”فاطمة سري” المرأة التي أخضعت ”آل شعراوي ”
الأكثر مشاهدة
" من المحقق أن مصر لم تر إلى هذه اللحظة سيدة شرقية نشرت مذكراتها على أية حادثة من الحوادث التي صادمتها في الحياة ،لذا سيكون عملي هذا جرأة في نظر البعض الآخر ، و الحقيقة أنه واجب أكرهتني عليه الظروف و سير الحوادث المزعجة و تكاتف شاب غني و بعض رجال المحاماة المشهورين لهضم حقوقي ، و دوس كرامتي ، و سلب ابنتي حقها في حمل اسم أبيها الشرعي " .. –مجلة المسرح- فاطمة سري27/12/1926
فاطمة سري سيدة المسرح التي قررت أن تخرج عن المألوف في العشرينات من القرن الماضي ، وفي الوقت الذي يرفضها المجتمع كامرأة تعمل في مجال الفن ، تخرج لتواجهه و تخبره أنها أيضا متزوجة من رجل في السر و حملت منه و تنكر لنسب الطفل ، و تواجهه في المحاكم لإثبات نسب ابنتها
لتكون ليست فقط أول امرأة تقوم بنشر مذكراتها بل و لتكون أول صاحبة قضية نسب في مصر
ولدت السيدة فاطمة سري بالقاهرة عام 1904 و تلقت دروسها الأولى في المدرسة الإنجليزية و كانت المدرسة بجوار منزل أهلها بباب الخلق و لما انتقل أهلها من الحي تركت المدرسة و اتمت تعليمها في المنزل حتى تعلمت الكتابة و القراءة ثم بعد ذلك تزوجت زيجة غير موفقة لم تستمر و بعدها تزوجت سيد بك البشلاوي و الذي رأى فيها استعدادا فنيا فأحضر لها الأستاذ داود حسني فعلمها العود و أصول الغناء و كان أول ظهورها على المسرح في فرقة الريحاني في رواية "كله من ده " و تركت الفرقة لما أحست بالحمل
بدأت حياتها الفنية بفرقة الجزايلي و بدأت تنتقل بين الفرق التمثيلية كفرقة الريحاني و بهجت و علي الكسار و لكن لم يذع صيتها إلا في بعض الأوساط ، و قد أسست لنفسها فرقة و لكنها لم تعمر طويلا ، ثم التحقت بفرقة شركة ترقية التمثيل العربي و من يوم اشتغالها بهذه الفرقة بدأت شهرتها تذيع و تزيد حتى عرفتها البلاد كلها ، و كانت رواية صباح أول رواية مثلتها بفرقة الحديقة و كانت سبب مجدها و عظمتها ، بعد فترة غنت فاطمة سري على " التخت" و نجحت في هذا النوع من أول حفلة و ظلت تعمل على التخت حتى أحبت محمد بك شعراوي ابن هدى شعراوي رائدة تحرير المرأة في ذاك لوقت
و هنا تبدأ القصة حين عشقت فاطمة سري محمد شعراوي ، و تبدأ المذكرات حيث التقت فاطمة سري بمحمد شعراوي لأول مرة ، حيث كان ذلك في منزل هدى هانم شعراوي حيث دعت فاطمة سري لإحياء حفلة في قصرها لقاء عشرين جنيها و كان هذا اللقاء لقاء عالمين مختلفين عالم الأرستقراطية و عالم أهل الفن ، وقع محمد بك شعراوي ابن الطبقة الأرستقراطية في عشق فاطمة سري بنت طبقة أهل الفن ، و ذكرت فاطمة في مذكراتها أنه طاردها كثيرا ليحصل عليها جسديا مقابل اي مبلغ من المال ، وفق العرف السائد بين الرجال في علاقاتهم بالعشيقات في ذلك الوقت و هو اللذة مقابل المال مع بقاء العلاقة في الظل على هامش حياة الرجل الإجتماعية ، و كانت فاطمة تهدف لوضع تلك العلاقة في إطار يقبله الدين و الشرع و لا يصمها بوصمة العشيقة أو فتاة الهوى و كان هذا الحل هو الزواج العرفي
فبعد فترة من المعاشرة البريئة تخللتها بعض المشاكل و الأزمات و يأس محمد شعراوي من الحصول عليها كعشيقة ، عرض عليها الزواج
و تقول في مذكراتها " أولا أن العاطفة التي تدفع محمد لطلب يدي حب واضح ،ثانيا إنني أبادله نفس العاطفة " و ما إن قبلت فاطمة حتى تزوجها بشكل عرفي و هو ما كان يستطيع فعله وقتها لعجزه عن عمل العقد الرسمي العلني خوفا من الضجة المزعجة التي يحدثها إعلان أمر الزواج للناس
و تزوجت فاطمة سرا محمد بك شعراوي ، و حملت منه و هو الحق الذي قد لا يكفله لها الزواج العرفي آن ذاك ، فهو من التناقض أن يتزوجها محمد شعراوي عرفيا لعجزه عن زواجها بشكل رسمي ثم تنجب منه و هو الأمر الذي قد يفضح أمر الزواج
و ما حدث أن فاطمة التي مارست حقها كامرأة متزوجة ولو عرفيا ،أراد محمد بك شعراوي أن يسلبها هذا الحق لتظل العشيقة السرية بعقد زواج سري يبيح صورة العلاقة الجنسية
تنكر لها محمد شعراوي و رفض نسب الطفل إليه و تحولت العلاقة بين فاطمة سري و محمد بك شعراوي إلى صراع حيث حاول التنكر لها لكنه في لحظة ضعف أو شهامة لم تلبث أن تلاشت ،قرر محمد شعراوي أن يكتب إقرارا لفاطمة يثبت أبوته للطفلة
"أقر أنا الموقع على هذا محمد علي شعراوي نجل المرحوم علي باشا شعراوي من ذوي الأملاك و يقيم بالمنزل شارع قصر النيل نمرة 2 قسم عابدين بمصر أني تزوجت السيدة فاطمة كريمة المرحوم سيد بك المرواني المشهورة باسم فاطمة سري من تاريخ أول سبتمبر سنة 1924 ألف و تسعمائة أربعة و عشرين أفرنكية و عاشرتها معاشرة الأزواج و مازلت معاشرا لها حتى الآن و قد حملت مني حملا مستكنا في بطنها الآن فاذا انفصل حيا فهو ابني وهذا الاقرار مني بذلك و أنا متصف بكافة الأوصاف المعتبرة لصحة الإقرار شرعا و قانونا وهذا الاقرار حجة علي تطبيقا للمادة (35) من لائحة المحاكم الشرعية و ان كان عقد زواجي بها لم يعتبر إلا أنه صحيح شرعي مستوف لجميع شرائط صحة عقد الزواج المعتبرة شرعيا
توقيع / محمد علي شعراي
القاهرة 15 يونيو 1925
و لكن محمد شعراوي ندم على هذا الإقرار ، فحين قابل فاطمة سري في باريس بد استلامها الإقرار بشهرين حاول استمالتها عاطفيا لاسترداد ذلك الإقرار ، و هنا استخدمت فاطمة ذكاء الأنثى و دهائها و هي الطريقة التي تلجأ اليها المرأة اذا ما كانت في موقف أضعف من الرجل ،حيث كذبت على زوجها بأنها تركت الإقرار في القاهرة – و كان معها – ثم أخذت صورة بالزنكوغراف لذلك الإقرار و طبعت بعناية على ورق يشبه الورقة الأولى و بحبر يشبه الحبر الأول بشكل كبير كتبت الإقرار نفسه و حين عادت الى مصر أعطت محمد الصورة و احتفظت بالأصل ، و بالفعل ما إن تيقن محمد شعراوي أنه جرد فاطمة من سلاحها حتى أظهر الوجه الآخر لقبحه فراح يهددها و يرهبها و يتنكر لها من جديد
و لما أحست فاطمة أن الصراع في الخفاء بينهم لن يجدي نفعا قررت أن تعلن الصراع على الملأ أول ما فعلته أنها أرسلت خطابا إلى السيدة هدى شعراوي نشرت نصه في مذكراتها منه "وما مطالبتي بحقها -الطفلة المولودة- و حقي كزوجة طامعة في مالكم كلا و الله فقد عشت قبل بمعرفتي بابنك و كنت متمتعة بالحرية المطلقة و أنت أدرى أدرى بلذة الحرية المطلقة التي تدافعين عنها ، ثم عرفت ابنك فاضطرني لترك عملي ......"
طالبت هدى شعراوي ابنها بالاعتراف بالطفلة كما انها خصصت مبلغا شهريا لرعاية الطفلة
ظلت فاطمة في صراع مع آل شعراوي في ساحات المحاكم مدة طويلة حتى صدر حكم محكمة الإستئناف العليا بإقرار شرعية زواج فاطمة و سري و محمد بك شعراوي و بنوة " ليلى " ابنتها له في 30/12/1930
الكاتب
نورهان سمير
الإثنين ١٦ مايو ٢٠١٦
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا