شيماء الجمال.. عشان الأمومة مش حكم إعدام
الأكثر مشاهدة
اقتربت مني وهي تهمس وتبتسم، وقالت: تخيلي كنت رايحة إمتحان الفاينال بمخدة تحت باطي، والدة بقالي أسبوع ومتخيطة، وواخدة مخدة عشان أعرف أكمل ساعتين قاعدة في اللجنة وبكتب.
سألتها عن أكثر ما يصعب عملها وحياتها، أخبرتني وهي تنظر إلى الساعة في هاتفها الموصول بالكهرباء، لتحسب الوقت المتبقي على موعد حضانة إبنها، "التحسيس بالذنب".. وكأنك يوم أصبحتي أمًا قد وقعتي اعترافًا بالانتحار، يجب أن تُفني كل عمرك لأطفالك، وأن تنسي كل أحلامك، وإلا أصبحت أنانية ولاحقتك ملايين الـ"حرام عليكي"..
شيماء الجمال هي صاحبة كتاب "ة" وشريك مؤسس في موقع "أنا حامل"، وأم لثلاثة أطفال، اتمت عامها الثلاثين قريبًا وقد قررت ألا تترك أحلامها مجرد أحلام ليوم إضافي، تزوجت في عمر 19 عامًا، وسط معارضات الأهل والأصدقاء، خوفًا من أن يعطلها الزواج عن دراستها.. ولكنها أثبتت للجميع أنه لا شيء يستطيع تعطيل شيماء عن أحلامها.
في مراجعة الامتحان كانت تجلس شيماء وهي تحمل رضيعها الأول، وهو بعمر يومين، تذاكر وتخرج في الاستراحة لترضعه، وبعد أن تخرجت، واجهت صعوبة في إيجاد عمل يناسب دراستها للإرشاد السياحي، خاصة وهي أم، فعملت في حضانة، وتقربت لعالم الأطفال أكثر وأكثر بالقراءة، ثم قررت أن تغازل حبها للكتابة، كتبت في مجلة "كلمتنا" ثم عملت في مجلة "عين"، إلى أن حملت في توأم.
لا شيء في حياة "شيماء" يجبرها على كل هذه المتاعب، هذه القصة ليست عن "الجري على كوم لحم"، ولكنها عن فتاة لا تستطيع أن تقبل بمجرد الأمومة والزواج كوظيفة تفيد العالم بها، قالت لي: مفيش واحد تسأليه بيشتغل إيه يقولك أنا أب وعندي بيت، عشان دي حاجة طبيعية أي حد بأي مستوى تعليم وفلوس في العالم بيعملها، مش شرط إن يبقى شغلك مدفوع، المهم تبقي بتعملي حاجة بحياتك، حتى لو كانت مجرد صفحة ع الفيسبوك بتناصر قضية إنتِ مقتنعة بيها.
تعمل شيماء منذ كانت في الثانوية العامة، صنعت كروت وباعتها للمكتبات، تعرفت على أفواج سياحية وكانت تفاصل لهم في الأسعار وتشتري لهم لوازمهم، عملت في تعليم غير الناطقين بالعربية اللغة، ركضت يمينًا ويسارًا ولكنها كانت تعلم، في يوم من الأيام ستمتلك مشروعها الخاص، كانت وستكون دائمًا هي رئيسة عمل نفسها.
طوال ثمانية أشهر من الحمل في توأم، كانت تصعد للدور السادس على قدميها، حيث مقر المجلة، كانت كل التعليقات من حولها تتخلص في "مش هتقدري، انسي بقى الشغل ده خالص، مش هتعرفي ترضعيهم طبيعي لو اشتغلتي".. ومع ثقل وزن بطنها، تركت العمل قبل ولادتها باسبوعين.
فقدت "شيماء" مؤخرًا 17 كيلو من وزنها، الذي كسبته وهي تحاول الرضوخ لتلك التعليقات، أوقفت الكتابة الساخرة والرومانسية والسياسية على صفحتها "عشان ميصحش انتِ أم لـ 3 أطفال ولازم تبقي وقورة"، ثم ابتعدت عن الرياضة التي كانت تحبها "عشان جيم إيه اللي تروحيه وتسيبي عيالك"، إلى أن وصلت لمرحلة أن من حولها يعاملونها على أنها شخص لا تعرفه، فقررت العودة لكل ما تحبه وليبقى من يريد ويرحل من يريد.
تحكي لي شيماء: سألت نفسي أنا هعمل ايه في حياتي الفترة الجاية؟" وكانت قد تركت عملها للتو وتبقى على ولادتها أسبوعين، بدأت في وضع استراتيجية مشروعها الجديد، الذي ستستغل فيه سنوات العمل في مجال الحمل والأمومة، ستصدر كتابًا وستروج له بصفحة على الانترنت قبل نزوله، وضعت التوأم في إبريل، أطلقت الصفحة في يونيو، تحولت الصفحة لموقع انترنت في أغسطس، وقبل أن ينتهي نوفمبر كانت تلتقي بأول عميل سيضع إعلانه على موقعها.
أكملت وهي تأكل العيش البني –لزوم الدايت- وتعيد النظر للهاتف، وضعت توأمها في حضانة عندما أتما السنة أشهر، وسمعت على هذه الخطوة الكثير من "يا قلبك"، والتحديات بأنها ستفشل في استكمال إرضاعهم، سألتها إن كانت تلك التعليقات تنجح أحيانًا في تحسيسها بالذنب، فأشارت لي بالشوكة المغموسة في الخس وأجابت "طبعًا".
فطمت التوأم في عمر العامين وزادوا 4 أشهر، تخبرني وهي تضحك في تحدي وتضيف، أنا أعرف كيف أعوض أولادي عن ساعات عملي، كيف أقضي الوقت وألعب وأمرح وأقرأ القصص أيضًا، لقد اعتاد هذا الجيل على أمهات يفعلون لأولادهم كل شيء، ولا يتركون لهم مساحة الاعتماد على النفس، يفنون أعمارهم في تربية عالات وعاهات تضر المجتمع وتتوقع من الجيل الجديد أن يرث عنها هذا، لن أربي أنا 3 عالات جديدة.
الكاتب
ندى محسن
الثلاثاء ٣١ مايو ٢٠١٦
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا