”لطيفة الزيات”...فتشت عن الحرية لتفتح أبواب المرأة المغلقة
الأكثر مشاهدة
حررت المرأة بقلمها،عرفت أن للحرية ضريبة وثمن، فراهنت بعمرها وسعت في طريق الحرية الممتلىء بالعثرات منذ نعومة أظافرها، لتصل في نهايته إلى الباب المفتوح لأحلام وأهداف جيلها، لم يقف تقدم السن أمام تحدياتها، فاعتقلت وهي على مشارف الستين، وواصلت بعد خروجها من المعتقل نشاطها حتى الشهور الأخيرة من عمرها،باقية بيننا بأعمالها التي خلدها التاريخ، فذوقتنا طعم الحرية من خلال (الباب المفتوح)، واوصلتنا إلى ذاتنا الحقيقية بـ(حملة تفتيش – أوراق شخصية)، وبحثت عن مواطن الزلل في (الشيخوخة)،وعاشت وهم المطلقات في (صاحبة البيت)، فهي رائدة الأدب (لطيفة الزيات)، فيتزامن 8 أغسطس مع الذكرى الـ93 لمولدها.
بدأت رحلة الحرية بمولد لطيفة الزيات 8 أغسطس عام 1923 بمدينة دمياط أى بعد أربع سنوات من ثورة 1919، في عام 1922 أعلنت بريطانيا إعترافها بمصر دولة مستقلة، وتلقت تعليمها بالمدارس المصرية، ثم بجامعة القاهرة، بدأت عملها الجامعي منذ عام 1952، وحصلت على دكتوراه في الأدب من كلية الآداب، بجامعة القاهرة عام 1957.
وجدان الزيات المشكل بالثورة
تشكل وجدان لطيفة منذ طفولتها بالأحداث الثورية والسياسية، ففي سن الحادية عشرة من عمرها أطلت من شرفة منزلها بشارع العباسي بالمنصورة، وانتفضت بالشعور بالعجز، والأسى والقهر ورصاص البوليس يقضي على أربعة عشر قتيلا من بين المتظاهرين في ذلك اليوم، وصرخت وتمنت النزول الى الشارع لإيقاف الرصاص الذي ينطلق من البنادق السوداء.
وفي السنة النهائية من المرحلة الثانوية للـ"زيات "حاصرت قوات الإنجليز قصر عابدين وأُملت على الملك وزارة وفدية، وبعد شهور معدودة دخلت الجامعة، كان نجم الوفد في أفول فشاركت في الحركة الوطنية بانتمائها الى إحدى المنظمات الشيوعية (منظمة إسكرا)، وحين وصلت الفرقة الرابعة من دراستها الجامعية في عام 1946 كانت أصبحت قائدة طلابية وانتخبت في سكرتارية اللجنة الوطنية العليا للطلبة والعمال التى شاركت في تنظيم المظاهرات الطلابية في 9 فبراير ومظاهرات 21 فبراير الأوسع نطاقا، وفقاً لما قالته الأديبة "رضوى عاشور" في إحدى مقالتها.
رائدة فى مجال عملها
تقلدت العديد من المناصب، فكانت لطيفة عضو مجلس السلام العالمي، وعضو شرف لأتحاد الكتاب الفلسطيني، وعضو بالمجلس الأعلى للآداب والفنون، وعضو لجان جوائز الدولة التشجيعية في مجال القصة، ولجنة القصة القصيرة والرواية، وعضوا منتخبا في أول مجلس لاتحاد الكتاب المصريين، ورئيس للجنة الدفاع عن القضايا القومية 1979، ومثلت مصر في العديد من المؤتمرات العالمية.
أشرفت على إصدار وتحرير الملحق الأدبي لمجلة الطليعة، كما تابعت الإنتاج الأدبي بالنقد الأدبي، في برنامج إذاعي 1960 – 1972، وعلى الصعيد الأكاديمي فهي رائدة وقائدة لأنها بدأت العمل الاكاديمي في وقت كانت النساء الأكاديميات قليلات، وشغلت منصب أستاذة الأدب الإنجليزي بكلية البنات جامعة عين شمس سابقاً.
أعمالها الأدبية باب للحرية
العمل |
السنة |
الباب المفتوح |
1960 |
الشيخوخة وقصص آخرى |
1986 |
نجيب محفوظ الصورة والتمثال |
1989 |
صاحب البيت |
1994 |
من صورة المرأة في القصص والروايات العربية |
1989 |
حملة تفتيش - أوراق شخصية |
1992 |
مسرحية بيع وشراء |
1994 |
الرجل الذي يعرف تهمته |
1995 |
حياتها الشخصية وزواجها
زواجها الأول لم يكتمل ووقف عند مرحلة الخطوبة، فكان مع "عبد الحميد عبد الغني" الذي إشتهر بإسم "عبد الحميد الكاتب" ولم يكن ماركسياً مثل لطيفة، بل كان يمضي جزءاً كبيراً من نهاره وليله في أحد المساجد ، ويحفظ التاريخ الإسلامي بدرجة جيدة، ولم يقدر لهذا المشروع أن يتم، ثم دخلت تجربة ثانية أكثر ملاءمة لفكرها وطبيعتها، فإرتبطت بالزواج بأحمد شكري سالم، الدكتور في العلوم فيما بعد ، وهو أول شيوعي يحكم عليه بالسجن سبع سنوات ، وتم اعتقال أحمد ولطيفة عام 1949 تحت ذمة القضية الشيوعية، وانفصلا بالطلاق بعد الحكم علي "شكري" وخروجها من القضية.
"إنه أول رجل يوقظ الأنثى في" وصفت زواجها الثالث من الدكتور "رشاد رشدي" يميني المنشأ والفكر والسلوك، بهذه الكلمات،ولامها الكثير عن زواجها منه، وعندما إشتدوا عليها باللوم قالت: "الجنس أسقط الإمبراطورية الرومانية"، في إشارة إلى أنه قد يسقط الحواجز الإيديولوجية أيضاً.
الزيات ترفض النسوية والتصنيف
ترفض وصفها بالكاتبة النسوية وتعتبر هذا تقليل من حق المرأة ونوع من أنواع التمييز فقالت : "كان هذا موقفي الثابت والأكيد في الستينيات، تخندقت في خندق الأدب، ورفضت في إصرار أن تبوّب كتاباتي الإبداعية في باب الأدب النسائي، دأبت على القول أدب أو لا أدب، فن أو لا فن، وما من أدب رجولي وآخر نسوي، ومرّ الزمن، وكان أن نضجت وتعلمت الإقرار بالندية فيما بينهما، وأن الاختلاف لا يعني بالضرورة تفضيلًا لجانب على الآخر، ولا تميزًا فنيًا لجانب على الآخر".
كما نقدت الصورة النمطية التى تظهر بها المرأة في الأدب العربي، فقالت :"أقسى ما تتعرض له صورة المرأة في القصص العربية هو اختزال وجودها الإنساني المعقد إلى بعد واحد هو " الجسد " ".
شمعة مضيئة في طريق قرائها
جميلة جداً ومؤلمة جدا حسستنى بتضحيات جيل سبقنا عشان منعش اللي هما عاشوه، و للأسف عشنا أسواء منه" وصفت إحدى قراء رواية الباب المفتوح الرواية بهذه الكلمات، وأضافت أن الرواية مختلفة عن الفيلم فيها شرح أعمق لشخصية ليلى اللى انهزمت مؤقتا من مجتمعها و أصوله و عاداته و تركيبته الغريبة وانتصارها لما تلاقى نفسها.
وربطت الباحثة "سارة قويس" بين شخصية ليليى ولطيفة الزيات، وقالت أن المعاناة التي وضعت على كاهل ليلى من المجتمع ووالدها والمحيطون بها تجسيد للمعاناة الحقيقىة التي عاشتها لطيفة الزيات، وأكدت على أن الكاتبة جزءا هام جدا من الحركة النسوية في تلك الفترة.
واختتمت "قويس" حديثها قائلة :" لو الزيات عايشة لحد دلوقتى، وشافت الحركات النسوية الحالية، كانت ضربتها بالنار".
ولم تغب "الزيات" عن عقل وقلب طالباتها، ليس من الجيل التي تتلمذ على يديها فقط، بل الأجيال التالية ايضاً ، فصرحت الدكتورة بكلية البنات جامعة عين شمس "مروة سيد حنفي" لاحكي، أنهم بصدد إصدار العدد الجديد من مجلة "الذات" – المجلة الصادرة عن قسم الإنجليزى بكلية الأداب-، وستكون شخصية العدد الأديبة الراحلة "لطيفة الزيات"، مؤكدة على أن القسم يحرص على ربط الجيل الجديد من الطالبات بجيل الرائدات الأوائل من خلال قراءة أعمالهن والإطلاع على إنجازاتهن، للوصول في النهاية إلى السير على نفس طريقهن، ولتحقيق ذلك لفتت "حنفي" أنهم سيبدؤن بقراءة رواية (حملة تفتيش- أوراق شخصية)، التى تتناول السيرة الذاتية "للزيات".
"كتاباتها مش نابعة من شعارات بل نابعة من القهر " بدأت الفتاة العشرينية الصحفية "هاجر هشام مصطفي" بهذه الكلمات متحدثة عن لطيفة الزيات، وقالت عن روايتها (حملة تفتيش – أوراق شخصية): "هي عاشت تجربة قدرت تستخلص نتائجها بعمق، لقت إن تحرر الست مش هيوجد جوه راجل أو مؤسسة، حتى لو المؤسسة بتحترم المرأة والراجل بيقدرها، التحرر جوه الست نفسها".
مستكملة حديثها مؤكدة على أن "الزيات" واحدة من النساء التى مورس عليها القهر، ومرت بالعديد من تجارب القهر، سواء خلف جدران السجن، أو خلف جدران زوجها الأول، مستعين "هاجر" بالجملة التى قيلت على لسان زوجها (أنا إللي عملتك) كدليل لقهرها.
وفي سياق متواصل للحديث عن نفس الرواية، قالت "آية حسن":" يمكن تلخيص حياة المناضلة لطيفة الزيات في كلمات بسيطة قالتها في هذا الكتاب "إننا لا نتوصل إلي ذواتنا الحقيقية إلا عندما تذوب الذات في شيء ما خارج عن إطار هذه الأنا الضيقة ".
مؤكدة آية على أنها تعلمت من خلال كتابات الزيات معني (الإنتماء) ومعني (التحرر من الأنا).
السجن ثمن الحرية
أن الإنسان لا يجد نفسه إلا إذا ضحى بها في عمل يهدف لمصلحة الجميع، فيختبر حقيقة أخرى غير الحقيقة التي كانت تؤمن بها نفسه، ألا وهي أن الواقع يختلف كثيرًا عما تظن." حفرت في وجداننا بهذه الكلمات معنى التضحية، فسجنت مرتين الأولى في عمر السادسة والعشرين، حيث تم الحكم عليها بعقوبة مدتها ثلاث سنوات داخل السجون المصرية، وتعرضت للاعتقال سنة 1981 أيام الرئيس الراحل أنور السادات.
الأم الروحية للسيدة "رضوى عاشور"
"الكاتبة أخرجت المرأة من الهامش الاجتماعي الذي زُجّت فيه في الحياة والكتابة معا، ودفعت بها وبحكايتها الى مركز الحدث التاريخي"، بهذه الكلمات وصفت الكاتبة والأديبة المصرية "رضوى عاشور" رواية الباب المفتوح للطيفة الزيات"، وقالت أنها علامة فارقة في كتابة المرأة العربية.
وأكدت "عاشور" أن لطيفة الزيات في روايتها لم تكن تربط بين تحرر المرأة وتحرر الوطن فقط ولكن أيضا وهذا هو الأهم، كانت تقدم نصاً أنتجته امرأة يدخل في مجرى الرواية العربية بالتعبير عن أكثر همومها إلحاحاً، ويرفد هذا المجرى برؤية للتحرر الوطني والاجتماعي مركزها امرأة.
ومن شدة تأثر "عاشور" بالحياة الملهمة والأحداث الثرية التى خرجت "الزيات من رحمها" خصصت رضوى جزء من روايتها (أطياف) لتبين عمق العلاقة بينهما، فقالت: " في لقاءاتي الأولى بلطيفة الزيات استوقفتني ضحكتها، كانت المرأة بضحكاتها المتلاحقة المفاجئة والعالية دائمًا تدهشني، ثم عادت لا تدهشني، ألفتها وأحببتها، أقصد لطيفة وضحكاتها معًا، كانت دائمًا تضحك، ولكنها وهي تحكي عن تجربتها في السجن، بعد خروجها وعودتي من المجر كانت تضحك أكثر".
وكانت الزيات المثل الأعلى لعاشور فى السعي وراء الحرية وطريقها المتعثر الممتلىء بالصعاب فقالت عنها : "إن الطفلة التى غنت يا مصر ما تخافيش- دا كله كلام تهويش، والصبية التى حملتها فورة الحياة فوق بحر المظاهرة ثم جلست بين الصيادين تنتشل جثث زملائها الذين حصدهم رصاص الشرطة، والمرأة المكتهلة التى ساهمت في تأسيس لجنة الدفاع عن الثقافة القومية وقادتها وناضلت ضد المعاهدة المصرية الإسرائلية وما ترتب عليها من محاولات لتطبيع العلاقات بين مصر وإسرائيل، من الطبيعى أن يكون محورها وموضوعها الأكثر إلحاحا هو الحرية".
واحتفل محرك البحث "جوجل" 2015 بعيد ميلاد "لطيفة الزيات" الثاني والتسعين، بتغيير شعاره ليحمل صورتها ومكتوب عليها (ليلى)، وغادرت عن عالم مريديها بعد الحياة المليئة بالتحدى والثورة والصعاب والسعي وراء الحرية في خريف 1996م.
الكاتب
سمر حسن
الثلاثاء ٠٩ أغسطس ٢٠١٦
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا