عائشة التيمورية.. أديبة هجرت الشعر بعد وفاة ابنتها
الأكثر مشاهدة
كانت تختلف عن بنات زمنها، فلم تهوى يوما تعلم التطريز وإعداد صنوف الطعام، تلهث فقط وراء الكتب والمطالعة، وشغفها يتحقق بالقراءة والمعرفة، فلم تكن عائشة التيمورية يوما مناسبة لـ "حرف النساء".
عام 1840، ولدت عائشة عصمت بنت إسماعيل باشا بن محمد كاشف تيمور، المعروفة بـ "عائشة التيمورية"، في أحد قصور درب سعادة، حين كانت مقرا للطبقات الأرستقراطية، وكانت خصال أهل البيت تضع العلم والثقافة في المقام الأول، وتُنشئ أجيال تهتم بمطالعة الأدب والعلوم السياسية، فكانت عائشة أخت الأديب أحمد تيمور، الذي تولت تربيته وتعليمه بعد وفاة والدها، وعمة الكاتب المسرحي محمد تيمور ومحمود تيمور.
في زمنها، لم يكن الأهالي يكترثون بتعليم الفتيات، ولم تكن المجالات أمامهن مفتوحة، إلا أن والدها إسماعيل باشا، رئيس القلم الأفرنجي للديوان الخديوي بعهد إسماعيل (ما يوازي منصب وزير الخارجية حاليا)، حرص على تلقينها العلم وتعليمها اللغات لما وجده من اهتمامها بالمعرفة والمطالعة، فأحضر لها المعلمين لتتقن اللغة الفارسية والعلوم العربية، إلى جانب التركية.
كانت والدة عائشة، ماهيتاب هانم التي تنتمي إلى الطبقة الأرستقراطية، تعارض اهتماماتها العلمية، وترى الفتاة للبيت وتعلّم الطبخ والنسج والتطريز، ورغم هذه المعارضة استطاعت "التيمورية" أن تحقق آمالها، وقالت عن ذلك "والدتي.. صارت تجد في تعليمي وتجتهد في تفهيمي وتفطيني، وأنا لا أستطيع التلقي، ولا أقبل في حرف النساء الترقي، كنت أفر منها فرار الصيد من الشباك، والتهافت على حضور محافل الكتب بدون ارتباك.. وأتخيل أن اللحاق بهذه الطائفة أوفى نعمة.. فتعنفني والدتي بالتكدير والتهديد.. فبادر والدي وقال لها: "دعي هذه الطفلة للقرطاس والقلم".
اقرئي أيضا: صفية زغلول زوجة مناضل وأم للمصريين ومناصرة للمرأة
قصائد عاشة التيمورية
في الرابعة عشر من عمرها تزوجت عائشة من محمد بك توفيق الأسلامبولي، ووفر لها سيدتين لتزيدها من علوم الصرف والنحو والعروض، فأتقنت نظم الشعر باللغة العربية والتركية والفارسية، فلها ديوان بعنوان "حلية الطراز"، وديوان آخر بالفارسية طُبع في مصر والآستانة وإيران، ورسالة في الأدب بعنوان "نتائج الأحوال في الأقوال والأفعال" نشرت بمصر وتونس، وكتاب "مرآة التأمل في الأمور"، ورواية "اللقا بعد الشتات"، ورواية أخرى لم تكملها، هذا بخلاف مقالاتها في جرائد "المؤيد" و"الآداب".
كان لدى عائشة من الأبناء اثنين محمود وتوحيدة، وكانا كل حياتها، لذا كان فراق ابنتها توحيدة لها بالغ الأثر عليها، فبعد وفاة الابنة وهي ما زالت في الثانية عشر من عمرها، ظلت الأم ترثيها وتبكي فقدانها لسبع سنوات، للدرجة التي أفقدتها بصرها، وعبرت عن حزنها "بنتاه يا كبدي ولوعة مهجتي"، وتخلصت من كل أشعارها إلا القليل منها.
وقالت في أشهر القصائد التي كانت ترثي فيها ابنتها، ومراحل مرضها ورحيلها في النهاية:
جاء الطبيب ضحى وبشر بالشفا ... إن الطبيب بطبه مغرور
وصف التجرع وهو زعم أنه ... بالبرء من كل السقام بشير
...
لما رأت يأس الطبيب وعجز ... قالت ودمع المقلتين غزير
أماعه قد كل الطبيب وفاتني ... مما أؤمل في الحياة نصير
وبعد أن تمكنت من استعادة بصرها قليلا، عبرت عن ذلك من خلال بعض الأبيات الشعرية، التي وصفت فيها مدى سعادتها واعتبرته تحرر من سجن الرمد، وقالت:
أهلا بنور عيون راق لي وصفا ... من بعد يأسي وطول الخوف والفرق
فيا تحيات برء شهدها فمي ... حلّي مرارة تسهيدي من القلق
بأي قول أحييه وعزته ... عزت منالا فلم تدرك لمستبق
لكن ضمير التهاني غير مستتر ... ونور أنسى بدا للناس كالفلق
وبعد الفقد والفراق، عكفت على قراءة القرآن ودراسته، واهتمت بالدفاع عن الحجاب، ورفضت دعوة قاسم أمين بتخلي السيدات عن حجابهن وخلعه، وقالت في إحدى قصائدها:
بيد العفاف أصون عز حجابي وبعصمتي أسمو على أترابي
ولقد نظمت الشعر شيمة معشر قلبي ذوات الخدر والأحساب
عوذت من فكري فنون بلاغتي بتيمية غراء وعز حجابي
ودافعت عائشة عن تحسين أحوال المرأة المصرية، وتناولت في أحد كتبها مسألة القوامة، وحث الرجال على أن يقوموا بواجباتهم تجاه زوجاتهم، وكانت تنشر المقالات التي توضح فكرتها، وسبقت قاسم أمين، كما يعتقد البعض، في المطالبة بتحرير المرأة، ولكن دون ما وصفته بالسفور والتخلي عن الحجاب.
عام 1898، أصيب عائشة بمرض في المخ، استمر لأربع سنوات حتى رحلت في مايو 1902.
اقرئي أيضا: تعرفوا على المناضلة الجزائرية جميلة بوحيرد
شارع عائشة التيمورية
بعد وفاتها بسنوات، تم تخليد اسم عائشة التيمورية على أحد شوارع القاهرة، ففي حي جاردن سيتي، وتحديدا كان أحد الشوارع له طابع خاص ويحمل اسم "الوالدة باشا"، حيث لم يكن للمصريين الحق في الدخول، باعتبار أنه شارع ملكي مخصص للأمراء والملوك، وكان يضم قصور أسرة محمد علي باشا، و"الوالدة باشا" هي أم الخديوي إسماعيل وزوجة إبراهيم باشا.
وبعد عقود طويلة، ظل خلالها الشارع حكرا على الأسرة المالكة والمقربين منها، جاءت وفاة الخديوي إسماعيل في عام 1895 بمشكلات تتعلق بالإرث وبيع أحد القصور، وفي النهاية تم تغيير اسم الشارع ليصبح "عائشة التيمورية".
وألفت عنها الشاعرة الفلسطينية مي زيادة كتابا أسمته "عائشة تيمور: شاعرة الطليعة" تتناول فيه شعرها بالدراسة والتحليل، كما تتطرق إلى حياتها الشخصية ونشأتها وزواجها ومسيرتها كسيدة أرستقراطية ورائدة في الحركة الأدبية.
اقرئي أيضا:
جاسيندا أردرن أصغر من تولت منصب رئيس الوزراء النيوزيلندي
الكاتب
هدير حسن
الخميس ١٦ مارس ٢٠١٧
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا