عن السيدة.. ومصر
الأكثر مشاهدة
هي باب تطرقه ولا ترد خائبًا، تشاطرك مشاعرك على تقلبها وتسري عنك من جعبة حكاياها التي لا تنتهي وكأنها ولدت بمائة شخصية وعاشت آلاف القصص، لم تغنِ عن القصة بل كانت هي القصة، هناك من أطلق عليها "الصوت الملائكي" ليس لأنه سمع صوت الملائكة بالتأكيد بل لأثر صوتها الذي فيه سلوى للناس، ورغم أن إنتاجها يمكن إحصائه عدديًا لكنك تتوقف حائرًا أمام أثره وكلما تكبر يزيد صداه بداخلك وتقترب منه أكثر وكأنه يتجدد إلى ما لا نهاية.. هي السيدة فيروز، سيدة أمس واليوم وكل يوم.
جارة القمر السيدة فيروز
(1)
ولدت الطفلة "نهاد رزق وديع حداد" ببيروت في 21 نوفمبر 1935، كان الغناء هو الشيء السحري في طفولة بسيطة كما حال الأسرة فكانت نهاد تقضي وقتها منصتة للأغنيات التي يبثها راديو الجيران وتحفظها سريعًا وتظل ترددها، ظلت هكذا حتى زار مدرستها "محمد فليفل"، ملحن النشيد الوطني السوري، ليبحث عن مواهب جديدة والتقطها وأقنع والدها المحافظ أنها لن تغني سوى الأغاني الوطنية ليقدمها بعد ذلك للجمهور اللبناني من خلال الإذاعة .
بدأت تغني لعاصي الرحباني عام 1952الذي رأي أن صوتها لا يصلح للأغاني الغربية قبل أن يكتشف أنه على خطأ وسرعان ما اتحدت مع الأخوين رحباني ليقدموا ثالوثًا فنيًا غيّر مسار الأغنية العربية، ففي وقت كانت أم كلثوم تقضي ساعتين في وصلة غنائية، قدمت فيروز والرحبانية أغنيات قصيرة وسريعة وذات ألحان أكثر غربية، لاقت انتشارًا واسعًا في الفضاء العربي رغم أن معظمها كان بالدارجة اللبنانية.
"كنت أغني هيك مثل ما أنا، منيح مش منيح شو بيعرفني بس كنت أغني لأني بحب أغني كتير"
اقرئي أيضًا.. فاطمة سري.. الأم التي قهرتها هدى شعراوي
(2)
تزوجت فيروز من عاصي الرحباني عام 1955 واختارا مصر لقضاء شهر العسل، وكانت أولى زياراتها لمصر، أجرى الثلاثي الرحباني حوارهم الأول مع فاروق القاضي محرر مجلة "أهل الفن" في عددها الـ68 في يوليو من نفس العام، وفوضت فيه فيروز الخجولة ومنصور، عاصي الرحباني للحديث عنهم وصرح حينها أنها ستؤدي بعض من أدوار الشيخ سيد درويش.. وانتظر المصريون المرة الأولى التي ستغني فيها فيروز بلهجتهم لتشدو بعد ذلك "زروني كل سنة مرة" وكأن الشيخ لحنها من أجلها وقد غنتها بعد ذلك في إحدى الحفلات في القاهرة فرسمها صلاح جاهين معلقًا "أهو أنتي.. اللي لازم تزورينا كل سنة مرتين تلاتة"
(3)
ظلت مصر بقعة الضوء على المسرح الثقافي العربي لسنوات طويلة وكان لها شروطها فهي تستقطب المواد الخام العربية وتصهرها وتصوغها وتنقش عليها ختم الصناعة المصري فكان "كل من يأتي لمصر يتمصر" لدرجة أن تُصدم بعد ذلك كون صباح ووردة وفايزة أحمد لسن مصريات.. أما هي فكانت الاستثناء فغيرت المجرى ووضعت بصمتها اللبنانية على اللهجة المصرية ولا يسعك إلا أن تغني معها بلكنتها المميزة. كتب أنيس منصور عن لقاء صوتها وألحان الموسيقار محمد عبد الوهاب، الذي قد وصف صوتها بخيوط الحرير واشعة الفضة، قائلًا: "جاءت هذه الأغنيات على اسطوانة، ودارت الاسطوانة بيننا شهورا مبهورين بلقاء عبد الوهاب وسيدة الغناء اللبناني فيروزالتغيير الوحيد في كلام أغنية خايف أقول اللي في قلبي هو أن الأغنية المصرية تقول: أنا زارني طيفك في منامي.. ولكن فيروز غنتها: أنا زارني طيفك بمنامي.. ما الذي بهرنا؟ إننا سعداء بأن نسمع الأغنية من أروع صوتين في دنيانا عبد الوهاب وفيروز."
اقرئي أيضًا.. هند رستم التي كرهت قولبة الإغراء واختارت زوجها
بعدها التقت فيروز الجمهور المصري عام 1969 للمرة الأولى في الحلقة الأولى لبرنامج "أهلًا وسهلًا" وكانت في ضيافة المذيعة سلوى حجازي وأعد الحلقة أنيس منصور الذي يبدو أنه وضع سؤالًا عن اللهجة، فخلال الحلقة سألها أحد الحضور عن غنائها أنا زارني طيفك "بمنامي" وكونها غيرت اللهجة فأجابت "غنيتا أنا وما حدا قالي شي حتى الأستاذ محمدعبد الوهاب شو بيعرفني إذا غلط ولا صح." .. كانت هادئة وبسيطة تخجل من الجمهور وتحيل الأسئلة على الأخوين.
(4)
جاءت لمصر من وسط جحيم الحرب الأهلية اللبنانية لتحي حفلًا على مسرح الصوت والضوء بالأهرامات عام 1989، دخلت فيروز مصر من دون حتى أن يتم ختم جواز سفرها بسبب حفاوة الاستقبال كما يحكي المخرج جميل المغازي-لبرنامج العاشرة مساءًا- الذي أخرج الحفل للتلفزيون المصري
في نفس الحفل اختار لها ابنها الموسيقي زياد رحباني لحن درويشي آخر هو "أهو ده اللي صار" غفله الرحبانية الأباء وغنته للمرة الأولى آنذاك.
وقفت فيروز وقفتها الشامخة المعتادة والذي يسميها زياد "عارض المجد"، أطربت الحضور، غيرّت طلتها 3 مرات وفي كل مرة بدت بعض من الجلال والجمال، انحنت بهدوء للجمهور الذي وقف يحيها عند كل دخول، وظل يحيها حتى اللحظة.
اقرئي أيضًا.. صفية زغلول.. زوجة المناضل وأم المصريين
اقرئي أيضًا..
حكاية الخواجاية الفلاحة مريم فخر الدين
بسمة عبد العزيز.. طيبية نفسية تهوى الكتابة والرسم والعزف وترفض لقب "دكتورة"
الكاتب
ندى بديوي
الإثنين ٢١ نوفمبر ٢٠١٦
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا