، فخلايا الورم أصبحت منتشرة بعد أن فتحه الطبيب، وحياتي أصبحت في خطرٍ، أو على الأقل أصبحت مهددة باستئصال أعضاء أخري من جسدي، كما سيجعلني الدكتور أمضي على أوراق توافق على استئصال كل ما سيشكل تهديدًا علي حياتي وأنا تحت رحمة مشرطه، وبالطبع لم يكن أمامي حل آخر، استسلمت لقدري.
امرأة في منتصف الثلاثينات وأم لثلاث أطفال في العاشرة والثلاثة وآخرهم سنة نصف، مازالت تحتاج للرضاعة، عاتبت الله وسألته لماذا أعطاني اياهم وسيأخذني منهم؟ كل ادراكي كان أطفالي، فبعد العملية بدأت مرحلة علاج كيميائي من القوة بحيث أخبرني طبيبي، بأن 20%فقط ممن يخضعون له يتحملونه، فالبعض لا يكمله والبعض الآخر يموت منه، كنت أعود من كل جلسة وأقول لهم افتحوا لي مقبرتي وهي حجرتي حتى لا يراني أطفالي هكذا، ولجأت في بعض الأحيان لأدوات التجميل، حتى لا يجزع أطفالي.
رغم ذلك تحاملت، فبعد ما رأيته من تألم والدي وهو يخبرني "قولي أنا أقوي لأن أنا عايش بيكي وطول ما أنتي وافقة أنا واقف"، وزوجي الذي انهار خوفًا عليا، ويخبرني "لا يهمنى أي شيء ما يهمنى هو أن تظلي في دنيتنا"، وابني "نور" ذو العشر سنوات الذي كان أكثر من دعمني، فكان لا يبكي أمامي مطلقًا واستغربت قسوته، لكن في زيارة لمدرسته علمت أنه يبكي في المدرسة وفي أوقات الصلاة يطلب من المدرسين الدعاء لي، استغربت موقفه جدا وسألته، فأخبرني أن يجب ألا يضايقني أي شيء، لذا لم يرد إظهار ضعفه أمامي حتى لا تزيد حالتي سوءًا، لم يتوقف عند ذلك بل كان يراعي شقيقتيه الصغيرتين.
لم يكن الدعم من عائلتي فقط، فصديقاتي وجاراتي نعمة لا تعوض، فابن جارتي الصغير حلق شعره نهائيًا، وصمم على الا يكون له شعر حتى يكون لدي، وهناك من راعت أطفالي فتابعتهم في دراستهم، كما تابعت "مديرة المنزل"، ولما تساقط شعري الذي كان من طوله يُطلِقن عليّ صديقاتي "شريهان"، حزنت كثيرًا فهونت عليا صديقة وأخبرتني أنني أتوهم ذلك لطول شعري، وقامت بقصه لي، لم أكن اعرف أنه بعد فترة لن يتبقي أي شعر على جسمي.
مرت مرحلة العلاج واستمرت الحياة بأحلى ما فيها، فالدعم الذي وجدته في فترة العلاج جعلني أدرك نعمًا كثيرة حولي، وأدركت أن الله أمتحنني بالامتحان الذي أستطيع تحمله، فـالله يعلم أن غادة لن تتحمل شيئًا في أولادها، فامتحنها في جسدها، وهو يعلم أنها ستتحمل.
مرت ثلاث عشر سنوات، تعلمت من تجربتي أن الإنسان يكون انسان بتقديم المساعدة والدعم لغيره، وهذا ما علمته لأولادي، والمرأة لن تنقص شيئًا ابدًا لو استئصلت قطعة من جسدها، لكن ما ينتقص منها الا تكون قادرة على العطاء".
الكاتب
نيرة حشمت
السبت ٠٦ فبراير ٢٠١٦
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا