بمبة كشّر.. سيدة الرقص الشرقي وابنة السلاطين
الأكثر مشاهدة
"ست الكل" ابنة الحسب والنسب، الفنانة التي صنعت لنفسها طلّة مختلفة، وهزت شهرتها أرجاء القطر المصري كله، التي حاول الجميع منافستها، ولكنها كانت السلطانة المتربعة على عرش الرقص الشرقي في زمانها.
بمبة كشّر، سليلة إحدى أشهر العائلات المصرية، فوالدها الشيخ أحمد مصطفى، من أشهر قراء القرآن الكريم وقتها، وابن السلطان مصطفى كشّر، أحد أعيان مصر في القرن الثامن عشر، ووالدتها حفيدة أحد السلاطين المماليك "الأشرف أيتال"، ولدت عام 1860، وكانت رابع إخوتها، وأكثرهم قربا من والدها.
محبتها لأبيها جعلتها تتخلى عن والدتها بعد وفاته، وقيام الأم بالزواج من القارئ الخاص بالخديو توفيق، الشيخ إسماعيل شاه، فارتحلت مع أشقائها اعتراضا على تصرف الأم عام 1874 إلى حي الحسين، حيث تعرفت على راقصة تركية شهيرة تُدعى "سلم"، وعملت معها في تقديم الموشحات المصرية، وهي لم تتخط الرابعة عشر من عمرها.
في أثناء عملها معها، تزوجت بمبة ممَنْ كان يقود لها الحمار في رحلات الذهاب والرجوع من حفلات العرس مع الراقصة "سلم"، ولكنها سرعان ما انفصلت عنه، واستطاعت أن تصنع اسمها، وتكتسب شهرة واسعة لدى الباشوات والسلاطين وهي في العشرين من عمرها، حين استطاعت أن تنفصل عن "سلم" وتؤسس فرقتها الفنية الخاصة.
شخصيتها القوية، ونجمها اللامع في سماء الرقص الشرقي جعل كثيرون يتهافتون على طلب الزواج منها، فتزوجت سبع مرات، إحداهن من الفنان "سيد الصفتي"، المشهور حينها، ومن بعده تزوجت توفيق النحاس ابن شهبندر التجار، الذي أنجبت منها ابنتيها حُسن وخديجة، ولكن لم يكتمل زواجهما بسبب عائلته التي طلبت منها الاعتزال ولكنها رفضت، فانفصلا، وسعى وراءها أحد أعيان الصعيد، وقدم لها 60 فدانا من أجود الأراضي الزراعية كمهر، فتزوجت منه لفترة لم تطل، وتزوجت رجل شديد الثراء ابتاع لها حنطورا من أوروبا مكتوبا عليه الأحرف الأولى من اسمها باللغة الإنجليزية بالذهب.
كانت بمبة تحب الفن، وقدمت له الكثير، ولولا عدم وجود وثائق مدونة وتاريخ مكتوبة عنها لعرفنا كيف أثرت الحياة الفنية في عصرها، فهي صاحبة أول مهرجان فني سنوي أطلقت عليه اسم "حفلات الزار" كان يجمع الأعيان والباشوات والسياسين من ربوع مصر وأنحائها ليشاهدوا فقرات المهرجان، التي تبدأ أولى لياليه بعزف فرقة "حسب الله" للسلام الوطني، ثم تظهر مجموعة من الفتيات، أعضاء فرقتها، يرددون الأغاني ويرقصون، وفي الليلة الثانية يبدأ الحفل بإطلالة أشهر المطربين وقتها، صالح عبد الحي وعبد اللطيف البنا، ليقوما بزف كرسي الزار، الذي تجلس عليه بمبة محمولا من ثلاثة رجال، وهما يغنيان "كرسي العواف نصبوه لك"، لتبدأ بعدها فقرتها الاستعراضية.
استطاعت بمبة أن تتفوق على نجمات جيلها، وأهمهن "شفيقة القبطية"، فاقتنصت منها الساحة، وأصبحت هي أهم راقصة، وكانت ترفض أن تتشارك الرقص مع أي راقصة، أو أن تحيى الحفل فنانة غيرها، ولقبها الباشوات والأعيان بـ "ست الكل"، فكانت ترقص وفوق رأسها صينية يغطيها الذهب والمال.
لم تلحق بمبة بركب السينما، فقد توفيت في السبعين من عمرها عام 1930، ولكنها استطاعت المشاركة في الفيلم الصامت "ليلى" عام 1927، كما أدت دور في فيلم "بنت النيل" عام 1929.
اهتمامتها لم تنحصر في الفن، ولكنها كانت مطلعة بأخبار بلدها، فقد استقبلت وفد سعد زغلول بعد عودته من المنفى بتجهيز شارع الموسكي (بمنطقة مصر الجديدة حاليا)، وفرشه بأفخر أنواع السجاد احتفالا به.
حاولت الفنانة نادية الجندي تجسيد جزء من مسيرة بمبة كشّر في فيلم سينمائي يحمل اسمها، وتم عرض الفيلم عام 1974.
الكاتب
هدير حسن
الإثنين ٢٦ سبتمبر ٢٠١٦
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا