فتحية العسال و ...المستحيل
الأكثر مشاهدة
في العاشرة من عمرها قرر أبوها نيابة عنها أن لا تعليم بعد اليوم ، لن تذهب فتحية إلى حلمها من جديد لن تتعلم القراءة و الكتابة ، ستقبع فتحية في المنزل كأي فتاة تقوم بالأعمال المنزلية منعزلة عن العالم ، خلف النافذة ، كأي فتاة ستُختن لتحافظ على عفتها حتى يأتيها " العدل " ، أبوها يقرر كيف ستعيش فتحية أيامها ووضعها أبوها تحت رقابة أخيها "حسني" الذي قص لها شعر خصلات شعرها ذات يوم لأنها وقفت لتنظر من النافذة التي يجب أن تقبع خلفها ، فالفتيات في " البيوت المحترمة " آنذاك عليهن الخضوع لأوامر الأب الذي يقود المنزل بوقار و هيبة و "رعب " ، و لكن تلك الهيبة و الوقار ما لبث أن سقط و تحطم داخل فتحية الصغيرة التي رأت أبيها العظيم يخون أمها الحنون الخاضعة لأوامر الأب
هنا تقف هي و المستحيل وجهًا لوجه ، لقاء حاسم إما أن تعبر فتحية المستحيل أو يدهسها ، لكنها قررت أن تفلت من شباكه و تركض فارَّةً منه بعيدًا ، إلى الحرية حيث اللامستحيل
""لم أنل أي شهادة أكاديمية ولا حتى شهادة ابتدائية، ولم يساهم أحد في تعليمي، إنما كل ذلك كان نتيجة ردة فعل على وضعي، أخرجني والدي من المدرسة وأنا بعمر عشر سنين لأنه خاف عليّ باعتباري بنت (مفتحة حبتين)، فقررت أن أعوض كل شيء حرمت منه، وبدأت أعلم نفسي، وأول شيء فعلته محاولة كتابة اسمي، فيما بعد رأى أبي إصراري وعنادي على العلم فبدأ يساعدني في بعض الكتب الدراسية، عند اتقاني القراءة والكتابة، أصبح والدي يعطيني الصحيفة لأقرأ له اخبار (هتلر) كون نظارته مكسورة"
في فترة المراهقة التقت فتحية العسال الكاتب عبد الله الطوخي و تزوجته ، و عام 1953 اعتقل عبد الله الطوخي لكونه منتميًا للحزب الشيوعي ، و تذكر الكاتبة في سيرتها الذاتية الصادرة عن الهيئة العامة للكتاب باسم " حضن العمر " تأثيراتها النفسي ذلك الوقت و كيف واجهت العالم بمفردها لأول مرة فترة اعتقال عبد الله الطوخي ، وكانت تلك الفترة هي بداية انخراط الكاتبة في النضال الجماهيري فأصبحت مسؤولة عن " لجنة العائلات " و التي تختص بأخبار ذويهم المعتقلين ، و من بعدها انخرطت في العمل الحزبي السري ، وقتها ساهمت سعاد زهير في تثقيفها سياسيًا ، شاركت فتحية العسال وقتها في المظاهرات التي تنادي بإلغاء الأ؛كام العرفية ، و حينها توجهت إلى الرئيس محمد نجيب الرئيس آنذاك لتطالب بتعميم المعاملة فألقي بها في تخشيبة المطرية أربعة عشر يومًا مع طفلها الرضيع إيهاب
وبرغم اعتقال عبد الله الطوخي لم تتمكن فتحية العسال من رؤيته وتبادل الرسائل معه إلا عبر "المعلمة جمالات كنكن" التي كان زوجها المعلم "كنكن" مسجونا على ذمة قضية مخدرات ، ساعدت المعلمة جمالات العسال خارج السجن وساعد المعلم "كنكن" الطوخي داخل السجن عبر تسهيل تبادل الرسائل
1982 انفصلت فتحية العسال عن زوجها و ،كانت قد كتتب العديد من المسرحيات و المسلسلات التي نادت من خلالها بالحرية و ناقشت من خلالها التجارب التي تعرضت لها منذ صغرها حيث مورس عليها ابشع الأفعال تحت مسمى العادات و التقاليد ، فقد ناقشت قضية " الشرف " في تلك الفترة و التي كانت ترتبط وقتها ب " تبييض الشاش " و ذكرت قصة صديقتها أنسية التي لم تتزوج ممن تحب و يوم الزفاف كان شرفها " شرف الكتكوت " أي دم الكتكوت و هي تحالو أن تثبت أن تثبت أن الشرف بالنسبة لهم كان شكل بلا مضمون ، و قد حاولت أن تستفيد من مخزون تجاربها ذلك في مسرحياتها فيما بعد
و تقول فتحية العسال في " حضن العمر " انها أخيرًا أدركت سبب انفاصلها من عبد الله الطوخي
"كنت دائماً أعلن أن سبب الطلاق هو خلافنا على معاهدة كامب ديفيد. لكن عندما تأملت التجربة وجدت أنني كنت ارفض سيطرة عبد الله علي كامرأة، خرجت من عباءة وصايته علي وامتلاكه لي بطلب الطلاق"
بعد خروجه من السجن وبعد مرور عدة سنوات على انخراطي في العمل النضالي كان يسألني "فين فتحية بتاعة زمان؟"، لم يعترف أنني مستقلة. كيف يمكنني أن أمارس الحرية مع رجل غير متحرر من شبح الملكية والموروث
ولكن ما حدث بعد ذلك كما تقول هي، كان أشبه بفيلم سينمائي مصري, إذ التقيا بعد 3 سنين بالصدفة, وخلال ساعتين من الحديث اكتشفا أن الحب لا يزال يجمع بينهما, وتزوجا مرة ثانية في نفس المساء!!
قالت في سيرتها: "اللحظة الأجمل في حياة الإنسان هي التي يقفُ فيها أمام حقيقته عاريًا، فيقبلها ويحبُ ما يشعر"
كتبت فتحية العسال 57 مسلسل تليفزيوني منها ، رمانة الميزان ، حيال من حرير ، بدر البدور ، هي و المستحيل ، حتى لا يختنق الحب ، حبنا الكبير ، سجن النساء ، لحظة اختيار ، كما كتبت عشر مسرحيات ، منها المرجيحة ، الباسبور ،البين بين ، نساء بلا أقنعة ، سجن النساء و ليلة الحننة و مسرحية من غير كلام
توفيت فتحية العسال 26-12-2014 ، 81 عام قضتهم فتحس العسال في مواجهة المستحيل ، حتى أنها واجهت المستحيل للمرة الأخيرة وقت أن قررت مواجهة خوفها من تدوين تجاربها الشخصية ، و كتبت حضن العمر ، لتكون سيرتها الذاتية بتجاربها و أبعادها النفسية وقتذاك
الكاتب
نورهان سمير
الأربعاء ١٦ مارس ٢٠١٦
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا