”نعمات عيسى”.. زوجة، وسكرتيرة، وممرضة
الأكثر مشاهدة
"وسط كل هذه الدياجير الحالكة، والآلام المتزايدة، والمشروعات الفاشلة.. ترفقت بي رحمة السماء فأهدتني أروع منحة يحتاج إليها إنسان فى مثل ظروفي.. منحة إلهية لم أكن أحلم بها رغم طبيعتي المتفائلة".
يقف المثل القائل: "وراء كل عظيم امرأة" عند المرأة، دون وصف محدد لها، أما عن هذه المرأة فقد وصفها الكاتب "صبحي الجيّار" أبلغ وصف، فكل امرأة قادرة على تكوين عظيم ودفعه للأمام هى بالطبع "منحة إلهية".. هي زوجته، ورفيقة كفاحه السيدة "نعمات حامد عيسى"
أصيب الكاتب والأديب الراحل "صبحي الجيّار" بمرض تسبب في تيبّس عظامه، فأصبح غير قادر على تحريك معظم أجزاء جسده وهو لم يتعدَ الخامسة عشر، وبسبب فقره المادّي لم يتسطع الخوض فى رحلة علاج طويلة.
عاش الكاتب 45 عام نائمًا في فراشه، لكنّه ورغم ظروف مرضه الصعبة لم يستسلم لقدره، الذي كان يصف فعلته به بـ "لقد نكل بي القدر".. وكانت زوجته السيدة "نعمات" هي الضوء الذي سار عليه، فقد كانت بمثابة عوض القدر عن ظلمات يأسه وقيوده.
"لو أنّي أملك خاتم سليمان، وأتيح لي أن أضع مواصفات الانسانة التي تقوم علي خدمتي وتشاركني حياتي الخاصة، القاسية.. لو أني أملك حرية الاختيار، لما اخترت خيرًا من نعمات"..
بدأت حكاية الكاتب مع زوجته في يوم 4 مارس عام 1948 عندما تعرّف عليها للمرة الأولى، وقد كانوا فى نفس السن تقريبًا، فى العشرينات من عمرهم، ومن اليوم الأول من التعرف عليه كانت تدفعه للتفاؤل، وتزيد من حماسه الذى يأتي تارة، وتارة يغيب.
كان يحاول الخروج من سجنه بالكتابة، فعمل مؤلفًا قصصيًا، ورسامًا، وكاتبًا صحفيًا، وأصدر مجلّة أدبية كان يديرها من فراشه.
كل هذا حدث بمساعدة الزوجة التي شكّلت خطًا موازيًا لخطوات زوجها.. زوجها الذي لم يوافق أهلها على الزواج منه، وكان الجميع يراه قرار مجنون، لكنها لم تبالِ.. تزوجته لتبدأ معه رحلته يومًا بيوم، منذ استيقاظه وحتى خلوده للنوم.
ابتكرت الزوجة ونشًا ليساعده على دخول الحمام، ثم تعد له الجرائد ليتصفحها وهي تطعمه فطاره، ثم تعدّه لاستقبال ضيوفه وهو فى أجمل صورة بعد حلاقة ذقنه وتغيير ملابسه.
كانت هى اليد الكاتبة لكل ابداعاته، والتي ترتب كتبه وشرائط التسجيل الخاصة به، كما كانت حلقة الوصل بينه وبين الجهات التي يتبادل زوجها الأعمال معهم.
"ثمة اعتقاد راسخ يؤكد لي أن الله لم يخلق نعمات إلا لأجلي".. هكذا لم ينكر الكاتب "صبحي الجيار" يومًا فضل زوجته علي حياته، فقد خصص لها فصلًا كاملًا باسمها الذي تعود أن يناديها به (هدية السماء) وذلك فى كتابه الذى كتبه عن قصة حياته (ربع قرن في الغيوم)
كما خلّد ذكراها مرّة أخري عندما صور لها بعضًا من المجهود الذى تبذله معه أثناء يومه فى فيلمه (يوم فى حياة صبحي الجيار) والذي كان من إعداده وإخراجه.
هكذا هنّ العظيمات، خالدات دائمًا فى الذاكرة، وتلك العظيمة تركت لنا درسًا لا يُنسى في الحب الغير مشروط، كما دفعت لنا العظيم "صبحي الجيّار".
الكاتب
أمينة صلاح الدين
الأربعاء ٠٦ ديسمبر ٢٠١٧
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا