هنَّ الــحـــكــــايــة .. هنَّ الإجـــــــابة
الأكثر مشاهدة
هن الحكاية ، فهي ليست قصة سيدة واحدة ، بل هي قصة آلاف السيدات اللاتي يقمن بأدوار مزدوجة في المنزل ، الأم التي تحنو و تضم و تداوي و تسهر و تعطي بسخاء ، و دور الأب الذي يعيل الأسرة و يعطيها ما يقيمها ماديًا ، الأب الذي يعطي الأمان و الإطمئنان لتلك الأسرة
مهما بلغ صغر الأسرة لا يغنى فرد من أفرادها عن دور الأم و الأب ، فإن غاب الأب ماذا قد يحدث للأسرة؟؟
وقفت أمام عنوان في إحدى المواقع " غياب الآباء .. الطريق الأول لضياع الأبناء " ، السؤال الذي يفرض نفسه هنا .. أحقًا تستقيم الأسر بوجود الآباء و دون الآباء يضيع الأبناء و تتشتت الأسر و تضيع ؟
يحكي الواقع قصصًا تنفي ما تردده تلك العناوين .. قصصًا تهدم صنم الأب الذي يقيم الأسرة و دونه يهوى الجميع إلى القاع
ذلك " العفريت " الذي يجعل أسرًا مفتتة داخليًا خشية الانفصال و غياب الأب حفاظًا على بقاء الأسرة ..
قد يغيب الأب عن الأسرة لعدة أسباب إما الوفاة أو الانفصال عن الأم أو الجحود و الهروب من المسؤولية
هنا تظهر الحقيقة الأب الذي غاب قد شغلت منصبه امرأة " الأم " .. التي تقف حينها لتمارس دورًا إضافيًا كونها الأم لتكون الأم و الأب للأسرة .. فهل يضيع الأبناء لغياب الآباء .. إن كانت الإجابة نظرية قد يرتاب القاريء .. لكن ماذا لو كان الواقع بحكاياته هو من يجيب
هن الحكاية و هن الإجابة...
هي السيدة إيمان .. الأم التي تركها رب أسرتها تواجه وحيدة .. بعد قصة حب استمرت 5 سنوات
إيمان التي تروي قصتها عنها ابنتها سمر البالغة من العمر 23 عامًا
أمي تزوجت من والدي الذي تربطه بها صلة قرابة فهو ابن خالتها , كان كل شيء جميلًا و فجاة تغيرت الأحوال تغير والدي كثيرًا و أصبح شخصًا آخر . كانت تعمل أمي مدرسة، وقتها تم تجنيد والدي في الجيش و في فترات الإجازات كان والدي يأخذ من أمي راتبها كاملًا و يعود .. في البداية كانت تخشى أمي الانفصال ليس خوفًا من والدي ، إنما خوفًا عليّ و على أختي مدة 7 سنوات و أمي تقف على قدميها تتحمل المهانة و الذل و التطاولات من والدي لتحمينا .. و يومًا قررت أنها ستواجه وحدها دونه
ستنفصل عنه لأنه أصبح يشكل خطرًا علينا نحن أيضًا ..لكنه رفض بالطبع تطليقها استكمالًا لمسلسل الذل و الإهانة التي عاشته أمي و تجرعت مرارته لأجلنا , حين رفض والدي الطلاق قررت أمي رفع قضية خلع و التنازل عن كل شي، تركت كل شيء عادانا , فكل ما فعلته كان لأجل الحفاظ علينا
و بالفعل انتقلنا للعيش مع أمي التي كانت تعمل و تعيلنا بشكل كامل , و لكن والدي لم يستطع أن يتحمل عدم احتياج أمي له فبعد أربع سنوات غياب عاد ليرفع قضية " ضم " و أجبرني و أختي على العيش معه مدة
لم يكن والدي يرغب في ضمي و أختي حبًا لنا ،ولكنه كان يفتش عن وسيلة ضغط تعيد أمي مذلولة إليه و لأننا كنا نقيم مع عائلة أمي البسيطة استطاع أن يثبت أن ليس ثمة مسكن للأم و ينجح في ضمنا
تزوج والدي و عشنا أيامًا عصيبة في منزل أبي و زوجته ، التي كانت تكرهنا وتمقت وجودنا في شقتها. عشت مع والدي أسوأ خمس سنين في عمري حتى أصبت بمرض مزمن في القلب حينها لم تستطع أمي أن تتحمل أكثر من ذلك ، استطاعت حينها توفير مسكن و عادت تطالب بحضانتي و أختي كنت وقتذاك في الثالثة عشرة من عمري فاستطعت أن أختار الإقامة معها ، ومنذها و أمي ترعاني ، عملت على علاجي فترات طويلة رغم ضيق حالها إلا أنها كانت توفر كل قرش لعلاجي و تعليمي أنا و اخت يو هي الآن و انا في لاثالثة والعشرين من العمر تعمل وحدها على تجهيزي ، أمي دون وجود أبي استطاعت أن توفر لي كل شيء مادي و معنوي ، لا أذكر يومًا أني طلبت شيئًا ولم تعمل أمي جاهدة على توفيره ، لا أذكر أني يومًا نمت مهمومة كتلك الأيام التي قضيتها في منزل والدي ، عملت أمي طوال تلك الفترة على إعادة تأهيلي نفسيًا و القضاء تمامًا على كل تلك الذكريات السيئة ، أمي جعلت مني فتاة ناجحة مستوية لم ينقصني غياب والدي شيئًا فهي كل شيء ، أمي حضنها دائمًا مفتوح لي و لأختي " انا بحبها جدا ولو أطول اجبلها الدنيا كلها تحت رجليها مش هتأخر"
أما هي " علا " السيدة في الخامسة والثلاثين من عمرها أم عزباء لولد و بنت توأم في الثامنة من العمر
عاشت علا باسم " الزوجية " حياة جحيمية فالأب "عمود الأسرة" مارس عليها أبشع صور العنف الأسري فقررت علا أن تطلب الطلاق ، فاستمر في إهانتها، رفض تطليقها بل و تزوج عليها إمرأة أخرى معتقدًا أن " الست تربيها ست " أراد أن يقهرها فما قُهرت ، رفض أهلها مساعدتها في الطلاق منه خوفًا من " كلام الناس " و لكي لا تكون ابنتهم مطلقة ، فلم يكن هناك سبيل لـ"علا" سوى أن تقف امام زوجها لتواجهه وحدها ، فحملت أطفالها الصغار و هربت بهم بعيدَا عن عائلتها و عن زوجها ،و لكن زوجها استطاع أن يستدل على مكانها و ضربها على مرأى من الجميع بحجة أنها امرأته الهاربة منه ، هنا كان باستطاعة علا أن ترفع قضية خلع و الخلاص من زوجها ، و الخلاص بأطفالها و هي الآن تعمل بائعة في إحدى محلات الملابس الجاهزة و ترعى أولادها و مصاريفهم دون الحاجة إلى أب
هالة أم لخمسة من الأبناء ، ثلاث أولاد و بنتين ، هالة أنجبت أطفالها في مدة قصيرة لم يكن هناك فارق في الأعمار بينهم يفوق العام الواحد ، كانت سيدة يرفض زوجها أن تعمل فقبعت في منزلها ترعى أطفالها و زوجها ، و الأمر الذي أصبح طبيعي ،هو أن تتبدل أحوال زوجها الذي يتعاطى "الحشيش" باستمرار
الأمر الذي أدى إلى الإحتياج لمصاريف أكثر ، وقتها اضطرت هالة للعمل ،عملت "عاملة نظافة " في إحدى الجامعات حتى تساعد في مصروف البيت الذي لم يعد يكفي "كيف" زوجها و أطفالها الخمسة ومتطلباتهم
فجأة إختفى الزوج أين ذهب لا تعلم ، هل عاد لا تعلم أيضًا ،فهي تركت المنزل فالمرتب الزهيد لا يسد احتاياجات أطفالها و إيجار مسكن أيضًا ، فهربت بأولادها الخمسة إلى المقابر ، عاشت مع الأموات ، تحرس أحد الأحواش و تقيم و أطفالها هناك ، عاشت هالة دور الأم و الأب و الأصدقاء و الونيس حتى كبر الأطفال ، واحد فقط تزوج وما زال يجيئها جالسا تحت قدميها ليشكرها أنها ما تركتهم للشارع أو شردتهم بل ضماهم حتى و إن كانت الضمة ممزوجة ببرودة الموت وصمت أصحابه ، عملت هالة جاهدة لتستمر تلك الحياة و تستقيم ، نجحت أن تحيي حياة ميتة وسط الأموات ، المقابر جميلة بها المهم الا يموتوا جوعا و عوزًا
هالة التي لم يستطع رجلها إحتمال المسؤولية ففر هاربًا ، لأن هالة تروي أن أحدى الصديقات القدامى يومًا رأته فأخبرتها أنه شاهدته في إحدى الشوارع يسير على قدميه يبدو عليه الهزال لكنه بخير
اذًا ما استطاع الأب أن يتحمل مسؤولية أطفالها الخمسة بجانب " كيفه " ، فقرر الهروب ، و قررت هي أن تقف لتحمل الخمسة على كتفيها و تسير بهم مع الأيام ، فاستطاعت و احتملت و " ربت و كبرت "
تهاني " الأرملة الصغيرة " ، في عيد الربيع 2009 إستيقظت فوجدته جثة هامدة يرقد بجانبها بلا روح ، إستيقظت لتجد جسد رجل ميت و طفلين الكبير في الصف الأول الإبتدائي و الصغيرة تبلغ من العمر ثلاث سنوات فقط
ربة المنزل المدللة في بيت عائلتها و التي راعاها زوجها حتى آخر يوم في حياته ، إستيقظت على حياة جديدة وواقع يفرض نفسه عليها ، رحل "علي " الأب ؟؟و تركها لتقف مذهولة أمام الموقف ، تتساءل ترى ماذا سيحدث
لم تتوقف تهاني كثيرًا عندها أو هي ما ووقفت من الأساس ،حيث وقفت عند طفليهيا مرعوبة ، ماذا يجب أن يحدث ماذا ستفعل ، متى رحل علي ؟؟ وكيف عساه يرحل و يتركها و هي التي لا تفقه شيئًا عن العمل ، و هي التي عاشت أمًا له و لأطفاله ، وكان كأبوها يراعاها و يرعى أطفالها ؟؟ رحل علي لأن الموت ينتقي الأخيار و يترك أشر الخلق على الأرض نصارعهم
هنا وقفت تهاني على أرض الواقع بقساوته و خشونته ، و قررت أنه لن يموت أطفالي جوعًا ولن يكفي معاش علي متطلبات حياة كريمة لهم ، "نزلت تهاني الشارع " بحثت عن مهنة تناسبها و تناسب أطفالها أيضًا فلم تجد ، قررت أن تبدأ مشروعها الصغير من المنزل ، تُعد الطعام و العديد من أنواع المخللات حسب الطلب و تبيعها ، بالتالي إستطاعت تهاني ان تكون برفقة أطفالها و توفير مصدر دخل بجانب معاش " علي " اليوم أحمد متفوق في دراسته العام الماضي اشترت له " كمبيوتر " لأنه نجح بتفوق و ليلى الصغيرة التحقت أيضًا بالمدرسة
تهاني لم تفكر بالزواج ليس لأنه عيب عليها أن تتزوج بعد زوجها الراحل ، بل لأنها ترى أنها تستطيع أن تكون أمًا و أبًا في ذات اللحظة ، ففي اللحظة التي رحل علي فيها لم تعد امرأة عادية يمكنها أن تتزوج مرة أخرى ، أصبحت امرأة و رجل .
الكاتب
نورهان سمير
الإثنين ٢١ مارس ٢٠١٦
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا