”علا” تمسح الأحذية لتكون والدة ”الدكتورة”
الأكثر مشاهدة
كتب: سمر حسن- هدير حسن
بوجه بشوش مرسوم ملامحه بعلامات الشقى، تجلس امرأة أربعينية أمامها صندوق خشبي، لم تستسلم لظروف الزمن، ولكنها اختارت الطريق الصعب الذي يحفظ كرامتها، وحولت العقبات إلى تحديات، فتمكث وراء "صندوق الورنيش" أكثر من عشر ساعات يوميًا، رامية خلف ظهرها "القيل والقال"، لكي تصل في النهاية إلى حلم عمرها بأن تصير ابنتها الوحيدة "طبيبة"، وتجد أصوات المارة ينادون بـ"علا".
"الشغل مش عيب، والشغلانة ديه علمتني إزاي أتعامل مع البشر، والست لازم تكافح عشان خاطر ولادها"، بيد تمسك الحذاء ويد أخرى تحرك الفرشاة بشكل انسيابي، بدأت "علا"، التي تسكن في "منشية ناصر"، تسرد لـ "احكي" الأسباب التي دفعتها للعمل في هذه المهنة، ذاكرة أن طلاقها وترك زوجها أحد الأسباب الرئيسية لذلك "أنا بعد طلاقي حسيت أني لازم أقف على حيلي".
لأسباب مادية ومعنوية اتجهت المرأة الأربعينية إلى العمل الشاق، لكي تتغلب على ظروفها؛ فوجدت نفسها تلعب دور الرجل والمرأة، بعد انفصالها الذي مر عليه سبع سنوات، فوجدت نفسها وحيدة في بحر المسئولية، وابنتها التي تبلغ من العمر 15 عاما جعلت معادلة حياتها صعبة، ووضعتها أمام التحدي الأكبر "أنا اللي كنت بشتغل وبطفح الكوتة عشان أعرف أصرف على بنتي".
"أمي علمتني إزاى أكافح عشان القرش، والست لازم تشتغل عشان تشتري راحتها"، فكانت الأم هي المثل الأعلي لـ "علا"، فوضعتها نصب أعينها وارتادت أكثر من ميدان، فعملت عاملة نظافة، وبائعة ألعاب، خلال السنوات الأخيرة لكي توفر لها ولابنتها الحياة الكريمة.
صندوق خشب، وورنيش وفرشاة، كل ما تملكه "علا" منذ خمسة أشهر، وهم سبيلها الوحيد لتكسب رزقهامن العمل كـ "ماسحة أحذية" في منطقة "وسط البلد"، "أنا بحب الشغلانة ديه لأنها بتوفر لي حاجات كتير في بيتي" تقولها بنفس متقبلة وراضية، وتحمل في يدها حذاء أحد الزبائن، بدأت تسرد حكاياتها مع الأحذية، التي فضلتها عن الأعمال الأخري التي قامت بها.
على ناصية شارع الألفي، تسمع المارة والعاملين بالمنطقة بنادون على "علا" بتحية صادقة، ولفتت إلى أن الزبائن يأتون إليها من أماكن بعيدة، وقطع الحديث رجل أربعيني "أنا من ليبيا، وعرفت علا من أسبوع بس، واستحالة امسح جزمتي عند حد تاني".
وجهها البشوش وأسلوبها الحسن، يحميها من مضايقات "الزبائن" ، "لما الزبون بيرزل بعرف اتصرف معاه، بدافع عن نفسي وعن كرامتي ونفس الوقت أعامل الزبون بأفضل الطرق".
عن إمكانية بدء حياة جديدة قالت علا "أنا فكرت أتجوز تاني، عشان كلام الناس كتير"، موضحة بنظرة شاردة إلى رغبتها في الزواج مرة ثانية كي يجعلها تعيش "مرتاحة"، ولكنها ما زالت تنتظر الشخص المناسب الذي يقدر ظروفها ويجلب لها السعادة.
الهدف الأول لعملها هو مستقبل ابنتها الوحيدة، فانتقلت من عمل إلى آخر كي تجد المكسب "الحلال" الذي يئمن لها تحقيق حلمها في رؤية ابنتها الوحيدة "عائشة" طبيبة لكى تعالج آلامها الناجمة عن عملية القلب المفتوح التي أجرتها.
الكاتب
احكي
الإثنين ١٩ ديسمبر ٢٠١٦
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا