من هي ”آنا بوليتكوفسكايا” التي حصل حسام بهجت على جائزتها؟
الأكثر مشاهدة
"ومن عجائب القدر إن أول جايزة اخدها في الصحافة تكون باسم الست الملهمة اللي كنت دايمًا احكي لأصاحبي عنها وتسبب اغتيالها في قرار رجوعي للصحافة" هكذا علّق الباحث والصحفي الاستقصائي حسام بهجت، أمس الاثنين، على فوزه بجائزة "آنا بوليتكوفسكايا" للصحافة الاستقصائية لعام 2016 والتي تقدمها مجلة إنترناسيونالي الإيطالية.
من هي الصحفية الروسية آنا بوليتكوفسكايا
في حربِ دارت رحاها خلال العام 1999، والتي كانت فصلًا جديدًا لسابقتها التي بدأت قبل ذلك بنحو الأعوام الخمسة، وكان طرفاها روسيا الإتحادية وجمهورية الشيشان في صراع حركه النفط وغطاه الدين من الخارج، ذهبت "آنا" كصحفية روسية من ضمن كثيرين غطّوا الحرب على الشيشان، لكنها لم تسر مع التيار بل كانت تيارًا خاص.
ففي نهاية التسعينات وأثناء الحرب الروسية الثانية على العاصمة الشيشانية جروزني، سافرت إلى الشيشان محملة بيقين أنه من حق دولتها الدفاع عن أمنها القومي، لكن الوضع على الأرض ساعدها في تغير تلك القناعة بل قلبها تمامًا، فقررت ألا يكون دورها نقل عدد الضحايا وأحوال القوات من مواطنيها بل يتعدى ذلك إلى الضفة الأخرى لمعاناة الشعب الشيشاني من سنابك الدبابات الروسية، فوجهت رصاصات قلمها تجاه حكومتها مفندة أسباب الحرب من الأساس وناقدة لسياسات الدولة لتكن بذلك صوت شعب أغلقت أمامه أبواب العالم. كل ذلك كان من خلال عملها في صحيفة "نوفايا جازيتا".
فمن بين ركام الحرب وثقت "بوليتكوفسكايا" فظائع جيش بلادها والجيش الشيشاني المدعوم من الكرملين الروسي، فصورت اعتداءات الجنود من اغتصاب وتنكيل لشعب أعزل، من ضمنها إعدام 150 شخص دون محاكمة، وتهجير أكثر من نصف السكان عن بلادهم، وأرفقتها بأسماء وتواريخ فيما يمكن استخدامه كأدلة إدانة مستقبلية لمن أشرفوا على تلك الحرب.
فقد حوّلت هول صدمتها إلى كتاب لتوثق فيه جرائم النظام "البوتيني" نسبة للرئيس فلاديمير بوتين، عنونته بـ "حرب قذرة" كان نتاج جولاتها المكوكية إلى الشيشان من يوليو 1999 إلى يناير 2001، جعلت فيه المدنيين العزّل المدمرة حياتهم قبلة لقلمها الحر.
ورغم استخدامها تعبيرات كقذائف الصواريخ تجاه النظام الروسي من خلال معايشتها للواقع الأليم خلال أكثر من 40 زيارة لمناطق الدم، إلا أن القائمين على الحكم لم يهتموا بكتاباتها في البداية غير أن وضعها نقل الحقيقة للشعب الروسي نصب عينيها بدأ يجني ثماره ويظهر أثره على الشعب الذي لم يعرف مبررًا لهذه الحرب من الأساس، فحاول النظام إسكاتها بطرق عدة، منها عرض عمل بحثي ذو مقابل مادي كبير في الولايات المتحدة، ثم حاولوا شراء صمتها، ثم لجأوا إلى رميها بالارتباط بالإرهابيين الشيشان، ثم ترويج أقاويل حول سلامة قواها العقلية، وقد نجت منها جميعًا.
"اسمي آنا بوليتكوفسكايا وأعمل في نوفايا جازيت. لم يحدث أن استخدمت اسما مستعارًا ولم أخف هويتي، على العكس من الضباط الروس في الشيشان الذين يخفون وجوههم بأقنعة سوداء ويخفون رتبهم وأسماءهم ومواقعهم" كانت تلك كلماتها ردًا على الخطابات الممهورة بتوقيع "ضباط يحاربون الإرهاب" والتي هي حملة نظمتها المخابرات الروسية ضدها.
"آنا، المولودة في الثلاثين من أغسطس عام 1958 بمدينة نيويورك الأمريكية حيث كان والداها يعملان في البعثة الدبلوماسية في الأمم المتحدة التابعة للاتحاد السوفيتي، حازت عدة جوائز منها جائزة منظمة الأمن والتعاون في أوروبا على تغطيتها لحرب الشيشان، جائزة منظمة العفو الدولية لصحافة حقوق الإنسان، وجائزة اليونسكو لحرية الصحافة بعد وفاتها.
وبالتأكيد جهودها الاستقصائية لم تقتصر على الشيشان فشملت بلدها روسيا ذات المساحة الجغرافية الممتدة والمناخ السياسي الضيق، لكن تخوف النظام الحاكم من يقظتها جعلها هدف لمحاولة إغتيال خلال عام 2004 فلم تتمكن "الباحثة عن الإنسانية" من كتابة تقريرها عن احتجاز رهائن بمدرسة بيسلان الروسية من قبل أحد الانفصاليين الشيشان، بسبب إصابتها بتسمم إثر تناول فنجان شاي على الطائرة التي كانت تقلها إلى هناك. لتنهي القوات الروسية العملية باقتحام قتل فيه نحو 330 شخصًا وهو ما أرّخت له في كتاب آخر اسمته "مذكرات روسية: الفساد والموت في روسيا بوتين"
وصفت فيه نظام بوتين بالسعي إلى خلق "لا وعي جمعي" حيث جعل الروس يعيشون في غيبوبة فيعتبروا استخدام قوات الأمن غازًا قاتلًا لتحرير أسرى احتجزهم إرهابيون في مسرح –حادث مسرح موسكو عام 2002- أمرًا عاديًا. ولم يحرك فيهم موت نحو 130 شخصًا باختناق ساكنًا. ثم حادثة بيسلان، وفيها قضى أكثر من مئة طفل، دون أي رد فعل يذكر بل استطاعت الآلة الإعلامية الروسية قلب الحقائق ووضع آنا ومن يحذو حذوها موضع اتهام.
ووصل قطارها لمحطته الأخيرة في السابع من أكتوبر عام 2006، بعد أن تلقت خمس رصاصات داخل مصعد البناية التي تقطنها، كتبت نهاية حياتها الحافلة، وظلت القضية قيد التحقيق حتى أصدر القضاء الروسي عام 2014، أحكامًا بالسجن من 12 سنة إلى المؤبد بحق خمسة أشخاص متورطين في مقتلها بينهم المنفذ، والمخطط، ورجل شرطة ساهم في الإعداد للجريمة.
و"آنا" ليست الصحفية الوحيدة التي تم اغتيالها فعلى مدار 15 عامًا بدءًا من 2001، اغتيل ستة من صحفيي التحقيقات بنوفيا جازيتا بسبب كتاباتهم المزعجة للنظام الروسي.
الكاتب
ندى بديوي
الثلاثاء ٠٦ سبتمبر ٢٠١٦
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا