هدى زكريا.. الفتاة التي جمعت الجوائز من أحلامها
الأكثر مشاهدة
حب المعلومات هو نوع غير معترف به من الإدمان، ما أن دخلت هذا العالم حتى علقت هناك بدون أمل للعودة، أما نهم استكمال المعلومات الناقصة فهو درجة أشد قوة من الإدمان، تجذبك نحو المهلكات راكضًا، فبينما تمر أعين الجميع على شيء ما وتغادره إلى ما يليه، يعلق بصرك أنت بالمعلومة الناقصة، بالتفصيلة الصغيرة الغريبة التي تختبئ هنا، مثلما علق بصر "هدى" بكثافة تواجد أصحاب البشرة الداكنة في محطة مترو "عبد الناصر"، وجذبها الفضول حتى أصبحت أشهر صحفية في باب اللاجئين الأفارقة.
في عامها الأول في الكلية بحثت عن أهم جائزة في مجال دراستها، تلك التي تغير حياة الصحفي الذي يتلقاها، ثم علقت على حائط مكتبها صورة "الجائزة العربية للصحافة"، كانت تضعها في كل مكان تقع عينيها عليه، خلفية حاسوبها، هاتفها، فوق مكتبها، حتى أنها كانت تحلم بها، ولم يهدأ بالها حتى أخرجتها من الحلم إلى الواقع بعد عشرة أعوام.
كأي عائلة مصرية تظهر علامات التفوق الدراسي على طفلها، كانت عائلة "هدى" تحضرها لتحصل على حرف الدال قبل أسمها، وظلت تلك هي الخطة المعمول بها، حتى دخلت "هدى" شعبة أدبي في الثانوية العامة، ولأنها دائمًا تختار قمة الأشياء لتكون محطتها التالية، اختارت "هدى" كلية الإقتصاد والعلوم السياسة، ولكن دفعها مجموعها 98% نحو الإعلام.
اشتهرت "هدى" بين أهلها وصديقاتها بالفضول، ولاحقتها دعابات "حاشرة مناخيرك في كل حاجة" من المدرسة وحتى العمل، لأن "هدى" تعشق التفاصيل، وتبحث خلفها، ولا تترك شاردة ولا واردة دون أن تعرف سببها، حتى وإن كان الأمر مجرد يافطة إعلانية جديدة ظهرت في شارعهم.
بدأت "هدى" التدريب في الصحافة منذ عامها الأول في الكلية، عملت في المصري اليوم ثم انتقلت إلى اليوم السابع، وتنقلت بين الأقسام، بدأت بالثقافة ثم استقرت لأربعة سنوات في قسم التحقيقات الاستقصائية، ربحت خلالهم 4 جوائز كان آخرها جائزة الصحافة العربية لـ 2015، التي تسلمتها أوائل هذا الشهر عن تحقيقها في قضية العلاج بالخلايا الجذعية.
إن كانت الصحافة تسمى "مهنة البحث عن المتاعب" فإن "هدى" هي خير مثال على ذلك، تلك الباحثة عن التحديات والمافيا والجوائز معًا، "دحيحة" المدرسة ساكنة الصف الأول في الفصل، التي لم تترك مسابقة لم تدخل وتتكرم فيها، الصحفية التي تصادقت مع اللاجئين الأفارقة وتوحدت معهم وحملت همومهم، حتى أصبحت أول من يسلط الضوء على مشكلاتهم في مصر، لمجرد أن لفتها كثافة تواجدهم في محطة مترو معينة.
تجد "هدى" أفكار تحقيقاتها في كل مكان حولها، كانت تبحث بفضولها بين تعليقات القراء على موضوع أحد زملائها، حين جذبها تعليق لرجل يشكوا من أطباء يروجون لعلاج بتقنية غير معترف بها، أرسلت للقاريء واستفسرت منه وشدت خيط الفضول وتتبعته حتى قادها طرفه الآخر لحلمها القديم وربحت عن تحقيقها "العلاج بالخلايا الجذعية" جائزة الصحافة العربية لعام 2015.
تخفي "هدى" عن عائلتها الكثير من تفاصيل عملها المتعلقة بالتنكر والتهديدات ومواجهة المصادر قبل النشر، ولكنهم يكتشفون الأمر عندما ينشر أحد تحقيقاتها بالجريدة، لتختلط مخاوفهم بالفرحة والفخر، أما بعد الجائزة، فلا زالت هدى تلاحق المخاطر وتبحث عن الموضوعات التي لم يتطرق لها أحد من قبل، عن الإنسانيات وراء كل قصة جديدة تكتبها.
الكاتب
ندى محسن
الإثنين ٢٣ مايو ٢٠١٦
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا