”إيمان” لها من اسمها نصيب
الأكثر مشاهدة
مؤمنة بأن الأرزاق قُسمت حيث شاء المولى ، و أن لرزقها عليها حق ، سيجيء إليها و إن ركضت خلفه عُمراً سيجيء متى قدر الله ، بِقَدر ما قدّر الله
في البداية ضفاف النيل تحتضن مراكب مصطفة بجانب بعضها البعض و لكل مركب حكاية ، و لكن في تلك المركب تحديداً تعيش "إيمان". السيدة الجميلة الثلاثينية من العمر ،تخطفك بإبتسامتها المشرقة المفعمة بالحب و الأمل و الحنان و طفلتان احداهما في السادسة من عمرها و الأخرى في العاشرة من عمرها ، يعمل زوجها صياداً ، من ضفة النيل إلى المركب "منزل إيمان" لوح متوسط السمك من الخشب تسير عليه بحذر يكشف أنك زائر ، فسكان المركب يعبرونه بمنتهى المرونة و السهولة يموج اللوح بك لكنه يثبت تحت أقدامهم
تستقبلك إيمان بإبتسامتها الجميلة ترحب بك في منزلها المُرتب بشكل مُنظم جداً ، تُصر على ضيافتك ، لا يمكن أن تدخل منزل إيمان و تخرج دون أن تُضايفك كوبًا من الشاي لا تنسى حلاوته الممزوجة بحلاوة حكاية إيمان و أخلاق بناتها الرفيعة جداً حيث أصرت إحداهما أثناء تصويري للمكان أن تحتفظ لي بشنطتي حتى أنتهي من عملي لتبقى في أمان معها لم اتردد ولو لثانية في ترك الشنطة ، إيمان ترى أن بناتها هن أملها في الحياة لاشيء يضاهي تفوقهن في الدراسة و الحصول على حياة كريمة لهن من خلال تعليمهن و تهذيب أخلاقهن
المركب الذي تقطن إيمان مهيأ من "كافة شيء" لا شيء ينقصها سوى ثبات المنزل فبالرغم من رضا إيمان و قبولها إلا أ، النيل أحياناً يرفضها و يهدد بقائها ، تقول إيمان أ، فصل الشتاء هو أصعب الأيام التي أقضيها ، ففي معظم الليلات أخشى أن أنام فتهب عاصفة و تُغرق المركب و نحن يام أو أن يستيقظ أحد أطفالي ليلا و يحدث له أي مكروه ، " المَيّة مش أمان" ، مخاوف إيمان أ، تستيقظ ذات عاصفة لتجد نفسها تُصارع الموج و تبحث عن أطفالها و تصرخ فلا تُسمع ، كابوس يراودها كثيراً
لكنها ما ان تستيقظ في الثالثة فجراص حتى تطرد تلك الهواجس لتستقبل الدنيا بذراعين مفتوحتين لاحتضان العالم ، توقظ زوجها و تُعد الشباك لبدء رحلة الصيد التي تنتهي من السادسة الى السابعة صباحاً ، تعود المركب الى الشاطيء يجهز زوجها الأسماك لبيعها و تُجهز هي بناتها للذهاب إلى المدارس ، و كأي ربة منزل أثناء غياب الجميع تقوم بتنظيف المركب و ترتيبه و تحضير طعام الغداء إلى أن يعود الجميع مرة أخرى ليكون كل شيء جاهز
بالرغم من أن إيمان تقابلها بنايات ذات شرفات تنظر إليها بعنجهية من علو ، إلى أنها يوماً ما تمنت أن تنتقل من قلب النيل لتحتسي كوباً من شايها الجميل في شرفة مطلة عليه ، إيمان ليست ملاك ، فهي ككل البشر تطلب سقفًا آمناً و نومةهادئة لا تستيقظ فيه بين الموج تصارعه لكن ما يجعل إيمان إمرأة تُروى حكايتها هو كل ذلك النصيب من إسمها ، فمن سماها إيمان أصاب رميته
إيمان يُمكن أن تجعلك تُغادر مركبها _منزلها _ و أنت مؤمن أن الله الرزاق لم يجعل السعادة في رقم يوضع بجانب حسابك البنكي و لا السعادة أن تقود سيارة ذات موديل حديث ولا حتى قديم ، السعادة أبداً ما كانت بإحصاء ما نملك ، السعادة هي أن تحصي ما لا تملك و تبتسم إبتسامة رضا و تستقبل الدنيا حراً لست خائف من خسارة شيء ، إيمان مؤمنة أن زوجها و بناتها نعمة قد لا تُرزق بها سيدة جميلة في ذات عُمرها ترتدي حذاءا باهظ الثمن و تمتلك شرفة " الفيو " يساوي الملايين ، ترى إيمان أن الله حرمها أمور مادية كثيرة لكنه لم يحرمها الرضا بل أعطاها من الرضا ما يمكن أن يسد جوعها إذا لم تأتي الأسماك الى شباكها و رفعتها شبه فارغة سوى من بعض سمكات .
تُغادر مركب إيمان سالكاً ذات اللوح الخشبي فتجده ثابت تحت قدميك ، في الواقع جرعة الإيمان التي تمنحك إياها إيمان تخفف عن روحك مع يُثقلها فتعبر اللوح الخشبي بخفة .
الكاتب
نورهان سمير
الأحد ٢٨ فبراير ٢٠١٦
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا