”أم إسلام”.. من زوجة و أم إلى ”كارتجية” بموقف ميكروباصات ”الإسعاف ”
الأكثر مشاهدة
تصوير : هدير حسن خليل
عندما تخرج من محطة مترو " جمال عبد الناصر" وتتجه إلى موقف ميكروباصات "الإسعاف- بولاق الدكرور" ستجد على يسارك كشك شهير لبيع الحلوى والسجائر، أمامه تحت كوبري 15 مايو كرسي خشبي قديم، تجلس عليه سيدة في
بداية الأربعينات من عمرها تتميز ببشرتها الخمرية الحادة، وارتدائها للجلباب مع بعض الحلى والإكسسوارات النحاسية كبيرة الحجم، مع ربطة طرحة رأسها بشكل خاص مميزة بها.
ويعد هذا الكرسي هو المكتب الخاص لـ " أم إسلام " "كارتجية الموقف " الذي تباشر وتدير من خلاله عملها، في تنظيم الموقف وجمع " الكارتة " المفروضة على جميع سائقين، " الكارتة " هي الأتاوة المفروضة على جميع سائقي الميكروباصات، ولا يستطيع أحد رفض دفعها، لأنه بذلك يعرض نفسه للضرب والإهانة وأحيانا تصل إلى حد تدمير الميكروباص، متحججين بعلاقاتهم القوية مع الجهات المسئولة، وأنها تذهب إلى المحافظة كضرائب على عملهم"
تصل أم أسلام الموقف في تمام الساعة السابعة صباحا، وتغادره الخامسة عصراً، حيث إن العمل ينقسم إلى ورديتين، الأولى تبدأ الساعة من الخامسة فجراً حتى الثانية عشر ظهراً، والثانية تبدأ في تمام الثانية عشر ظهراً حتى الخامسة عصراً.
تحكي أم إسلام قصتها وتقول " انها نشأت وسط 3 صبيان وتولت مسئوليتهم وتربيتهم الكاملة منذ أن تركتهم لها أمها بعد وفاتها وهي ابنة الـ 19 عام، مع استكمال دراستها حتى حصلت على دبلوم تجارة، وأثناء فترة دراستها عاشت قصة حب مع ابن الجيران، الذي فضل أن يتوج حبه لجارته بالزواج، و بالفعل عقد القران.
أما عن بداية عملها داخل الموقف ترجع إلى عام 2012 أي منذ 5 سنوات تقريبا، عندما حكم على زوجها بالسجن لمدة عام في قضية مخدرات، وهو يعتبر واحد من أقدم سائقي الموقف، فلم يكن لديها خيار سوى النزول الى الشارع لمباشرة عمل زوجها بدلاً منه، بعد أن تخلى عنها جميع المقربين لها وتركوها وحيدة في أزمتها، هي وطفليها الصغار".
ساعدها على أخذ هذه الخطوة، هي الظروف التي مرت بها "أم إسلام "منح شخصيتها الكثير من القوة، بالإضافة إلى ملامحها الحادة، جعلها في نظر الجميع امرأة لا يستهان بها ولا يستضعفها أحد، فداخل " الموقف" هي صاحبة الكلمة الأولى والأخيرة ، فلا يستطيع أحد على رد كلمة لها، لكن في بيتها لا تجرؤ على رفع عينها أمام زوجها.
ولهذا سنت "أم إسلام " قانونها الخاص داخل الموقف وعلى جميع السائقين الالتزام به، وإلا سيعرض نفسه للغرامة المالية و الأحكام المفروضة.
المادة الأولى تختص بمواعيد العمل وتنظيم الدوريات:
" العمل داخل الموقف ينقسم إلى ورديتين الأولى من الساعة الخامسة فجراً حتى الثانية عشر ظهراً، والأخيرة من الثانية عشر ظهراً حتى الرابعة عصراً، مع العلم أن الكارتة المفروضة على السائقين 3 جنية للملتزم بدوره و5 لغير الملتزم ".
المادة الثانية خاصة بتعاطي المخدرات و "الحشيش " خلال فترة العمل:
"ممنوع منعاً بتاً تناول السائق أي نوع من المخدرات أثناء فترة عمله، وحالة ضبط أحدهم في وضع غير متزن وغير مؤهل للعمل، يتم إلغاء دوره ولا يقوم بتحميل راكب واحد في عربته، موضحة ذلك بأن السائق يحمل معه أرواح " بني أدمين" وهو المسئول عنهم وعن وصولهم بسلامة، هذا إلى جانب أن الموقف يوجد بمنطقة وسط البلد فهذا يجعل فرصة التعاطي تكاد تكون منعدمة حيث لا يجرؤ أحد على إصدار أي تجاوز من تلقاء نفسه بسبب انتشار الأمن والداخلية في كل مكان".
المادة الثالثة تتعلق بالمشاجرات والخلافات داخل الموقف:
إشارات أم إسلام إلى أن "الموقف كثيرا ما يتعرض للعديد من المشاجرات والخلافات سواء بين السائقين وبعضهم أو مع الركاب، حيث لا يعلو صوت فوق صوتها، فعند نشوب أي مشاجرة تقف على الفور بين المتعاركين وتنزرع بينهم وهذا يكفي لفض أي نزاع".
المادة الرابعة والأخيرة في قانون الموقف تهتم بالمتعلقات الشخصية للركاب :
"في حالة فقدان أحد الركاب لمتعلقاته وأغراضه الشخصية أثناء رحلته داخل الميكروباص يعود إلى أم إسلام على الفور، وتبقى محتفظة بها في أمان تام حتى يعود صاحبها ويستلمها منها شخصياً بعد ما يدلي بإمارة خاصة بالمفقودات، فلا شئ يفقد ويضيع عند " أم إسلام".
ينتهي يوم أم إسلام داخل الوقف في تمام الساعة الخامسةعصراً، وهنا تخلع ثوب العمل، وترتدي ثوب الأمومة وتعود إلى حياتها الطبيعية كزوجة وأم تراعي بيتها وأبنائها، وتبدأ رحلة التنظيف واعداد الطعام ومزاولة مهنة الأم كما يجب أن تكون.
الكاتب
إلهام زيدان
الثلاثاء ٠٧ نوفمبر ٢٠١٧
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا