”أميرة”.. تتحدى الجميع من أجل الميكانيكا وتفتح أول مول للسيارات
الأكثر مشاهدة
"أنتي ست أنتي!"، "يا واد يا بت" تعليقات اعتادت أميرة سيد، 24 سنة، أن تسمعها وتتعامل معها منذ قررت أن تعمل في المهنة التي طالما حاربت من أجلها "الميكانيكا"، فرغم رفض شديد واجه رغبتها في أن تكون "صنايعية" استطاعت في النهاية أن تحقق ما تريد.
"دي مهنة صعبة جدا مش أي حد يستحملها، بداية من التعامل مع الصنايعية والزباين والمواتير نفسها لغاية الإصابات اللي ممكن تتعرضلها، ووقفتك وسط الورشة زي الرجالة" هذا ما اختبرته أميرة منذ عملها كـ "ميكانيكي" في فبراير الماضي في مركز الحسيني لصيانة السيارات بمدينة نصر، بعد صراع استمر لسنوات مع عائلتها وأصحاب الورش ومراكز الصيانة ليقبلوا باقتحام "امرأة" لهذه المهنة، فمنذ كانت مقبلة على دراستها الثانوية، كانت أميرة تعلم هدفها، وتعرف ما الذي يثير في نفسها الحماس؟
بشغف وأمل تحدثت أميرة لـ "احكي" عن مشوارها الذي بدأته، وما زالت تسعى خلفه. اعتادت منذ صغرها أن تجلس بجانب سائق السيارة الخاصة بوالدها وتطلب منه أن يشرح لها كيف يديرها؟ وما هي أجزاءها؟ "بدأت أسمع صوت الموتور، وأروح مع بابا عند الميكانيكي عشان أتفرج".
ومن حبها للسيارات قررت أميرة أن تلتحق بالثانوي الصناعي لتدرس الميكانيكا بديلا عن التعليم الثانوي العام، وهي الرغبة التي قابلتها أسرتها برفض تام مستنكرين أن تختلف ابنتهم عن نهج العائلة، فوالدها كان مهندسا برئاسة الجمهورية، وكذلك أخيها الأكبر، وتعمل والدتها مديرة مدرسة، لتعدل، في النهاية، عن قرارها وتجتاز الثانوية العامة، وتواجه بعدها رفضا آخر بالتحاقها بقسم مدني إنشائي بكلية الهندسة، وتدخل "العمارة"، التي لم تكمل الدراسة بها.
الرفض، والاضطرار لدراسة مجال آخر غير الذي تحبه، إلى جانب إلى زواجها من جارها، الذي يكبرها بست سنوات، وهي ما زالت في الثامنة عشر كلها ظروف جعلتها تؤجل حلمها، ولكنها لم تنسه أو تتخلَ عنه، فظلت تحاول إقناع زوجها بعملها في ورشة للميكانيكا، الذي كان من أشد المعارضين للفكرة، تقول أميرة "كانت تبقى مشكلة بالنسبة له لو فتحت كبوت العربية أزود مياه" لينتهي زواجها بعد عامين بالطلاق بسبب الميكانيكا ضمن أسباب أخرى، وتستمر محاولة الاستقلال بحياتها بصحبة ابنتها لارا، ذات الأربعة أعوام، الآن.
بعد الطلاق، قررت أميرة أن تحقق ما تريد بشكل عملي، وحاولت إقناع والدتها بعملها كـ "ميكانيكي"، رفضت الأم وقاطعت ابنتها "قالت لي تحرمي عليا ليوم الدين، وبقيت أكلمها ماتردش، أروح البيت ماتفتحليش"، ولكن هذا لم يثنها عن السعي وراء شغفها، رغم مواجهتها مشكلة العثور على ورشة تقبل بعمل فتاة لديها "اصحاب الورش كانوا رافضين مبدأ دخولي وسط الصنايعية، معنهدهمش ثقة لا في البنت ولا الصنايعي".
ولأنها لا تعرف الرفض، ولا تقنعها كلمة "لا"، تحدت الجميع من أجل الميكانيكا، ومن أجل الحلم الذي رسمته لنفسها، فسعت حتى استطاعت أن تعمل لدى مركز صيانة لمدة تزيد على الشهرين، ولكن عملها كان يقتصر على المشاهدة والمعرفة فقط، فصاحب العمل كان يرفض أن تقوم بالأعمال الفنية والعمل كالرجال، حتى استطاعت أن تلتقي بالحسيني، صاحب المركز الذي تعمل به حاليا، ولاحظ اهتمامها بالسيارات وجرأتها على فحص السيارة ورغبتها في المعرفة، فطلب منها أن تعمل لديه.
يقول الحسيني عارف، صاحب مركز الصيانة، "كانت مع صديقة ليها بتصلح عربيتها، ولقيتها بترفع حاجة كبيرة من العربية ونزلت على الأرض مش مهتمة بمظهرها"، وهو السبب الذي شجعه على عقد شراكة معها لمدة خمس سنوات، ليصبحا بعد ذلك كالعائلة، فاستطاع الحسيني أن يقنع والدة أميرة بعملها، ويجمع شملهما مرة أخرى، ولكن أختها الصغرى ما زالت تقاطعها ولا تجري معها أية أحاديث. وترى في عملها "فضيحة".
تخرج أميرة من مدراس إنجليزية تجعل مَنْ يراها من العملاء يعتقد أنها تعمل من أجل المال مرددين "إيه اللي راميكي على البهدلة دي؟"، غير مقتنعين أنها تحقق ذاتها، وتصنع مستقبلا حددت ملامحه بدقة، فهي ليست بحاجة للمال، وتقول "أنا هأكون صاحبة أول مول في مصر للسيارات فقط "، وترى أن ابنتها ستفخر بها يوما ما بعد أن تكون هي صاحبة هذا المركز التجاري.
هيئتها الذكورية، التي تتعمدها في بعض الأحيان، تجعل كثيرون يعاملونها على أنها "رجل"، وليست سيدة لديها بنتا في الرابعة من عمرها، فبعد أن اضطرت لقص شعرها بسبب إصابة في الورشة رأت أميرة أن ذلك أفضل كثيرًا، خاصة لأنها تنهي عملها في وقت متأخر من الليل "بروح متأخر وبكون مقلقة، لكن بعد شعري الناس بيعاملوني على أني ولد، لأنه بقصد ألبس هدوم واسعة".
واجهت أميرة مشكلات داخل العمل، ورفض غير مباشر من قِبل بعض زملائها، ولكنها كانت قادرة على الاستمرار وإثبات قدرتها على إدارة الأمور لصالحها، وتجعل الجميع يقبلون بوجودها ويحترمونه، كما تسعى إلى تطوير ذاتها عبر مراسلة أكاديمية أوروبية للدراسة في ألمانيا.
الكاتب
هدير حسن
الأحد ٢٥ سبتمبر ٢٠١٦
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا