ماذا يعني أن تكوني معارضة ايرانية في الثمانينات؟
الأكثر مشاهدة
"ذر القلب الذي أحمل بين الضلوع .. وهبني الحرية"
شجاعتها وجرأتها وحدهما كان طريق الأمل لها لتنجو من كل مصاعبها، وتمتلك الشجاعة لتقف ذات يوم بعد وصولها لبر الحاضر والمستقبل وتحكي عذابات الماضي التي طاردتها منذ السادسة عشر، في سن لا تملك فيه سوى التمنى والحلم بالمستقبل، لكن التغيير الذي شهدته بلادها أواخر السبعينات ومجيء حكم ديني اسلامي شيعي، عانت منه جميع طوائف الشعب الايراني، وكانت أكثر المعاناة من نصيب النساء، نساء مثلها رفضن القيود التي فرضها عليهن الحكم الجديد، نساء مثل "مارينا نعمت"، التي واجهت السجن وحكم الإعدام مرات عدة، مرة حكم النظام الحاكم ومرة حكم جلادها الذي هام بها حبًا فأذاقها الحنان والعذاب من كأس واحدة.
كانت بداية رحلة الآلم عندما امتلكت مارينا من الجسارة كفاية لتطلب من مدرستها التابعة للنظام التوقف عن الحديث في السياسة وإكمال الشرح، تتطورت الأمور إلى حد الإضراب الشامل من الطلاب لينتهى بعد يومين من التهديدات، لكن الأمر لم ينتهى بالنسبة لمارينا فقد اعتقلت بعد ذلك بشهرين، وذهب بها إلى سجن "إيفين" بعد أن وجهت لها عدة تهم منها معاداة الثورة الإسلامية والإنضمام لتنظيم شيوعي معادي للحكم، طلب منها أن تخبرهم بأسماء زملاءه لها في الحركة لكنها أخبرتهم أنها لا تعرف شيء، فعذبوها وحكم عليها بالإعدام، لكن قبل تنفيذ الحكم جاءها عفو من الخميني بعد أن توسط لها أحد ظباط النظام، لتنجو من الإعدام وتبدأ مرحلة أخرى مع "على" الذي أحبها منذ اللحطة التي اعتقلها فيها.
أول ما التقاها شدته إليها شجاعتها فلم تكن تبكي ولم تنهار، تمسكت هى بكل مظاهر الشجاعة الممكنة حتى لا تنهار، وقرأ عليها قرآن فأخبرته أنها تعرف القرآن من قبل وتعجب لوكنها مسلمة حتى بعد معرفتها به، لكنها ظلت متمسكة بديانتها، وعندما وجه لها تهمة الشيوعية ردت عليه "درست الشيوعية كما درست الإسلام ولم اتحول لأي منهما"، تعرضت بعد ذلك لشتى أنواع العذاب حتى تعترف وظلت على انكارها كانت تملك الشجاعة والتحمل لكنها أيضًا كانت صريحة فلم تكن تعرف الكثير كما كان يظنون.
بعد نجاتها من الإعدام خفف الحكم للسجن مدى الحياة، لكنها تزوجت من "على" لم يكن أمامها الإختيار وظلت تقضي وقت في السجن وقت في بيت زوجها، الذي ربما أحبها لكنه كذلك حرمها من أسرتها ودينها واسماها "فاطمة" حرمها من الحياة التي أحبتها ومن "أندريه" فتى الكنسية الذي كان حبها الأول وأول من هفا قلبها له، بسبب زواجها من مسلم واعتناقها الإسلام خفف الحكم لثلاث سنوات، ربما كان "على" قيدًا آخر لمارينا لكنها كانت بالنسبة له أملًأ أخيرا للعودة من صفوف الطغيان، فما كان منه الا أن أراد ترك "حرس الثورة" وبحسب ما تحكي مارينا في مذاكرتها الأشهر "سجينة طهران" اغتاله مجهولون لكنها هى تعلمهم وتعلم أن عقوبة الإنقلاب عن النظام هي "الإعدام".
عقب طلاقها عادت مارينا لحياتها التي هجرتها ساعدها حماها في الحصول على عفو والإفراج عنها، عادت حرة لتتزوج من حبيبها "أندريه" وتكمل تعليمها لتتمكن بعد سنوات من السفر خارج البلاد التي عذبتها كثيرا وما تزال.
"لون السماء لا يتغير أينما ذهبت" مثل إيراني
لكنها هي تشتاق لها حتى الآن، لكنها بعد مرور عشرين عامًا قررت أن تكتب مذاكرتها عن تلك الفترة التي قضتها في سجن "ايفين" فترة وفي سجن "على" فترة، أرادت أن تسامح من ظلموها، وأن تعطي لمن لم ينجو فرصة في النجاة بطريقة مغايرة، ولتترك لنا فرصة معرفة ماذا يعني أن تكوني معارضة في ايران للحكم الثوري الديني؟
الكاتب
نيرة حشمت
الثلاثاء ٣١ مايو ٢٠١٦
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا